الأربعاء، 1 أبريل 2020

فصل من قضية "قصر الدم"

سنستعرض في هذا البوست فصل من القضية الأولى من الرواية الثانية "قصر الدم وقضايا أخرى" وعنوانها "قصر الدم."
يجد هيرشار نفسه في مغامرة استكشافية لأمر لغز غامض يتحدث عن كنز مدفون في قصر. لكن تلك المغامرة لم تخلو من الرعب والغموض.
الفصل المختار من القضية هو:
بعد أن كان واقفا ينظر من خلال النافذة التي كانت تهتز بسبب الرياح والمطر المنهمر عليها...التفت ينظر إلى الفتاة التي جلست مقابل مكتبه، كانت فتاة بشعر أشقر، بيضاء البشرة، وجهها يعلوه النمش، عيناها رماديتان من اللون النادر، قصيرة بطول 160 سم، ثم جلس...وقال:
"عفوا؟...لم أسمع جيدا..قصر...قصر ماذا؟."
"قصر الدم!." قالت..
"إ-إيه...ولماذا يسمّى هكذا؟."
"بسبب حادثة حصلت فيه قبل مدة طويلة تقريبا...منذ خمسة عشر سنة من الآن..." ونظرت إلى حضنها.
"خمسة عشر؟!."
"نعم، كنت حينها في الخامسة من عمري...لم أكن هناك لكنني سمعت بالقصة لاحقا."
"سمعت؟...من أخبرك؟...وما هي القصة؟."
"كبير الخدم في منزلي..كان هناك في ذلك اليوم هو ومجموعة من الخدم...وقد شهدوا ما حصل وقتها..هو وخادمتين فقط بقوا...الخادمتين أصبن بصدمة...سمعت أنهنّ استقلن بعدها...وراجعن طبيبا نفسيا...وواحدة منهنّ..انتحرت..."
"انتحرت؟."
"آه، بعد عدة شهور من تلك الحادثة..لم تستطع احتمال ما جرى..."
"ل-لكن، ما الذي جرى؟...لم تخبريني بعد..ولم تقولي لي ما المطلوب مني؟."
"آه، أنا سالي نورمان...ابنة مايكل نورمان."
"آه، ابنة تلك العائلة الثرية؟." ونظر هيرشار للفتاة الجالسة أمامه والتي لم يبدو عليها ما يعرفه عن ثراء العائلة.. 
"نعم...كان والدي...أحد الذين...حضروا تلك الحادثة...هو..ووالدتي..."
"وما الحادثة؟!!."..كان هيرشار قد نفد صبره...
"هل سمعت من قبل؟...عن مجازر؟."
"مجازر؟!!!."
"آه، لقد حصلت هناك....مجزرة...لم يعلم بها إلا القليل..ولم تنشر قصتها...لوجود مسؤولين بارزين حضروها."

****************

في 28-3-1999، اليوم الاثنين، المكان قصر نورمان الجبلي، الوقت مساء، الجو ممطر عاصف...
كان قد اجتمع نورمان مع عدد من أصدقائه والمسؤولين البارزين مع زوجاتهم وكانت زوجة نورمان موجودة هناك، كان هناك الخدم حوالي 10...وقد كانت أشبه بسهرة من النوع الفاخر...كانت الضحكات والقهقهات والمرح يجوب المكان...بدأت السهرة عند السادسة مساء وكانت تسير بمثالية...إلى الساعة العاشرة حيث حصل ما غيّر الاجواء وقلب الامور رأسا على عقب...طرق باب القصر عند العاشرة...فتح كبير الخدم الباب فوجد رجلين مبللين بالكامل يرتديان معطفا أسودا وقبعة لا يظهر من وجههما شيء يحملان حقيبة تشبه حقائب تسلق الجبال...
"ماذا تريدان؟." سأل كبير الخدم...
"نحن تائهان...والمطر وعصف الرياح زاد الأمر سوءا...هل نستطيع أن نبيت الليلة هنا؟." قال احدهما والذي كان يقف على اليمين من كبير الخدم..
"آه، لكن..."
"أرجوك...نريد الحماية واللجوء...ليلة..ليلة واحدة..."
"انتظرا قليلا هنا..."
وعاد كبير الخدم إلى حيث كان ضيوف السيد نورمان وهو موجودون وهمس في أذن السيد نورمان فقال السيد نورمان...اجلعهما يدخلان لا بأس...
عاد كبير الخدم الى الرجلين وطلب منهما الدخول...توجها إلى الغرفة التي كان فيها الجميع جالسا...وضعا على الطاولة امامهم مجموعة اكياس وفتحوها...سرعان ما انتشر في الجو..وبدأ الجميع في فقدان العقل..
فقد الجميع عقله...وقف رجل ورفع كرسيه وضرب به رأس الذي بجانبه...صرخ آخر فنظر الجميع إليه فإذا به يغرس الشوكة في يده والدم يسيل...وقفت امرأة وخلعت ملابسها وبدأت بسكب الشراب على ثدييها وجسدها..رجل أمسك سكينا وهجم بها فطعن ثلاثة بها..انتشر الأمر...استمر لساعات..كبير الخدم والخادمتين ينظران من المطبخ مصدومين..أين الرجلين الذين دخلا؟...كانا قد حملا أغراضا وغادرا...حاول كبير الخدم التحرك...فاقترب أحد الرجال منه، ممسكا بسكينة قطع رسغه أمام كبير الخدم وأمسكه باليد الثانية...تراجع كبير الخدم...صرخت الخادمتين...هربتا إلى الداخل...لحق بهما كبير الخدم...خرجوا من القصر...وأوصل كبير الخدم الخادمتين إلى منزله مؤقتا...وهما لم يعودا كما كانا سابقا...وكأنّ عقليهما طار مما حصل...

"هل يعقل؟!!..ماريجوانا؟." فكر هيرشار لنفسه..

عاد كبير الخدم إلى القصر بعدها...فتح الباب الخلفي الذي غادر منه بحذر...تقدم إلى الغرفة التي كانوا فيها..صرخ!!!!!...رأى جميع من كان في الحفل جثثا متراكمة فوق بعضها البعض...القصر امتلأ بالدماء..فبات فعلا..قصر الدم!!.

***************

"هذا ما سمعته من كبير الخدم الذي لا أدري كيف بقي عقله صامدا..وإن كان قد ظهر عليه علامات..."قالت سالي...
"حقا!!...إنه أمر مفزع..علامات؟.."
"آه..لقد سافرت مرة خارج البلاد..طلبت منه المجيء معي...لكنه رفض ..حاولت معه قليلا، لكنه استمر على رأيه...مع أنه كان سيكون سعيدا.."
"آه، المسكين...وماذا حصل بالخادمتين؟."
"كما قلت لك...احداهما دخلت مصحة للأمراض العقلية والاخرى انتحرت.."
"ومن أعلمك بهذا أيضا؟."
"كبير الخدم، تسوجي."
"تسوجي؟."
"آه، نسيت، هذا اسمه."
"اممم، فعلا إنها تجربة مفزعة..لكنني لم أفهم بعد...لم أنت هنا؟...وما هو المطلوب مني؟..وهل لهذا علاقة بهذه القصة؟."
"لقد مات والداي في تلك الحادثة..أريد أن اعرف من هذين الرجلين.."
"هل تمزحين؟...خمسة عشرة سنة مضت...كما أنّ هذين الرجلين يبدوان كسارقين وتجار مخدرات."
"في الحقيقة...لقد كنت أبحث في منزلنا وهو المنزل الذي كنا نعيش فيه أما القصر فكان للمناسبات...كنت أبحث في متعلقات والداي وعثرت على ورقة."
"ورقة؟."
"آه، تبدو ك...الطريق الواجب اتباعه للحصول على الكنز."
"هاه؟!!!."
"حقا هي كذلك!..لقد كانت معنونة هكذا."
"وأين هذه الورقة؟."
"ها هي.." وأعطت هيرشار الورقة التي كانت داخل مغلف..فتحه، اخرجها، كانت ورقة قديمة جدا يعلوها غبار ومكتوبة بخط رديء، قرأ بصوت عال..."سريع كالريح، هادىء كالغابة، عنيف كالنار، ثابت كالجبل...اتبع هذه المبادىء واستمع لقلبك..تصل إلى الكنز المدفون.."
وكانت موقعة ب "تارديللي نورمان؟!."
"آه، إنّه جدي.."
"إذن جدك كتب هذه الرسالة عن كنز مدفون؟."
"يبدو الأمر كذلك...لقد كان عمري خمس سنوات وقت الحادثة المروعة واذكر انّ والدي تحدث مرة عن كنز في ذاك القصر..يعتبر التركة الكبرى لأفراد العائلة.."
"ذاك القصر؟!..أهو؟."
"نعم، قصر الدم!."...أجفل هيرشار..صمت قليلا..ثم قال:
"هناك صورة داخل المغلف.."
"آه، إنها صورة لنا نحن العائلة قبل خمسة عشر عاما."
نظر هيرشار للصورة متأملا ثم قال: "إذن؟...ما المطلوب مني؟."
"لدي فضول حول الأمر..وأريد منك اكتشافه.."
"اكتشافه؟!."
"نعم!." واحمرّ وجهها واخفضت رأسها قائلة..."لا تعتقد أنني سأذهب إلى ذلك القصر أبدا...أليس كذلك؟."
"آ-آه..أعتقد هذا."
"لذا.."
"تريدين مني الذهاب إلى ذاك القصر...وحلّ اللغز الموجود في هذه الورقة؟."
"بالضبط!." وابتسمت متحمسة
"لكن." تردد هيرشار..
"هل أنت خائف؟."
"إ-إيه..لا بالطبع...فقط أتسائل."
"لا تتسائل...سأجعل كبير الخدم ينتظرك هناك، لقد أخبرته أنك ستأتيه هناك وسيساعدك، إنه عايش والدي وجدي وربما يعلم، بل بالتأكيد يعلم أكثر مني."
"أخبرته؟!!..أوي أوي..لقد جعلت الأمر كأنني وافقت منذ أيام." تهكّم هيرشار لنفسه...
"ماذا قلت؟."
"آ-آه، حسنا موافق!."
"حقا؟!..شكرا لك..إذن متى؟."
"أين يقع هذا القصر؟."
"على تلة جبل دلوما...انه بارز جدا ويصعب عدم ملاحظته."
"هيه، حقا؟!.." سخر هيرشار...
"إذن؟..سأتصل بتسوجي وأخبره أنك قادم اليوم..."
"آ-آه، حسنا.."

*************

قاد هيرشار سيارته والمطر ينهمر على الزجاج لدرجة أنّ المسّاحات لم تكن قادرة على مواكبته...بدأ يقترب من العنوان..البرق وصوت الرعد مع المطر المنهمر أضافوا طعما آخر على الرحلة...قال لنفسه...
"ألم يكن من الأفضل البقاء في المنزل في هكذا جو؟."
ثم تذكر أنه لا داعي لهذا الكلام الآن بعد أن رآه امامه...قصر نورمان...قصر الدم !.
أوقف السيارة في ما بدى له كموقف للسيارات...رأى سيارة واقفة.."ربما هي لكبير الخدم.." قال لنفسه..هبط من السيارة مع الحقيبة التي أحضرها معه..وسقط منه شيء لم ينتبه عليه..وتوجه نحو باب القصر..
طرق الباب بالأداة الحديدية التي عليه..انتظر لحظات..فتح الباب...وأطل رجل بدا لهيرشار في السبعين من عمره،أبيض البشرة، كثّ الشعر، أبيض الشعر والحاجبين..كان يرتدي بدلة سوداء اللون في حين ارتدى هيرشار كنزة سوداء وفوقها معطف بنيّ على بنطال جينز.
"هل أنت هيرشار؟." قال الرجل..
"آ-آه نعم..سيد تسوجي إن لم أكن مخطىء...كيف حالك؟."
"صحيح...بخير..تفضل بالدخول."
تقدم هيرشار بالدخول..نظر إلى كبير الخدم وهو يغلق الباب...
قال هيرشار خائفا..."ع-عفوا..هل هذه التي على الباب؟."
"دماء." أجابه ببرود وأضاف.."أظن أنّك تعلم بالحكاية."
"آ-آه ن-نعم." أجاب هيرشار ثم تحدث لنفسه..."يبدو أنها ستكون ليلة ممتعة جدا!." ساخرا قالها..
تقدم مع كبير الخدم إلى الغرفة التي شهدت الحادثة..دخلا إليها..كانت بالفعل اثباتا...لم يرتّب شيء في القصر بعد الحادثة وترك كما هو...الغرفة بدت كساحة قتال، لا شيء في مكانه...أواني، لوحات..كل شيء مكسّر على الأرض..ولا يخلو شبر في الغرفة من بقع دماء..كل شيء بقي كما هو..فيما عدا الجثث التي خرجت من القصر إلى قبورها...
"حقا..لقد كانت ليلة لا تنسى أبدا..." قال كبير الخدم.
وضع هيرشار حقيبته على كرسي...وفي أثناء ذلك سقطت منها محفظته وجواز سفره..نزل كبير الخدم والتقطهما له وسأله: "لماذا تحمل جوازك معك؟."
"آ-آه."تردد هيرشار..
"يبدو أنني وضعته بالخطأ.." ثم قال لنفسه
".من رتّب الحقيبة كان آيرين هل اعتقدت أنني سأهاجر لتضع الجواز؟."
"أخبرني.." قال هيرشار بعد تأمل للغرفة..."أنت من فتح للرجلين، ألم تلحظ معهما شيئا غريبا في حينها؟."
"لا، لقد أخرجا الأكياس من حقيبتيهما.."
"فهمت."
"والآن..ما الذي ستفعله أيها الفتى؟."
"أفعله؟!..."واكمل لنفسه..."ربما أوجه أنا لنفسي هذا السؤال..ماذا سأفعل؟."
"على كل..سأكون في المطبخ إن احتجت لي.."
"آ-آه حسنا."
توجه كبير الخدم تسوجي نحو المطبخ وتبعه بهيرشار بعينيه حتى دخل..نظر هيرشار حوله في الغرفة...وبسرعة لاحظ نقطة البداية كما اعتقد...
وفي الخارج..التقط شخص ما أسقطه هيرشار وابتسامة عريضة على وجهه.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق