في هذا البوست نستعرض آخر قضية من قضايا رواية "قصر الدم وقضايا أخرى" وعنوانها: القاتل هو كريس.
كما يظهر العنوان يجد هيرشار نفسه أمام قضية المتهم فيها هو كريس بشكل واضح وهناك من شهد على هذا. في المقابل وفي ذات الجانب كريس تكون مختفية عن الأنظار. فما الحقيقة خلف القضية؟
من فصول القضية:
كانتا تتشاجرا، شتيمة من هنا، وأخرى من هناك، الصوت يكاد يسمع من مدينة أخرى، في لحظة، تركت إحداهما الأخرى، دخلت غرفة، أخرجت شيئا، ثمّ عادت، كانت الأخرى واقفة وتدير ظهرها لها، وتشتم وتلعن، وفي لحظة، لفّت حبلا حول رقبتها، شدّت، شدّت أكثر، حتى أسلمت الأخرى روحها..ووقفت كريس تنظر لضحيّتها.
نهضت فزعة، كانت تلهث بقوة وتتعرق، ارتكزت على نهاية السرير وجلست، نظرت، كان كأس ماء بجوارها، شربته كلّه جرعة واحدة، فهدأت.
"يا-يا له من-من كابوس!." قالتها وهي ما تزال تلهث.
********************
لم تنم ليلتها..بقيت جالسة على السرير، نهضت، وخلعت ملابسها، ودخلت لتستحمّ فربّما يساعدها على الهدوء، دخلت الحمّام، وفتحت المياه، بعد ساعة، خرجت، نشّفت جسدها وشعرها ولبست ملابسها، ارتدت بنطالا أسود وكنزة حمراء بلا أكمام، كانت الكنزة تسمح بظهور نهرها حيث تركت كريس الأزرار مفتوحة بسبب شعورها بالحرارة منذ الكابوس.. أحسّت براحة قليلة، تركت شعرها الأشقر منسدلا على كتفيها، ثمّ همّت بمغادرة المنزل، فتحت باب المنزل، وخرجت، تقدّمت قليلا، ثمّ رأتها، تلك المرأة مجدّدا، نظرت إليها المرأة بغضب وتقدّمت باتّجاهها..وقفت كريس تنتظر السيناريو شبه اليومي نفسه.
"أنت!..." قالت المرأة.
"ما هذا اللباس؟ أنت تتعمّدين هذا لتلفتي انتباه الرجال إليك! إنّك شيطان! تحاولين إغراء الرجال حتّى تلهيهم عن زوجاتهم!."
كانت المرأة في الثلاثينيّات، بيضاء بشعر أسود طويل،
نظرت إليها كريس وقالت:
"لم يأت أحد من الجيران، وبالأخص السيّدات إليّ، وتحدّثوا بهذه الطريقة..إذا كنت تعتقدين أنّني أحاول إغراء زوجك، فلماذا لا تنتبهي على نفسك وتعتني به؟." قالت كريس محاولة استفزازها فقد سئمت من تكرار السيناريو يوميّا.
تقدّمت منها المرأة..مدّت يدها وأمسكت الكنزة عند الصدر، وأغلقت الأزرار، قالت:
"هكذا أفضل...وإيّاك أن تقفي مع زوجي ثانية!."
وغادرت المرأة، وقفت كريس، فتحت الأزرار، ومشت هابطة باتّجاه سيّارتها،
"يا له من يوم، كابوس فيه تلك المرأة، وصباح بصراخها."
كان رأسها يؤلمها..فشربت حبّة، ثمّ انطلقت بسيّارتها نحو الجامعة.
******************
عادت إلى المنزل، أرادت النوم، لم تنم جيّدا البارحة وكان يوما طويلا، تمدّدت على السرير، أغمضت عينيها، وغفت، بعد ساعات، حلمت نفس الحلم، واستيقظت بعدما قضت على المرأة، شهقت، شربت ماءا، وجلست مهمومة على سريرها.
مضت خمس ساعات...نهضت وبدلّت ملابسها..وغادرت نحو الجامعة...كانت تمشي ببطء وتعب...رأتها آيرين وماريّا..نادتا عليها فالتفتت، وتوجّهت نحوهما.
"تبدين شاحبة كريس...ما الأمر؟."قالت آيرين
"آه، لا شيء، لم أنم جيّدا في الأيّام الماضية، فقط."
"هذا واضح، فعيناك بياضهما تحوّل للأحمر." قالت ماريّا
"ولماذا لا تنامين جيّدا؟." سألت آيرين
"آه، كابوس مزعج."
"كابوس؟!." قالت آيرين وماريّا معا
"آه، إنّه مزعج جدّا، لكن لا بأس..لن يستمرّ طويلا." وابتسمت بكآبة..ثمّ استأذنت منهم وغادرت.
جاء شمايكل بعدها وقال:
"ما بها جميلة قسمنا؟."
"هذا ليس من شأنك!." قالت ماريّا
"حقّا!..أتغارين منها آنسة ميكيللي؟." قال ساخرا
"اخرس أيّها الأبله!."
"أين هيرشار شمايكل؟." قالت آيرين
"آه، إنّه يلعب في الاستاد، مباراة تحدي."
"تحدي؟."
"آه، لقد تحدّاه جورج!."
همهمت آيرين لأنّها فهمت، كان جورج وهيرشار أفضل لاعبين للكرة في القسم، لكنّهما لم يكونا على توافق ليلعبا بفريق واحد، جورج كان يكره هيرشار لأنّه ذكي، فلم يرد مشاركته في الفريق..بينما لم يكن هيرشار مهتمّا لهذا.
جاء كريستوف راكضا...قال:
"آيرين وماريّا من دون كريس..أين هي؟."
"تبّا.."قالت ماريّا.. "أنتما مجرّد أحمقان."
"ولماذا لم تسأل عن هيرشار؟." قالت آيرين
"لأنّني أعلم أنّه أنهى مباراته منذ لحظات...كنت هناك."
"وما النتيجة؟." سأل شمايكل
"لقد فاز فريق هيرشار."
"إيه..لكن..ألم يكن فريق جورج متقدّما بفارق هدف حتّى الدقائق العشر الأخيرة حين غادرت أنا؟."
"هذا صحيح، لكن هيرشار سجّل هدفين في الخمس دقائق الأخيرة وقلب الطاولة على جورج."
"يا له من لاعب!..رائع!..كما هو رائع في الاستنتاج."
فرحت آيرين لانتصار فريق هيرشار..ثمّ غادرت هي وماريّا باتّجاه محاضرتهما.
**********
بعد أن غادرت كريس مبنى الجامعة، أحسّت أنّها ما زالت بحال ليست جيّدة، قادت سيّارتها بعد أن انعطفت إلى اليمين، ثمّ مشت بها مسافة كيلومتر واحد قبل أن توقفها..نزلت من السيّارة..ودخلت مبنى، في داخله..دخلت من باب مكتوب على يمينه على الحائط...عيادة الدكتور مايكل.
وقفت أمام السكرتيرة، كانت شقراء وبعينان زرقاوتان، في العشرينيّات..قالت:
"لديّ موعد هنا."
أومأت السكرتيرة...وقالت:
"آنسة كريس، هذا صحيح، الطبيب في انتظارك."
دخلت إلى غرفة الطبيب، كان في الثلاثينيّات، طويلا، نحيلا، أبيضا، شعره بنّي، وعيناه عسليّتان..رحّب بها قائلا:
"أوه، مرحبا بك كريس..كيف حالك؟."
"لا أعتقد أنّني بخير."
عبس ثمّ قال:
"ولماذا؟..ما الأمر؟..وجهك شاحب."
"آه، إنّني لا أنام جيّدا، أحلم بكابوس كلّ يوم، رأسي يؤلمني، وأشعر بدوار أحيانا."
همهم الطبيب..قال:
"وما هو الكابوس؟."
"كابوس مزعج...أحلم فيه أنّني أقتل امرأة بخنقها..ثمّ استيقظ مباشرة عندما أنتهي من هذا."
همهم الطبيب مرّة أخرى..قال:
"ألست متحرّية ومررت بالعديد من القضايا؟..ربّما الإرهاق من التحرّيات هي السبب..وربّما تلك المرأة سبّبت لك إزعاجا."
"آه، لقد سبّبت لي إزعاجا كثيرا..وربّما التحرّيات وراء هكذا كابوس..هذا صحيح."
"رأسك يؤلمك ربّما لأنّك تفكّرين كثيرا والأمر ذاته ينطبق على الدوار...لكن..كيف وضع طعامك؟."
ونظر إليها وقال:
"إنّ جسمك رائع..لكنّني أعلم تفكير غالب الفتيات.."
"آه، إنّني آكل بشكل جيّد." وضحكت من تعليقه.
وصف لها الطبيب دواء..وطلب منها إراحة نفسها..من التفكير والحركة معا.
****************
عادت ليلتها إلى المنزل ليلا...كانت متعبة وتشعر بدوار..ضغطت زرّ المصعد وانتظرت...أتى شخص معها عائدا وحيّاها وانتظر معها...ركبا الاثنان المصعد...نزلت في طابقها الخامس...أخرجت المفتاح من حقيبتها..فتحت الباب...وذهبت مباشرة إلى سريرها...ونامت مباشرة.
حلمت بذات الحلم، لكن هذه المرّة كمن اعتاد الأمر، بقيت نائمة.
استيقظت في الصباح..شعرت بتحسّن قليل، رغم تكرار الحلم...نهضت من سريرها..وقرّرت أن تأخذ حمّاما قد يزيد تحسّنها...دخلت الحمّام بعد أن خلعت ملابسها...خرجت بعد نصف ساعة..كانت تضع منشفة فقط تغطّي جسدها.
"ياه، أشعر أنّني أفضل قليلا.."
دخلت إلى غرفة النوم، مشت قليلا..ثمّ فجأة أجفلت، نظرت بجانب السرير...كان الحلم قد تحقّق...وجدت تلك المرأة مخنوقة بحبل بجانب سريرها.
وضعت يديها على فمها...ذهب كلّ التحسّن، أسقطت المنشفة من الرعب فبقيت عارية..انحنت على المرأة..كانت ميّتة..تلفّتت حولها برعب.
"ما-ماذا أفعل؟."
لم يكن عقلها في داخل رأسها...ثمّ انتبهت خارج النافذة..كان هناك شخصان يقفان على سطح المبنى المجاور ينظران إليها...أسرعت بوضع المنشفة التي سقطت عن جسدها واحمرّ وجهها...لكنّها أدركت بعدها..أنّهما..
لم يكونا ينظرا لجسدها العاري بقدر نظرهما للمرأة التي على الأرض..ارتعبت..رأتهما ينزلان سريعا..أدركت أنّ الأمور تسير نحو الأسوأ...قفزت وغيّرت ملابسها سريعا...ثمّ هبّت راكضة...فتحت باب المنزل...ونزلت راكضة بأقصى سرعة...سمعت وقع خطواتهما...أجفلت وأسرعت أكثر..وركضت بالاتّجاه المعاكس لوقع الخطوات...أخرجت هاتفها...لكنّه سقط منها...لم تفكّر في التقاطه...بقيت تركض...وتركض...من دون أن تعلم إلى أين تذهب بالضبط!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق