نستعرض اليوم في هذا البوست صفحات من الجزء الأول من رواية الشيطان والذي كان يتحدث عن حالة اختفاء. يتفاجأ هيرشار بزيارة من امرأة تخبره أنّها تريد منه البحث عن زوجها بعد فشل الشرطة في الوصول إليه. مرّ وقت لا بأس به على اختفائه ولم يعثر عليه أحد. هيرشار يضع جميع الاحتمالات بما فيها الموت لكن إطلاقا لم يكن يتوقع أن يكون أمر الاختفاء هذا بداية لشيء أكبر بكثير مما كان يمكنه أن يتخيّله.
نترككم الآن مع صفحات من هذا الجزء وقراءة ممتعة:
مشى هيرشار في الاتّجاه الذي أشار إليه العجوز.
"هل هذا الاتّجاه يخفي الحقيقة؟ رجل غادر منزله قائلا أنّه ذاهب إلى العمل في شركته..لا يدخل الشركة بل يمشي بالقرب منها ثمّ يختفي ولا يعود؟."
"شاردا ومتوترا؟ ماذا كان سيفعل هناك؟."
مشى هيرشار أكثر..كان الاتّجاه الذي يمشي فيه كالصحراء، لكنّه رأى بعدها البحر على يمينه..لم يكن يراه بسبب الضباب كما بدا له، ورأى فندقا وشاليها هناك.
"هل أتى إلى هنا؟." وقصد الفندق.
كان فندقا من أربع طوابق اسمه فندق البحر الاحمر، شاهد أناسا من الجنسين يجلسون عند الشاطىء..دخل إلى الفندق بعد أن صعد عدّة درجات عند مدخله ثمّ دلف المدخل الواسع..كان هناك قسما استقبال واحد إلى اليمين والآخر إلى اليسار..على اليمين، كانت موظفة بيضاء البشرة، شعرها بنّي بدت في الثلاثين أو نهاية العشرينيات، ارتدت قميصا أبيضا وبنطالا أسودا وكان القميص بحمّالة.
"ما أشبهها بماريا!."
بينما كان هناك رجل في الآخر، أبيض البشرة، أسود الشعر، طويل القامة، ارتدى قميصا أبيضا وبنطالا أسودا.
نظر هيرشار إليهما بالتناوب..ثمّ قرّر.
"أفضّل الرجل على شبيهة ماريا المزعجة!."
وتوجّه نحو الرجل فاستقبله الرجل بابتسامة جميلة.
"أهلا بك..كيف أساعدك؟."
"عفوا..أنت استقبال لأي شيء؟." بدا أنّه أدرك
"للحفلات."
"والحجوزات؟."
"للفتاة هناك." وأشار إلى شبيهة ماريا
"كما توقّعت!." سخر لنفسه
فشكره ودار حول نفسه وذهب نحو شبيهة ماريا.
استقبلته الأخرى بابتسامة أظهرت جمال أسنانها..ابتسم لها وسألها:
"مرحبا، هل لي أن أسألك شيئا؟."
"تفضّل."
وقبل أن يتكلّم كانت قد بدأت في حديث حول الفندق وغرفه وإطلالة الشاطىء وأسعار الغرف والمميّزات التي توجد في هذا الفندق ولا توجد في غيره..استمع
هيرشار مدهوشا ومنزعجا.
"تبّا! لا تشبهها فقط، بل ثرثارة أيضا مثلها!." قال لنفسه.
وبعد أن أنهت كلامها..قالت:
"هل أحجز لك غرفة؟."
"هل تسجّلين أسماء الزوّار؟."
"نعم."
"هل مرّ عليك شخص باسم بيريس؟."
"بيريس؟!."
"نعم."
"سأرى..متى نزل هنا؟."
"آ-آه..لست متأكّدا أنّه نزل، إذا كان قد نزل فربّما منذ شهرين."
"شهرين؟!."
ونظرت إليه نظرة وكأنّها تقول له:
"هل تعبث معي؟." ففهم من النظرة ووضّح.
"إنّه مختف منذ شهرين."
"ف-فهمت."
"هل تستطيعين معرفة ذلك؟."
"أعتقد هذا..سأرى الحاسوب."
وبينما كانت تمشي نحو غرفة..قال آليا:
"نعم..احجزي لي غرفة."
فنظرت إليه نظرة من يعتقد أنّه يجب أن يحجز لك غرفة في مستشفى المجانين.
وقف هيرشار أمام المكتب منتظرا..عادت الفتاة بعد خمس دقائق قائلة:
"لا يوجد شخص بهذا الاسم قد نزل هنا."
"هل لم ينزل حقا؟ أم أنّه نزل باسم مستعار؟." قال لنفسه.
"وإذا كان قد فعلها..لماذا؟!." أكمل لنفسه بينما تراقبه هي.
"ما اسمك؟."
"ماذا؟." أجفل
"ألا تريد أن أحجز لك؟."
"آ-آه..بلى."
"إذن أعطني اسمك أم سأحجز لك بشكلك."
فضحك هيرشار ساخرا.
حجز غرفة في الطابق الثاني..صعد إليها يفكّر ودخلها فكانت غرفة من سرير وحمّام..مدّد نفسه على السرير وخلال دقائق كان قد نام.
في نومه، حلم..كان حلما غريبا..
حلم أنّه هو وآيرين كانا يقفان معا، يضحكان على تلّة أسفلها بحر وفجأة..حدثت هزّة فانقسمت التلّة لنصفين وكلّ واحد في نصف، حاولا الوصول إلى بعضهما البعض عندها سقط وهو ينظر إلى آيرين تبكي، سقط، وللغرابة..كان كلّ من يعرفهم يضحكون على سقوطه وحين وصل القاع وارتطم، استيقظ لاهثا..كان الفندق يهتزّ..أم أنّه كان حلما؟ لا! كان يهتزّ..حدّق إلى النافذة..كانت تتراقص.
***************************
استيقظ هيرشار في الصباح على نور الشمس الذي ضرب وجهه..فكّر في الحلم الغريب ثم نهض واغتسل، كانت الساعة الثامنة صباحا..ارتدى قميصا أسودا وبنطال جينز وسرّح شعره بالمشط..فتح باب الغرفة ونزل ليتناول الفطور في الفندق..نزل إلى مطعم الفندق وبدأ يضع من مختلف الأصناف، بيضا مسلوقا وجبنة بيضاء وصفراء وكأس شاي..جلس على إحدى الطاولات ونظر حوله فوجد أنّه الوحيد من الرجال بلا امرأة معه..تذكّر آيرين ثمّ الحلم فاغتمّ لكنّه واصل الأكل، وبعد أن انتهى من طعامه والشاي، ذهب وصبّ شايا مجدّدا ثم عاد وجلس..كان اثنان وراءه على طاولة..لم يدر ظهره ليرى هيئتهما وسمعهما يقولان:
"هل شعرت بها؟."
"آه..لم تكن هزّة خفيفة."
"غرفتي كانت تتحرّك."
"وأنا أيضا."
"لقد أخرجت الهزّة أخبارا."
"ماذا تعني؟."
"سمعت أخبارا من الخارج."
"حول ماذا؟."
"لا أعلم..هناك لغط وجمع في الخارج."
فكّر هيرشار..نهض مسرعا إلى الخارج وعندها سمع أصواتا لجمع كبير بدت تأتي من خلف الفندق..دار حول الفندق فرأى أشجارا بدت كغابة، ثمّ رأى حشدا من الناس فاقترب منهم متوتّرا.
مرّ من بينهم وهم يتحدّثون..حينها رآها..
جثّة رجل يرتدي قميصا وبنطالا أسودين..وأثر رصاصة في رأسه..تسائل ثمّ سمع الإجابة من الناس:
"لقد كانت الهزّة كفيلة بإخراجه من مدفنه..لقد اهتزّت الأرض فظهر بعض من هذا الرجل الذي لم يدفن على عمق كبير كما يبدو."
أمرهم هيرشار بالابتعاد لينحني عند الجثة ويتأمّلها.
بحث في الجيوب في بنطاله وفي قميصه فلم يجد محفظة أو أيّ شيء..لم يكن يملك صورة لبيريس..هل هو نفسه؟ لم يستطع أن يكون متأكّدا، كان عليه أن يعرف سريعا فأمسك هاتفه بينما ما زال يمنع الناس من الاقتراب وطلب رقما..كان قد أخذ خلسة بطاقة خاصة بالمفتّش كلارك من مكتبه..انتظر قليلا ثمّ أجابه.
"مفتّش كلارك؟."
"أنت أيّها الفتى..ماذا تريد؟."
"لقد عرفتني بسرعة."
"أميّز الأصوات مباشرة."
"جيّد."
"ماذا تريد؟."
"لقد عثرت على جثّة."
"وماذا في هذا؟ لست المعنيّ بهكذا مواضيع..اتّصل على.." لكنّه صمت وقد أدرك.
"هل تعني؟."
"ربّما."
"ربّما؟."
"هل تملك صورة له؟."
"نعم."
"هل تمانع بإرسالها لي؟."
لحظات صمت.
"اتّصل بمارك."
"هل سترسلها؟."
"أين أنت؟."
"فندق البحر الأحمر."
"جيّد."
"هل سترسلها؟."
"سأفعل." وأقفل الخط.
انتظر هيرشار وهو يتأمّل الجثّة..سمع الناس يتكلّمون عن أنّ الشرطة في الطريق..لقد اختصروا عليه مكالمة مع مارك وسماع الموشّح الخاص حول ال بوم هيرشار.
بعد دقائق..تلقّى رسالة ففتحها فكانت الصورة من كلارك..حدّق فيها طويلا ثمّ في الجثة..لم يكن هذا بيريس..إذن، من؟ ولماذا؟.
***********************
تسمّر هيرشار في مكانه..بعد لحظات سمع صوت صفّارات سيّارات الشرطة ورأى مارك وسام يقتربان معا..كان مارك يرتدي بدلة بنية وسام سوداء..أشعل سام سيجارا عندما اقترب من هيرشار..رأى هيرشار بعدها توم وضبّاط يبعدون الناس ويسوّرون المنطقة.
"ها قد عدت إلى أخبارك الشؤم." قال مارك بانزعاج
"ماذا تفعل هنا أيّها الصعلوك؟ فندق كهذا، أشمّ رائحة.." وقرّب وجهه من هيرشار الذي أجفل.
"ل-لا توجد رائحة..نمت هنا فقط."
"حقا؟."
"ن-نعم."
"حسنا..هل هو ضالّتك؟." قال مارك وهو ينحني عند الجثة.
"ضالّته؟!." قال سام
"آ-آه، لا..ليس هو."
"حقا؟." قال مارك
"نعم."
ثمّ شرح هيرشار الأمر لسام.
"هيه..تغوص في قضية اختفاء شخص فتعثر على جثة شخص آخر..جميل جميل." ردّ سام
"ما هو الجميل أيّها المغفّل؟!." قال هيرشار لنفسه
"حسنا..لا محفظة ولا إثباتات." قال مارك بعد أن انتهى من التفتيش.
"توم..صوّر هذا الرجل وابدأ في السؤال عنه هنا." قال سام
"حاضر."
"ونحن سنسأل في الفندق." قال مارك
فمشى هو وسام..تبعهما هيرشار بعينيه ثم اقترب من الجثة ببطء..نهره أحد فريق الطب الشرعي.
"آ-آه..لقد أسقطت شيئا هنا."
انحنى مديرا ظهره..أمسك حذاء الرجل، كان هناك كعب في إحدى القطعتين فقط فأزالها ببطء فرأى ورقة مثنيّة..وضعها بسرعة في جيبه وأعاد الكعب، حينها..
أجفل..نظر خلفه سريعا واتّسعت عيناه.
"ه-هناك..من يراقبني." ووقف وهو يرتعش.
نظر حوله مجدّدا..لا أحد غريب فمشى نحو باب الفندق.
"ماذا ستكشف هذه الورقة يا ترى؟." حدّث نفسه
دخل الفندق ورأى مارك وسام يستجوبان أشخاصا مجتمعين..سار نحو المصعد لكنّ مارك ناداه.
"أوي هيرشار..هذا الرجل كان هنا."
وقف..دار حول نفسه ومشى نحو مارك.
"ماذا؟." قال وهو يقترب.
"يقول هذا الموظف أنّه رأى هذا الرجل يقيم هنا."
وأشار لموظّف آسيوي المنظر يرتدي زيّ الفندق من قميص أبيض وبنطال أسود.
"منذ متى؟." وجّه هيرشار سؤاله إلى الموظف
"منذ شهرين تقريبا."
"شهرين؟!."
"ما الأمر أيّها الصعلوك؟." قال سام وهو ينفث دخان سيجارته فنظر إليه هيرشار نظرة ازدراء.
"لقد اختفى الذي أبحث عنه منذ شهرين."
"أوه." قال سام ومارك معا
"ما اسمه؟." سأل هيرشار مارك
"سألت موظفة الاستقبال..قالت أنّها تذكّرته لكنّها لا تذكر اسمه، إنّها تحاول الرجوع إلى الأسماء الآن لعلّها تتذكّره."
فتذكّر هيرشار شبيهة ماريا شكلا وثرثرة.
"هذا يبعث عندنا بعض الاحتمالات." قال سام وهو يطفىء سيجارته في منفضة.
"الأوّل..أنّ هذا الرجل والرجل المختفي يعرفان بعضهما البعض وكلاهما قتلا أو حصل شيء للآخر."
"الثاني..أنّ المختفي هو المسؤول عن قتل رجلنا هنا."
"والثالث..أن تكون لدينا قضيّتين منفصلتين."
فأومأ هيرشار ومارك مؤيّدان.
ابتعد هيرشار عنهما..ذهب نحو المصعد وضغط الزرّ وانتظر شاردا..فكّر كيف أراد الله بهزّة أن يخرج الجثة..هزّة! تذكّر الحلم..كان حلما مزعجا جدّا، لكن ما جعله أقلّ اهتماما به كان أنّه من يتعرّض للخطر لا آيرين.
"شرود الحبيبة."
فأجفل..نظر إلى يمينه فوجد شبيهة ماريا فابتسمت له.
"ماذا تعنين؟."
"وجهك كان كتابا مفتوحا الآن..تفكّر في حبيبتك."
فاحمرّ وجهه.
"ل-لا." فابتسمت.
"ما اسمك؟."
"ليليانا."
"اسم جميل."
"أشكرك." ثمّ مشت قليلا لتتجاوزه.
"هل لديك حبيب؟."
"لماذا تسأل؟." كانت قد وقفت مديرة ظهرها له
"كيف عرفت بشرودي وتفكيري؟."
"كان لديك نفس وجهه..الرجل الذي أحببته، حين التقيت به أوّل مرّة، كان يفكّر في حبيبته التي ماتت."
"وماذا حصل له؟."
مشت نحو مارك وسام.
"لقد مات."
"آسف."
"أنا من فتح الأمر."
فتابعها وهي تسير باتّجاههم.
"هل عرفت اسم الرجل؟." صرخ
"للأسف لا."
فانفتح باب المصعد..دلف إليه هيرشار وصعد إلى غرفته ودخلها شاردا ثم جلس على السرير..أخرج الورقة وأعاد فردها..كان مكتوبا فيها كلمة واحدة فقط.
NOC
حدّق بها هيرشار طويلا..
"جثّة رجل مدفونة، والرجل يخفي رسالة في كعب الحذاء..ليس تفكيرا من رجل عادي."
"نوك..إذا كانت ما أفكّر فيه.." كان يحدّث نفسه.
ارتعش وهو يرى الأحداث القادمة المتوقعة..كانت نافذة الغرفة مفتوحة..الهواء اللطيف داعب الستارة..كانت النافذة خلف هيرشار.
لم يلحظ أنّ شخصا كان خلف الستارة يقف..لاحظه فقط، حين شعر بمسدّس..يوضع خلف رأسه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق