الأحد، 12 أبريل 2020

قضية "المرشد الأخرس"

سنتحدث وسنستعرض  في هذا البوست صفحات من القضية قبل الأخيرة من رواية "أوراق الماضي وقضايا أخرى" وعنوانها " المرشد الأخرس."
يستيقظ هيرشار فجأة ليجد نفسه في مكان لا يعرفه ويدرك بأنّه تعرّض للسرقة. وبينما كان يستعدّ للعودة يجفل بآثار دماء صغيرة مختلطة مع  آثار حيوانية تقوده إلى كلب ينزف وآثار ضرب عليه. يذهب هيرشار به إلى المستشفى وهناك يعالجه ثم يعود به إلى المكان ويقرر المغادرة فيرفض الكلب ويبدأ بالعواء قبل أن ينبش الأرض. وهناك يعثر هيرشار على ملابس نسائية مدفونة. فما الذي سيقود هذا المرشد الذي لا يتكلم لغة البشر لانكشافه؟. حقيقة مدفونة محزنة كانت هناك.

من صفحات القضية:
بدأ يفتح عينيه ببطء...كان رأسه يؤلمه، كان ممدّدا على بطنه على الأرض..تحسّس رأسه ونهض ببطء وهو يتألّم..كان هذا قبل أربعة أيام.
"أ-أين أنا؟." سأل هيرشار نفسه
ثمّ وقف..كان يرتدي قميصا أبيضا وبنطالا من الجينز..ظهر القميص أصبح في جزئه العلويّ أحمرا..حاول تذكّر ما حصل..كان الآن يقف في زقاق مبلّط..ولم يستطع التعرّف على المكان.
بحث في جيوبه فلم يجد هاتفه..أخرج محفظته فوجد فيها فقط بطاقة الهويّة وبطاقات أخرى..لا نقود!.
"لقد تعرّضت للسرقة!!." وعندها تذكّر.
كان يسير نحو البنك..كان قد اقترب منه من الجهة الخلفيّة حين أجفل برؤية رجل ملثّم ويضع نظارات شمسيّة وقبّعة درّاجة على رأسه..ارتدى ملابس رماديّة من قميص وبنطال..وكان يخرج مسرعا بحقيبة من البنك ومعه مسدّس..فأدرك هيرشار حينها.
"سرقة بنك!."
وعندها..بسرعة، ضرب هيرشار المسدّس فطار من يد الرجل..لكنّ الرجل بقي يركض بسرعة فقام هيرشار باللحاق به..كان ركضا غير طبيعي.
"أهو عدّاء؟!."
من زقاق إلى زقاق ومن شارع إلى شارع..وفي أحد الأزقّة التي انعطف فيها الرجل، انعطف هيرشار مثله..وحينها.
"أ-أين اختفى؟!."
وسار هيرشار في الزقاق الضيّق بحذر..وبعد لحظات أنارت النجوم حوله..كان قد تلقّى ضربة على رأسه من الخلف فسقط مغشيّا عليه.

"تبّا! لقد هرب..وسرقني أيضا!." قال ساخطا.
ثمّ وضع يده في جيب قميصه..فعثر على بطاقة صرّاف آلي.
"جيّد..إذا رأيت فرعا للبنك قريبا، سأسحب نقودا."
ومشى داخل الزقاق محاولا التعرّف على المكان..إلى أن خرج فوجد نفسه في أرض ترابيّة وسور أمامها..ومنزل من طابقين واجهاته ومنظره المعماري غاية في الجمال فنظر إلى جانبه فرأى على الشارع الآخر فرع البنك الذي يتعامل معه وقبل أن يهمّ بالتوجّه إليه..رأى ما لفت انتباهه أمامه.

*************

"م-ما هذا؟."
وانحنى هيرشار على الأرض..فرأى آثار دماء عليه.
"هل ما زلت أنزف؟." وتحسّس رأسه فكان الدم قد جفّ.
"وأيضا..لم أمش هنا أصلا." ودقّق النظر.
"إنّها آثار أقدام حيوانيّة..قطّة؟ لا تبدو أكبر..كلب كما يبدو لي." ثمّ نظر إلى آثار الأقدام.
"تبدو تسير باتجاه معيّن."
فتبع الآثار فأوقفته بالقرب من المنزل الذي رآه..فنظر حوله ولم يجد شيئا ثمّ سمع صوتا حزينا..كشخص يتألّم..لكنّه صوت حيواني.
"من هنا." وسار إلى يساره.
وبعد قليل..رأى كلبا أبيضا جريحا أمام منزل خاص به كما بدا والكلب يصدر أصوات ألم.
اقترب منه هيرشار فرأى آثار ضرب وجروحا عليه.
"م-من فعل هذا؟." وغضب واقترب أكثر من الكلب فأجفل الكلب واهتزّ.
"لا تخف..سأساعدك." 
وحمل الكلب ثمّ أوقف سيّارة أجرة..وطلب منه الذهاب إلى مستشفى قريب..ففعل.
حين وصل السائق إلى أقرب مستشفى..كان هيرشار قد نسي أنّه لا يحمل نقودا فبدأ يتوتّر بينما يخبر السائق بالتوقف..وحينها كان الحظ بجانبه حين رأى صرّافا آليا للبنك الذي يتعامل معه فأخبر السائق..فوافق.
ذهب هيرشار إلى الصرّاف وسحب نقودا من حسابه وعاد وحاسب السائق ثم حمل الكلب وصعد به إلى المستشفى.
أوقفته ممرّضة شقراء، بيضاء، عيونها خضراء، ارتدت روب الممرّضات.
"ماذا تفعل أيها الشاب؟."
"أريد أن أطمئنّ على هذا الكلب."
"لحظة..لسنا مستشفى للحيوانات."
"أعلم هذا، لكن..انظري."
وجعلها تنظر إلى الكلب الذي كان يصدر صوت ألم..فرقّ قلبها.
"اتبعني."
وأخذته إلى غرفة خاصة..وضعت الكلب على السرير وحاولت فحصه..ثمّ خرجت لاستدعاء طبيب فشكرها هيرشار.
عادت بعد دقائق وهي برفقة طبيب سمين بنظارات وشعر أسود وقصير القامة ويرتدي روب الأطباء فوق قميصه الأبيض وبنطاله الرمادي.
فحص الطبيب الكلب متأففا..ثمّ قال:
"هذا غريب ومستهجن."
"ما الأمر؟." سأله هيرشار
"هناك جروح وآثار تعذيب واضحة..هناك من عذّب الكلب هذا وآذاه."
"كما توقعت." قال هيرشار لنفسه
"لقد عالجت جروحه على أي حال..لكن أين عثرت عليه؟ أم..؟."
"آ-آه..لا." وأدرك هيرشار قصد الطبيب بأنّه مالكه.
"لقد عثرت عليه مصادفة وأنا أسير إلى مكان أقصده."
"فهمت."
ومشى الطبيب مغادرا الغرفة..وهو يقول:
"تستطيع أن تخرجه بعد قليل..اعتني به."
"آ-آه..حسنا."
وخرج الطبيب ووقف هيرشار والممرّضة معا..قالت الممرّضة:
"أخبرني..ألست أنت ذلك الهيرشار؟."
"إي-إيه! آآه..نعم."
"رائع!." 
وأحضرت دفترا وقلما وقالت:
"وقّع لي من فضلك."
"إي-إيه! من دواعي سروري." قالها مبتسما بخجل
فوقّع وضحكت الممرّضة.
"ألا تعتقد أنّك أيضا تحتاج إلى علاج؟."
"إيه؟!."
"هناك دم على قميصك من الخلف."
"آآه..لقد تعثّرت فقط."
"حقا؟."
"نعم."
"إذن اجلس هنا وسأرى رأسك."
"ماذا؟!."
"لن تخدعني..لقد تلقّيت ضربة على رأسك، هيّا اجلس."
ففعل مشدوها..وبعد لحظات، كانت تلفّ رأسه بضمادات..شكرها ثمّ حمل الكلب وحاسب وغادر المستشفى.

*******************

عاد هيرشار بسيارة أجرة أيضا إلى حيث وجد الكلب..ترجّل من سيّارة الأجرة حاملا الكلب ثم أعاده حيث وجده وجلس معه قليلا..بدا الكلب أفضل حالا وكان ممتنّا لهيرشار.
وقف هيرشار بجانبه قليلا ليطمئنّ عليه..ثمّ ذهب نحو بقّالة قريبة كان فيها طعام للحيوانات..اشترى هيرشار شيئا للكلب وعاد وفتح العلبة وجعله يأكل..وبعد لحظات بدأ الكلب بالتشنّج فنظر هيرشار إليه فرأى ملامح وجهه تتغيّر لنحو أشرس فنظر هيرشار خلفه ليرأى امرأة في نهاية العشرينيّات، بيضاء بشعر أسود طويل، عيونها عسليّة، ارتدت بنطالا بنّيا وكنزة بيضاء..كان الكلب ينظر إليها بطريقة غريبة وهي لم تعره اهتماما..سارت ودخلت المنزل الذي رآه هيرشار سابقا.
فتحوّل هيرشار إلى الكلب فرآه يهدأ باختفائها..ثمّ فجأة، ركض الكلب باتجاه المنزل فنظر إليه هيرشار متفاجئا..ثمّ تبعه ليبدأ الكلب يضرب الباب وهيرشار ينظر إليه من بعيد..فتح الباب رجل سمين أبيض البشرة، شعره أسود قصير، يرتدي بدلة بنّية، عيناه كانتا تقدحان شرّا..بمجرّد أن نظر إلى الكلب هدأ الكلب وخاف وابتعد عن الباب فنظر هيرشار إلى وجهه ورأى خوفا شديدا..أقفل الرجل الباب بقوّة ليجلس الكلب على الأرض الترابية بعيدا عن الباب..فكّر هيرشار بالاقتراب منه وإذ بالكلب فجأة يهبّ وبدأ ينبش في الأرض..ركض هيرشار نحوه وحين اقترب منه..كان الكلب قد أخرج ملابس من الأرض.
انحنى هيرشار وأخذ الملابس من فم الكلب..كانت كنزة حمراء وبنطال رمادي.
"ملابس نسائية."
وبدأ الكلب يعوي بشكل متواصل وهو ينظر إلى الملابس..فنظر هيرشار إليه، انقضّ الكلب ولعق الملابس ليفكّر هيرشار للحظات.
"ه-هل يعقل؟!."
ونظر حوله في الأرض الترابية.
"هل تخفي هذه الأرض سرّا لم يبح به بعد؟ لكن عليّ التأكّد من أمر أوّلا."
وركض نحو باب المنزل بعد أن أخذ الملابس.
طرق الباب..ففتح له الرجل ذاته.
"ماذا تريد؟."
"عفوا يا سيد..أريد أن أسألك سؤالا."
"ومن أنت أصلا؟."
"شاب عادي."
"وما هو السؤال؟ أنا مشغول عن ترّهات الشباب."
"لن أعطّلك كثيرا..هل تعرف لمن هذه الملابس؟."
ورفع الكنزة والبنطال وأراه إيّاهما.
"لا."
"حقا؟ لقد كانوا في أرضك."
"وماذا يعني هذا؟."
"لا شيء."
وفي هذه اللحظة..أتت من خلف الرجل المرأة التي رآها هيرشار وتغيّر الكلب برؤيتها.
"هل تعرفين هذه الملابس يا سيّدتي؟."
"لا."
ونظر هيرشار إليهما..كان وجه الرجل قد تغيّر قليلا.
ابتسم هيرشار وقال:
"سيّدتي..هل أنت؟.." وسكت قليلا..ابتسم أكثر.
"الزوجة الثانية؟."
فأجفل الرجل والمرأة معا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق