الجمعة، 31 ديسمبر 2021

إعادة نشر القضايا الجانبية - خفايا المنزل المسكون

 تحدثنا قبل أيام عن إعادة نشر القضايا الجانبية واليوم نعيد نشر قضية خفايا المنزل المسكون. قضية مثيرة ومرعبة مناسبة لليلة رأس السنة.  تتحدث القضية عن منزل غريب كان يعيش فيه زوجان متفاهمان قبل أن يختفيا فجأة ولم يعثر على جثثهما لكن كان هناك دم في المنزل! كما تكررت الحالات المشابهة في المنزل لمن جاء وسكنه بعدها..فما الحقيقة التي يخفيها هذا المنزل؟

قراءة ممتعة 😎


الفصل الأول:

استيقظت ليسّا من نومها..كانت قد غطّت في النوم عند الثامنة صباحا واستيقظت الآن عند الحادية عشر.

دخلت الحمام وأخذت حماما ثمّ عندما انتهت ارتدت كنزة بيضاء صيفية على بنطال منزلي وردي اللون وجلست تجفف شعرها في الصالة.

حين انتهت كانت تتأمل التاريخ حاليا بينما كان الطقس في الخارج غائما.

"الهالوين يقترب.."

"وهو مناسبة جميلة للاحتفال مع جماعات.."

"ه-هل أرى هيرشار ماذا يفعل؟." 

"ل-لكنّه من المؤكد.." وعضّت ظفرها "سيكون مع حبيبته." وتنهدت.

*************************

جلست إليزابيث على كنبة في الصالة وهي تمسك الهاتف وتتحدث مع والدتها.

إليزابيث امرأة في السادسة والعشرين من عمرها..بيضاء البشرة، شعرها بني طويل وعيناها عسليتان..كانت ترتدي كنزة بيضاء على تنورة حمراء وتضع ساقا على ساق وقد كانت متوترة.

"ما الأخبار مع ماثيو؟." قالت والدتها

"ح-حسنا.."

"لا تقولي لي أنّه فعلها وذهب؟!."

"آ-آه..لقد فعلها! قال أنّ الصحفي يجب أن يتبع فضوله لكشف الحقيقة!!." 

"متى؟."

"مضى يومان على هذا."

"ولم يعد؟."

"لا!." وانتحبت باكية

"لا بأس..سيعود قريبا..ادع بهذا."

"آ-آه."

ثم أقفلت الخط وهي تبكي..قبل أن يلفت انتباهها شيء في الصحف.

**********************

"هالوين هاه.." تمتمت ليسّا "آخر مرة احتفلت فيه كانت.." وسكتت قليلا.

"حين كنت أنا وأفروديت صغيرتان قبل برنامج حماية الشهود وقبل تغيّرها كليّا.."

"أ-أفروديت.."

"لطالما كنت حمقاء وأنانية." وتنهدت.

"حسنا..ماذا عليّ أن أفعل؟." ليرنّ هاتفها وتجفل أنّه رقم مرّ وقت على آخر حديث بينهما.

*************************

كان هيرشار جالسا على الكنبة في الصالة يقرأ رواية بينما كانت الساعة قد شارفت الظهيرة. كان يرتدي كنزة بيضاء على بنطال رياضي أسود.

تثاءب بينما نظر نحو النافذة وتذكر المناسبة القريبة ليتنهد.

سيكون وحيدا في هذه الفترة فآيرين وماريا غادرتا إلى محافظة أخرى للاحتفال بالهالوين في أحد المباني الخاصة بعائلة ميكيللي الثرية.

تذكر الحوار الذي حصل قبل يومين هنا في منزله بين الثلاثة.

كان هيرشار في حينها يقوم بعمل كوب من القهوة حين سمع صوت طرق قوي للغاية ومرعب على الباب فركض نحو الباب بسرعة وحين فتحه أجفل برؤية آيرين تقف مبتسمة وهي ترتدي كنزة بلون السماء على بنطال أبيض.

"آ-آيرين؟." فابتسمت له

"مرحبا هيرشار." ليتنهد ويقول

"أين ماريا؟." فأجفلت آيرين بينما واصل "هذا الطرق وخلع الباب لا يمكن أن يكون منك بل من أحمق أو حمقاء ك ماريا." فابتسمت آيرين.

"من الحمقاء أيّها المغفل؟!." ليجد ماريا تبرز من خلف بوابة المنزل مرتدية كنزة صفراء اللون على تنورة بيضاء.

"أنت ومن غيرك." قال لنفسه بينما دخلتا المنزل ثم أقفل هيرشار الباب وقال:

"ما سبب الزيارة؟." ونظر نحو ماريا "بالطبع السؤال لك فآيرين تستطيع القدوم متى تشاء." لتبتسم آيرين بينما قالت ماريا:

"ستجعلني أندم على القدوم."

"أنت متأخرة في الندم إذن." 

"تبّا لك!." 

"حسنا حسنا." قالت آيرين "ماريا تدعونا لحفلة."

"حفلة؟."

"نعم. وبمناسبة الهالوين." قالت ماريا بحماسة.

"آه. الأغنياء يضربون من جديد في الحفلات التافهة." قال هيرشار لنفسه.

"ستكون الحفلة بعد يومين لكن نظرا لأنّها رحلة خارج العاصمة فسنسافر في مساء الغد." قالت ماريا.

"ما رأيك هيرشار؟." قالت آيرين.

"ممم. لست ممّن يحتفلون بهذه الأمور لذلك لا أعتقد أنّني سأذهب."

"أنت مملّ أتعلم؟." قالت ماريا.

"آه أعلم. ولم أطلب رأيك في هذا."

"اللعنة عليك!."

"لا بأس. إذن سأذهب مع ماريا في الغد." قالت آيرين.

"آه. اعتني بنفسك." بينما سارت نحو الحمام فهمست ماريا.

"أوي أيّها المهووس!."

"لا تقولي مهووس أيّتها الحمقاء!."

"سيضيع عليك الكثير في الحفل."

"هاه؟ مثل ماذا؟."

"أنت تعلم أنّ الهالوين يرتبط بارتداء ملابس غريبة. لقد حضّرت واحدا لآيرين." فأجفل هيرشار.

"وها هو." أرته الصورة فاحمرّ وجهه بينما قال:

"ل-لن ترتدي آيرين هذا!."

"هاه؟." ليشيح بوجهه المحمرّ فضحكت ماريا بخبث وواصلت:

"ممم. أظهر هذا النوع من ردود الأفعال كثيرا أمامي." وضحكت "لا بأس سأجعلها تجرّبه لوحدها ثم سأجعلها ترتدي واحدا أقل إثارة أمام الناس." فنظر هيرشار نحوها.

"ماذا تفعلان؟." قالت آيرين حين عادت فأجفل هيرشار بينما واصلت آيرين:

"فلنغادر ماريا."

"آه."

"بهذه السرعة؟." قال هيرشار."

"نريد شراء بعض حاجيات الحفل." ووقفت أمام الباب لتتبعها ماريا بينما أمسك هيرشار ماريا من كنزتها وجرّها وهمس لها.

"أرسلي لي صورة وهي بالزيّ." لتضحك ماريا بينما احمرّ وجه هيرشار.

"لك هذا في المقابل.." فأجفل "سيكون عليك ردّ الخدمة لاحقا." وغمزته.

"ماريا!." لتركض ماريا خلف آيرين.

تنهد هيرشار ونهض من مكانه وفكّر.

"آيرين بذلك الزيّ.." ليحمرّ وجهه ثم هزّ رأسه بقوة "ما بي أتحدث كالمنحرفين؟!." 

سمع صوت الجرس فتوجّه نحو الباب وحين فتحه أجفل برؤية كريس.

الفصل الثاني:

"مرحبا هيرشار!." هتفت كريس بينما كانت ترتدي كنزة حمراء اللون بلا أكمام على تنورة بيضاء اللون.

"أهلا كريس."

"هل ستبقيني عند الباب؟." قالت بعبوس.

"ل-لا.." وأفسح لها المجال لتدخل وحين أقفل الباب قال:

"ألم تذهبي مع آيرين وماريا؟." وأدار نفسه نحوها.

"لا. لم أرد أن أكون في تجمعات كبيرة وأردت لاحتفال الهالوين أن يكون مع مايكل." وغمزته فقال لنفسه:

"أريد أن يقوم أحد بجعلي أفهم ما الجميل في احتفال الهالوين."

"وبعد؟ هل من سبب معيّن للزيارة؟." وجلس على إحدى الكنب وطلبها منها الجلوس أيضا ففعلت.

"ف-في الواقع.." وأشاحت بوجهها الذي احمرّ فجأة.

"أريد منك نصيحة."

"نصيحة؟." قال متفاجئا.

"ن-نعم." ونظرت نحوه فأجفل بوجهها المحمرّ للغاية وعيناها التي تلمعان.

"أ-أوي..ماذا هناك؟."

"ماذا سأرتدي لمايكل في الهالوين؟!." هتفت فجأة ليجفل هيرشار كليّا.

"هاه؟!."

"أريد أن أرتدي شيئا لمايكل في الهالوين وأريد لقلبه أن ينتفض من شدة المفاجأة." وكانت سعيدة.

"هيه..هذا جيّد."

"ما ردّة الفعل الباردة هذه؟!." ونهضت منزعجة.

"آه لا..لكن.."

"لكن؟." وسارت نحوه.

"اعتقد أنّ أيّ شيء سترتديه سيجعل مايكل سعيدا وسينتفض قلبه."

"حقا؟!!." هتفت سعيدة.

"تبّا! هل فقدت الذاكرة هذه الفتاة أم نست كيف يعشقها مايكل كليا؟." قال لنفسه.

"يمكنكما الخروج وتناول شيئا سوية أيضا بعدها."

"لا."

"لا؟ أتعنين أنّكما ستبقيان في المنزل؟."

"نعم. ووجبة مايكل ستكون..أنا." كان هيرشار قد وضع كوب القهوة على فمه وشرب قليلا ليبصق القهوة مجفلا ووجهه بدأ يحمرّ بينما نظر نحوها مصعوقا.

"ه-هذا الاثنان لا ينفكّان عن الإشارة لتلميحات جنسية علنا أمام الناس! إنّهما متوافقان حقا!." قال لنفسه.

وفجأة..سمعا صوت الجرس.

*************************

فتح هيرشار الباب ووجد امرأة تقف أمامه..كانت بيضاء البشرة وطولها حوالي مئة وستين سنتمترا، شعرها بني طويل وعيناها عسليتان وترتدي قميصا أبيض على تنورة زرقاء اللون قصيرة.

"مرحبا، أعتذر عن إزعاجك."

"أهلا بك..كيف أساعدك؟."

"هل أنت هيرشار؟." قالت وبدا عليها التوتر

"نعم."

"هل تسمح لي بالدخول؟."

"بالتأكيد."

وأفسح لها المجال لتدخل فدخلت إلى الصالة ووجدت كريس جالسة بينما حين أراد هيرشار إقفال الباب نظر لناحية البوابة ووجد شعرا أحمر بشكل جانبي بارز من الجدار فقال:

"سأعود." وغادر تاركا الباب مفتوحا وسار نحو البوابة ثم نظر يسارا وهتف.

"ل-ليسّا!." فأجفلت واحمرّ وجهها بينما كانت تقف مرتدية كنزة سوداء اللون على تنورة بيضاء وكانت تضع نظارات شمسية.

"ي-يا إلهي! تبدو جميلة جدا واللون الأسود يعكس لون بياض بشرتها بشكل مذهل!." قال لنفسه ثم هزّ رأسه بقوة.

"اللعنة! ماريا والكلام عن ذلك الزيّ جعلني أسرح في أفكار غريبة!." واصل لنفسه.

"هل أنت بخير؟." قالت ليسّا.

"آ-آه. ماذا تفعلين هنا؟." فنظرت نحو الداخل وأخبرته.

**********************

المرأة التي دخلت منذ قليل منزل هيرشار كانت صديقة ليسّا وهي أمريكية تعيش هنا ولديها طلب ما. كان هذا ما قالته ليسّا بينما دخل الاثنان وأجفلت ليسّا برؤية كريس جالسة.

"لم أعرّف عن نفسي..اسمي إليزابيث." قالت المرأة.

"أهلا بك."

جلست إليزابيث مقابل كنبة كريس التي جلست ليسّا بجوارها بينما جلس هيرشار على كنبة تقابل الشرفة وبالتالي كان على زاوية تسعين درجة من الضيفة ومن ليسّا وكريس.

"كيف أستطيع مساعدتك آنسة إليزابيث؟."

"حسنا..قرأت عنك في الصحف وعرفت أنّك متحري."

"حسنا.." لتقوم ليسّا بالحديث:

"لديها قضية ما ونصحتها بالقدوم إليك. كما هي قرأت عنك في الصحف أيضا كما قالت." فنظر إليها هيرشار ثم قال:

"حسنا، نعم؟." بينما فكّرت ليسّا.

"أ-أنا في منزل هيرشار..لأوّل مرة." واحمرّ وجهها بينما نظرت كريس نحوها.

"أنا.." وارتعش معصماها عند حضنها.

"لديّ قضيّة.."

انتظر هيرشار..كانت على يمينه.

"إسمي هو إليزابيث راشفورد..زوجة الصحفي ماثيو راشفورد، زوجي صحفي يبحث عن الحقيقة دائما، ويحب الحقيقة والأخبار الغامضة التي تتعلق بأمور غريبة يفسّرها الناس جزافا ويسعى هو لإيجاد تفسير لها."

"كالمتحري فعليّا." علقت ليسّا

"بالضبط."

"حسنا، أين القضية؟." قال هيرشار

"زوجي اختفى..منذ يومين تقريبا."

"اختفى منذ يومين؟." بينما أجفلت ليسّا وكريس.

"نعم..وهنا القضية." وارتعشت

"حسنا، كيف اختفى؟ ولماذا؟."

"في البحث عن الحقيقة."

"هل لك أن توضحي أكثر؟." بادرت ليسّا فأومأت إليزابيث بينما قال هيرشار لنفسه:

"هل أتت ليسّا معها وهي لا تعرف القصة كاملة؟."

"هل سمعتم عن المنزل المسكون؟."

"ما هذا؟." قال هيرشار بينما أجفلت ليسّا وكريس وارتعشتا.

"المنزل المسكون في الشارع السبعين؟ ألا تعرفون قصته؟." وحين رأتهم يهزّون رأسهم بلا قالت:

"هذا غير معقول! جميع من في البلد يعرف عنه."

"حسنا..ما قصّته؟ وما علاقة اختفاء زوجك به؟." سألها.

"آه..دعني أخبرك أولا عن المنزل المسكون."

المنزل المسكون، هو منزل يوجد في الشارع السبعين على هضبة ويقع منفردا على الهضبة بينما يتواجد العديد من المنازل بالقرب منها ومن الممكن التواصل وسماع ورؤية أمور داخل الفيلا من باقي المنازل..هذا المنزل عبارة عن فيلا بثلاثة طوابق (أرضي وأول مع طابق تسوية واحد).

سمّي المنزل المسكون بعد حادثة حصلت فيه قبل أربعة سنوات.

ولم تكن الحادثة الأولى..بل قبل ستة سنوات كانت الحادثة الأولى قد حصلت.

كان صاحب المنزل رجل يهوى تسلق الجبال متزوج من امرأة درست علم الأحياء..الرجل في عمله الأصلي هو مدير لبنك.

في أحد الأيام..سمع بعض الجيران صوت صرخة قادمة من المنزل، واعتقدوا أنّ الأمر عادي وأنّه ربما خلاف بين الزوجين.

كان الرجل يخرج يوميا من المنزل ويسقي النباتات والأشجار القريبة منه فكان في حينها يراه الجيران، ومنذ تلك الصرخة..

لم يره أحد!

وبعد أسبوع من تلك الحادثة..قرّر أحد الجيران الذهاب والاطمئنان على الرجل وزوجته..فكلاهما لم يخرج من المنزل منذ تلك الصرخة.

فصعد الهضبة وتوجّه إلى المنزل..طرق الباب فلم يجبه أحد.

حينها نظر من النافذة وبدا الأمر..

ليس طبيعيا البتة!

فقد رأى شيئا جعل قلبه الضعيف أصلا لكبره في السن يخفق مرعوبا.

رأى الدماء تلطخ الأرضية والجدار بشكل كبير..وهناك أواني سقطت وانكسرت والصالة كانت في وضعية غريبة للغاية.

حينها جمع أهالي المنازل القريبة وتوجهوا إلى المنزل..خلعوا الباب واتصلوا بالشرطة اللذين أتوا لاحقا وفتشوا المنزل وحلّلوا الدم وكل شيء في المنزل.

ولم يعثروا أبدا على أثر للزوجين.

نتيجة التحليل بيّنت أمرا غريبا..فبالرجوع إلى نوع الدم والدي إن إيه تبين أنّ الدم يعود إلى الزوج والزوجة معا..كان متداخلا في بعض الأماكن.

فكانت خلاصة الاستنتاج في وقتها..أنّ الزوجة والزوج قتلا على يد شخص ما ربما بهدف السرقة، لكن عدم وجود الجثث جعلهم في حيرة من أمرهم.

كانت ليسّا وكريس قد التصقتا ببعضهما البعض مرتعشتان ومرعوبتان.

بعد سنتين من هذا الأمر..جاء شاب يهوى فنّ التصوير وقرّر أن يعيش في المنزل رغم سماعه عما حصل فيه..لقد أعجب في الطبيعة الموجودة هناك لذلك سكن المنزل.

لكن، بعد أقل من ستة شهور..كان الرجل قد اختفى وعثر على دمه في الصالة..كما عثر على آثار مخالب لحيوان مفترس في الحائط.

"م-ماذا؟." قالت ليسّا مرعوبة

"لقد كان الرجل رغم صغر سنّه وكبر سنّ جيرانه اجتماعيا جدا..لذلك في البداية كان يجتمع معهم، يجلس معهم، ويتحدث معهم..ثم قبل شهر أو اثنان من اختفائه أصبح انطوائيا، وبعدها فجأة سمعوا أصواتا من المنزل وهذه المرة انتظروا فقط لليوم التالي ليشهدوا اختفاء الشاب ووجود دماء تعود له مع آثار مخالب حيوان مفترس في الحائط."

"من أين أتت آثار مخالب الحيوان المفترس؟." قال هيرشار

"حسنا..قال أهل المنطقة أنّ الوادي الأسفل يعيش فيه ذئاب وكلاب ضالة، لكن لم يسبق لهم الوصول إلى أعلى أبدا من قبل."

"وبعد؟ هل حصل شيء بعدها؟." فأومأت

قبل سنتين..قرّر محقق متقاعد من الشرطة إشباع فضوله بالذهاب إلى المنزل والتحري في أمره.

ورآه أهل القرية..لكن لاحقا، لم يروه يخرج من المنزل ولم يعثر عليه بعدها ليتمّ الاعتقاد أنّه ضحية أخرى، لكن لم يعثر على أثر دماء تعود له في الصالة هذه المرة.

عانقت ليسّا وكريس بعضهما البعض بينما نظر هيرشار نحو إليزابيث وقال:

"هل أفترض..أنّ زوجك تبع فضوله هو الآخر؟." فأومأت وهي ترتعش.

"لقد قال أنّ عليه أن يعرف ماذا خلف هذه القضية بالضبط، ل-لكن..ذهب منذ يومين..و..و.." انتحبت.

"لم أفكّر في الذهاب إلى هناك..خفت أن..أن.."

أومأ هيرشار متفهما بينما سمع ارتعاشة ليسّا وكريس.

"من يراكما لا يمكن أن يصدّق أن واحدة عميلة حاليا والأخرى سبق لها ذلك." قال لنفسه.

"حسنا..ما الذي جعل زوجك يفكّر في الأمر؟." فنظرت إليه باستغراب.

"أعني..آخر حادثة تحدثت عنها حصلت منذ سنتين، هل كان زوجك لا يعرف عن المنزل وعرف عنه حديثا..أم أنّ شيئا جديدا كان قد حصل قبل عدة أيام أو أشهر؟."

"آ-آه..في الواقع، قد حصل."

"اختفاء جديد؟."

"ل-لا.."

"إذن؟."

"ما حصل هو.."

قبل ثلاثة شهور..كانت العمّة كاتي تجلس عند النافذة وتتأمل خارج المنزل حين لفت انتباهها حركة في المنزل ذو السمعة السيئة.

منزل كاتي هو المقابل للمنزل ذو السمعة السيئة من الواجهة الأمامية..مع ذلك يبعد عنه حوالي خمسين مترا لأنّ بينهما النزول الخاص بالهضبة لارتفاع المنزل ذو السمعة السيئة.

حينها رأت شيئا من خلال النافذة..وحين دققت النظر.

"قالت أنها رأت ما تهيّأ لها أنّه وجه الزوج الذي كان قبل ستة سنوات."

"م-ماذا؟." قال هيرشار بينما ارتعبت ليسّا وكريس

"نعم، هكذا قالت، كما كان شعره مرعبا تماما وطويل يغطي حول الوجه..وقد وقف عند النافذة لمدة خمس دقائق..حدقت المرأة مرعوبة وفقط رأت عينين تنطقان بالشرّ مع وجه مرعب وشعر طويل غير مرتب..ذهب الجيران إلى المنزل مباشرة بعد ربع ساعة فقط من هذا ولم يجدوا أثرا لهذا الشخص، ممّا جعلهم يعتقدون أنّه ربما يكون شبح الرجل التي عاش هناك."

اصطكّت أسنان ليسّا وكريس.

"وسمع زوجك بالأمر؟."

"نعم..سمع قبل شهر وحاول التحري عن ماضي المنزل خلال هذا الشهر ثم قرّر الذهاب إلى هناك."

"وهل حاولت إيقافه أو منعه؟."

"ن-نعم..لكنّه قال أنّ الحقيقة وكشفها هو أساس عمل الصحفي."

نهض هيرشار من مكانه.

"حسنا.." تابعته ليسّا وكريس وإليزابيث

"موافق..سأقبل التحري حول القضية." فارتاحت إليزابيث.

"أ-أشكرك، لكن..كن حذرا أرجوك."

"لا تقلقي..سأسعى لكشف ما يحصل هناك، وآمل أن لا يكون قد حصل مكروه لزوجك."

"آ-آمل هذا.." ثم نهضت وغادرت المنزل.

"أ-أوي.." قالت ليسّا

كان هيرشار قد وقف عند الشرفة معطيا ظهره لهما.

"ماذا؟." قال من دون أن يستدير

"ه-هل..ستذهب حقا إلى هناك؟."

"نعم." واستدار

"ل-لماذا؟ ألم تسمع القصة؟."

"بلى..لكنّها جعلتني فضوليّا لمعرفة ما يجري."

"هاه؟ هل جننت؟ أتريد أن يحصل لك مكروه؟."

"لا داعي للقلق..لا وجود لأساطير أو أشباح أو حيوانات خيالية."

"وما تفسيرك لما يجري هناك؟."

"لا وجود لتفسير بعد..لكن.."

"أولا..لو كان هناك حيوانات مفترسة، فلماذا دخلت المنزل فقط؟ لماذا لم تخرج منه؟ لماذا لم يرها باقي أهالي المنطقة؟."

"إ-إيه؟."

"سنبحث في الأمر..هناك أمور غريبة هناك.."

"الدماء خاصة بالزوجين، لا وجود لأثر للجثث، لا دماء في اختفاء المحقق، حيوانات مفترسة مع المصوّر..لن نكتشف شيئا بالاستنتاج من هنا، مع أنّ بعض التفاصيل قد لا يكون لها أهمية لكن علينا التحرك."

"م-ماذا ستفعل إذن؟."

"سأتحقق من الشرطة وتحرياتها..من أهالي القرية وإفاداتهم، وربما أو بالتأكيد..سأزور المنزل."

"م-ماذا؟!!." هتفت ليسّا وكريس

"ما بكما؟ صرختما كأنّكما ستأتيان معي."

"أ-أنا لن أذهب فلديّ حفل مع مايكل.." قالت كريس ورآها ترتعش.

"أ-أما أ-أنا فلن أجعلك تذهب وحيدا." قالت ليسّا لكنّه كان يرى الكنبة كأنّ زلزالا يحصل حاليا أسفلها من ارتعاشتها.

الفصل الثالث:

جلس هيرشار في المساء شاردا يفكّر في القضية التي أحضرتها المرأة وفي عدة أمور أخرى.

هل فوّت رؤية آيرين بذلك اللباس بشكل مباشر؟ لكن ألم يطلب صورة من ماريا؟ لكن..هل الصورة تغني عن الرؤية المباشرة.

"اللعنة على ماريا!." هتف منزعجا من طريقة تفكيره.

*************************

في صباح اليوم التالي..

جلس هيرشار مرتديا قميصا أسود على بنطال كتان أسود اللون أمام مكتب مارك الذي ارتدى بدلة بنية.

كانت الساعة التاسعة صباحا وقد ضربت أشعة الشمس من خلف مارك..كان هيرشار على يساره وكان ينظر إلى يمينه نحو مكتب سام.

"حسنا..ماذا هناك؟." قال مارك وشبك معصميه على الطاولة.

"هناك قضية أريد الاستفسار عنها والتي أخبرتك بها على الهاتف."

"آه..قضية ذلك المنزل قبل ستة سنوات؟."

"نعم..سمعت أنّ الضابط الذي كان موجودا في القضية قد تقاعد بعد فترة وذهب ليشبع فضوله لحلّها."

"آه..لكن، ماذا تريد أن تعرف بأيّ حال؟."

"ما نوع الاستنتاج الذي بناء عليه طويتم ملف القضية ووضعتموها جانبا؟."

"حسنا..بالنسبة للزوجين قبل ستة سنوات فقد كان الاستنتاج أنّ شخصا من الخارج قام بقتلهما، كان هذا الاستنتاج الأول."

"لكنّه ليس منطقيا..لماذا يقتلهما ويخرج الجثث من المكان؟ لو كان يمتلك الوقت الكافي هكذا لماذا لم ينظف مسرح الجريمة ويجعل الاختفاء هو الاستنتاج المنطقي؟."

"أتفق معك..لذلك بعدها كان الاستنتاج حول احتمال أن يكون هجوم من حيوان ما، فالدماء كانت كثيرة جدا..وبعد حادثة المصور الفوتوغرافي أصبح هذا الاستنتاج شبه منطقي."

"ممم."

"ما الذي يجعلك تهتم بهذه القضية هيرشار؟."

"حسنا.."

وأخبره هيرشار بزيارة المرأة إليزابيث عن اختفاء زوجها الصحفي ماثيو راشفورد في المنزل بعد أن أفصح عن نيّته في التحقق من هذه القضية ومحاولة كشف غموض ذلك المنزل.

"فهمت..وهي تعتقد جازمة أنّه ذهب إلى المنزل."

"نعم..وهو لم يعد للآن."

"كم مضى على هذا؟."

"ثلاثة أيام."

"ليست مدة لتحكم على شخص باختفاء."

"لكنّه متزوج."

"نعم..لكن توجد الكثير من الحالات يقوم فيها الزوج بالهرب من المنزل وأحيانا الزوجة من دون أن يخبر أحدا."

"ل-لكن.."

"أفهم..ربما تقول أنّه ليس بالضرورة دائما، لكنها الحالة الأكثر تكرارا."

"حسنا..بغض النظر عن الصحفي، لدي فضول لكشف غموض هذا المنزل..أريد تفاصيل أكثر عن القضية."

"التفاصيل ستجدها في تقرير مسرح الجريمة..سأجعل توم يحضره لك."

"أشكرك."

اتصل مارك على توم ليبحث عن ملف القضية.

"ماذا عن المحقق الذي اختفى؟ والمصور؟." سأل هيرشار.

"المصوّر ذهب هناك فضولا، ولا أحد يعرفه كثيرا أو شخصيا..لم يكن يمتلك أقارب ولا زوجة، ولديه صديقة من العمل أخبرتنا عن هوسه بالأمور الغريبة لا أكثر، ولم يعثر عليه أبدا منذ اختفائه فجأة في المنزل."

"اختفائه؟ ألم يعثر على أثر دم يعود له؟."

"نعم..لكن في النهاية الدم بناء على تقرير الطب الشرعي ليس كافيا لإثبات أنّه..قتل."

"م-ماذا؟!."

"على عكس الزوجين..كانت الدماء على الأرض قليلة ولا يمكن أن تؤدي للموت، ولا أثر لانتقال الرجل وتحرّكه وهو ينزف، وعثر على آثار مخالب حيوان مفترس في الحائط."

"لكن..هذا غير منطقي أبدا!."

"ربّما..إنه غامض حقا."

"ماذا عن المحقق؟ إنه الوحيد الذي لم يوجد أثر دماء له في المنزل."

"آه..كان الأمر غريبا وليس غريبا."

"كيف هذا؟."

دخل توم مرتديا بدلة رمادية.

"هذا هو ملف القضية سيدي."

"أوه، أشكرك." وأعطى لملف لهيرشار وغادر

"هذا الملف الأصلي..أعده أو انسخه."

"حسنا."

"لم تكمل حضرة المفتش..كيف بغريب وليس بغريب؟."

"غريب لو اعتبرنا القضية اللعينة شيئا كبيرا وهناك شيء في المنزل فعلا، وليس غريبا لو كان المحقق قد دخل المنزل وغادره بعد أن اكتشف أنّ لا شيء غريب فيه."

"آ-آه." لكن هيرشار غرق في التفكير بعدها وهو يتأمل الملف الأزرق أمامه.

*************************

جلست ليسّا على الكنبة في الصالة، كانت تفكر فيما حصل في الأمس مع هيرشار ودخولها منزله لأول مرة! فكرت مع نفسها.

"بالتحقيق في القضية سنكون قد قضينا وقتا معا." واحمرّ وجهها ثم تنهدت..

"كم أنا حمقاء!."

سمعت صوت الجرس يرنّ فنهضت ومشت نحو الباب ثم فتحت الباب مجفلة.

خفق قلبها..بينما وقف هيرشار أمام الباب مبتسما.

"ه-هيرشار.." قالت مجفلة

"كيف حالك؟."

"بخير..ماذا عنك؟ وماذا هذا الذي بيدك؟." وأشارت للملف الأزرق.

"سأخبرك بعد قليل."

ودخل هيرشار بعد أن أفسحت له..أقفلت الباب وتبعت هيرشار  الذي جلس على أحد الكنب.

"ما سبب الزيارة؟."

"ما بك؟ ألم تقولي أنّك ستذهبين برفقتي للتحقيق في القضية؟." فأجفلت واحمرّ وجهها وقد تذكّرت.

"ح-حسنا.." تمتمت.

"إن كنت لا تريدين فلا بأس." وابتسم لها فنظرت نحوه وتذكرت تفكيرها عن قضاء وقت معه حتى لو في قضية.

"لا، سأفعل!."

"حسنا.." ونهض هيرشار

"سنذهب ونتحدث مع أهالي المنطقة المجاورة للمنزل إذن."

الفصل الرابع:

كان الطريق إلى المنطقة سيئا ووعرا وطويلا.

استغرقت الرحلة من هيرشار وليسّا خمس وأربعين دقيقة..كان قد اتصل على هاتف كريس ليرى إن كانت تحب أن تأتي لكنها قالت:

"هل أصبحت غبيّا؟ هذا الوقت للاحتفال مع حبييي مايكل لا للتفكير في قضية منازل مسكونة." فضحك هيرشار على الهاتف.

كانت ليسّا قد غيرت ملابسها وارتدت قميصا أبيض على بنطال أسود وبقيت طول الرحلة صامتة ووجنتاها محمرّتان بسبب وجودها مع هيرشار الآن وفكرة قضاء وقت معا حتى لو كان تحقيقا في قضية. كان الأمر كفيلا بجعلها تشعر بالسعادة العارمة، لذلك كانت خجلة من الأمر فلم تتحدث ولم يقم هيرشار بالحديث أيضا.

أوقف السيارة قبل قليل من الهضبة ورأى المنزل يستقر فوقها..في حين كان الوقت عصرا.

"أشعر برعشة في جسدي فقط من النظر إلى هذا المنزل." قالت ليسّا وهي تضم يديها عند صدرها.

"آه." ونزل الاثنان من السيارة.

لم تكن الهضبة تعني أنّ المنزل مرتفع عن الباقين..بل هي ما يجعل المنزل مطلا على الوادي في الأسفل بينما باقي المنازل حوله..نظر هيرشار حوله ووجد أنّ هناك ما يقارب العشر منازل يشكلون دائرة أو نصف دائرة بالأحرى تحيط بالمنزل الذي على الهضبة وحوله.

"لنذهب." قال بينما شعرت ليسّا بجوّ من الرعب يحيط بالمكان وشعرت كما لو أنّ هناك زومبي سيظهر فجأة.

"م-من أ-أين ستبدأ؟." سألته بينما كانت على يمينه وخلفه.

"لا تقلقي..دخول المنزل سيكون بعد سماع إفادات الجيران."

"آ-آه."

"ومن سيكون المنزل الأول الذي ستتحدث مع أصحابه؟." وأسرعت فأصبحت بجواره على يمينه.

"حسنا..فلنبدأ من المنزل الذي قالت صاحبته أنّها رأت الزوج يبرز قبل ثلاثة شهور وبعد ستة سنوات من الحادثة." ارتعشت ليسّا وأصدرت صوتا يدل على الخوف فنظر هيرشار إليها.

"إنه المنزل المواجه للمنزل وبالتالي هو الأمثل للحصول على المعلومات."

"آ-آه." واستقرّا أمام المنزل الذي كان كوخا خشبيا من طابقين.

طرق هيرشار الباب وانتظر.

فتحت الباب امرأة بدت جميلة وصغيرة..كانت بشرتها البيضاء لامعة ومتعرقة وشعرها العسلي ربطته على هيئة ذيل الفرس، كانت نحيلة وقوامها جيد وكانت ترتدي كنزة بيضاء على تنورة منزلية فضفاضة زرقاء  وتضع مئزرا فكان الاستنتاج المنطقي الوحيد أنّها تقوم بالتنظيف في المنزل بسبب المئزر والتعرق.

"من أنتما؟." قالت بنبرة غير مرحّبة.

"حسنا..نحن.." بدأ هيرشار فقاطعته

"فضوليان آخران لذلك المنزل اللعين!."

"إ-إيه؟ آ-آه نوعا ما." قال بابتسامة مرتبكة

"اللعنة! لم لا تقوم الحكومة بإزالة هذا المنزل اللعين المشؤوم!."

انتظرها هيرشار وهي تشتم وتلعن وتتحدث..استمرت عشرة دقائق.

كانت ليسّا تقف خلف هيرشار.

تنهدت المرأة فتسائل هيرشار هل ستدخلهما الآن أم ماذا؟.

"أنت!." قالت بغضب

"م-ماذا؟." أجفل تماما

"إن كنت فضوليا فلماذا تجبر فتاتك على المجيء معك؟! إنها خائفة تماما!."

صعد الدم إلى وجنتي ليسّا فأصبح وجهها بلون شعرها بينما تلعثم هيرشار وقال:

"ل-لم أجبرها! كما هي ليست فتاتي!."

"هه." قالت المرأة مشيحة بوجهها.

"هل تسمحين لنا بالدخول والحديث معك قليلا؟." فتنهدت مجددا.

"حسنا..لكن أخبركما أنّ المنزل غير مرتب." ودخلت فتبعها هيرشار وليسّا وقال لنفسه:

"لن ننام عندك لنهتمّ بترتيبه!."

دخلوا إلى الصالة وكانت فعلا غير مرتبة..مليئة بالحاجيات التي جمعتها المرأة هناك ربما لتنقلها إلى مكان آخر لاحقا كصناديق فيها كؤوس وصحون وطاولات خشبية صغيرة وخلافه.

"هل تشربان شيئا؟."

"لا تتعبي نفسك..لن تكون الجلسة طويلة."

"هذا أفضل." وجلست على كنبة تواجه النافذة في الصالة فقال هيرشار لنفسه بينما جلس هو وليسّا مقابلها أمام النافذة:

"تستطيعين الضغط قليلا للضيافة."

"حسنا..ماذا تريد أن تعرف؟." فتنحنح هيرشار

"في الواقع، منزلك يقابل المنزل الذي حصلت فيه الأحداث، مما يعني قدرتك على رؤية الكثير من الأمور المتعلقة بالمنزل إن كنا محقين..كما قد كنت قد أفدت أنّك استطعت رؤية الزوج أو ما يشبهه واقفا عند النافذة قبل ثلاثة شهور من الآن مما يعني أنّك كنت هنا في هذا المنزل قبل ستة سنوات من الآن..أليس صحيحا..سيدة كاتي؟."

"لا يوجد ما يشبهه..كان الزوج إدوارد بلا شك."

"ممم..ما الذي يجعلك متأكدة؟."

"نحن نعرفهما تماما..لن أخطىء وجهه أبدا."

"حسنا..هذا الحدث كان الأخير، لكن أريد البداية."

"ماذا تعني؟."

"أريد كل ما تعرفينه عن الزوجين..حتى يوم الحادثة."

أشارت الساعة إلى السادسة مساء..بدأت كاتي بالحديث.

"لقد عاش إدوارد ونيلّا سنتين هنا..إدوارد هو مدير بنك وكان يستغرق الطريق إلى عمله أربعين دقيقة من هنا..أما نيلّا فقد كانت معلمة أحياء، لقد درست الأحياء ثم أصبحت تقوم بتدريسه في الجامعة الألمانية."

"هل المنزل يعود لوالد السيد إدوارد؟."

"لا، كان هناك زوجان عجوزان يقطنان المنزل قبله..هو اشترى المنزل من ولدهما بعد موتهما لأنه لم يكترث بالعيش في مكان مليء بالعجزة على حد تعبيره."

"ماتا؟ ه-هل كانت ميتة عادية؟." سألت ليسّا بخوف

"آه..لم يكن هناك شيء أبدا." فتنهدت ليسّا مرتاحة

"حسنا..وانتقل الزوجان إلى هنا قبل ثمانية سنوات معا أم تزوجها هنا؟."

"لا..تعرّف عليها وانتقلا إلى هنا ثم تزوجا هنا."

"وكيف تصفين إدوارد؟ شخصيته أقصد."

"حسنا..إنّه رجل ناجح يعرف ماذا يريد، لقد وقع في حبّ نيلّا عندما زارته لتفتح حسابا مصرفيا في البنك، وقد كان رجلا متعاونا وخلوقا وطيبا."

"ماذا عن نيلّا؟."

"لقد كانت طموحة..كانت تتحدث عن علم الأحياء بشغف كلّي، لقد عشقت الأحياء وكانت تهتم بالحيوانات أيضا، كانت جميلة جدا في الواقع لذلك لا ريب أنّه وقع في حبها مباشرة من أول نظرة."

"آه..إنّها جميلة." قال هيرشار وأشار إلى صورة لها في ملف تحقيقات الشرطة، الصورة أظهرت امرأة بيضاء البشرة وعيناها زرقاوتان وشعرها أشقر..فمها دقيق جدا وأنفها صغير للغاية.

"والزوج وسيم أيضا." قالت ليسّا ووضعت سبّابتها على صورة الزوج والذي كان أسمر البشرة وعيناه عسليتان، شعره بني ناعم وكان جسده قويا مما يدل على اعتنائه به في نادي رياضي.

"هل كانا على وفاق؟."

"لا يوجد توافق تام بين الأزواج..لا بدّ من وجود خلافات."

"وهل كانت خلافاتهما طبيعية أم كثيرة؟."

"لا، كانت طبيعية لأكون صادقة."

"هل أنجبا؟."

"لا، كانا قد قالا أنّ الوقت مبكر على هذا."

"حدّثيني عن الفترة التي حصلت فيها الحادثة."

"آه." ورفعت رأسها وتأملت السقف..أوشكت الشمس على المغيب.

"كان يوما هادئا حتى سمعنا الصراخ القادم من منزلهم..في البداية اعتقدنا أنّه خلاف بينهما رغم أنّه في العادة يكون الخلاف بينهم غير مسموع..فقط نرى أحدهم يخرج لوحده أو يكون كل واحد منهما بعيدا عن الآخر عند الزيارات."

"أي نوع من الأزواج هو هذا؟." قالت ليسّا لنفسها ساخرة.

"الصراخ المقصود..صراخ من؟." سألها

"كان صراخا غاضبا من إدوارد على نيلّا..كان يصرخ عليها غاضبا لكن لم نستطع تمييز الموضوع أكثر..في النهاية هناك مسافة بين منزلنا ومنزلهم."

"حسنا..وبعد هذا؟."

"بعد ذلك اليوم لم نعد نرى إدوارد ولا نيلّا..مرّت عدة أيام لم نر أيّا منهما لذلك كان الأمر غريبا، فإدوارد كان يعتني بالحديقة القريبة من منزلهم." وارتعشت كاتي

"ثم قرّر زوجي كلاوس الذهاب والاستفسار عنهم..فقد كان صديقا لإدوارد، لكن زوجي كان في تلك الفترة يعمل خارج البلد مسافرا لذلك حين عاد وأخبرته عن الأمر ذهب مباشرة."

"إذن..هو من اكتشف الدم؟." فأومأت مرتعشة وكذلك ارتعشت ليسّا.

"لقد رأى الدم فهرع واستدعى الجميع واستدعى الشرطة، ومنذ تلك الصرخة، لم ير أحد منّا إدوارد ونيلّا."

حلّ صمت رهيب مرعب بينما غربت الشمس كليا.

"حسنا..ماذا كانت أفكار الناس هنا؟ بعيدا عن تحقيقات الشرطة ماذا اعتقد الناس أن يكون قد حصل؟."

"لم يقم أحد بتحليل الأمر بطريقة غريبة..في النهاية كان دم الزوجين موجودا في المنزل مما يدلّ على حصول شيء ما، كان هناك من صدّق بسبب حادثة المصوّر الفوتوغرافي أنّ الحيوانات المفترسة ربما افترستهم."

"لكن، لم تثبت تحقيقات الشرطة أثرا لحيوانات في حادثة الزوجين..صحيح؟."

"آه، أنت محق..لكن لم يكن هناك اعتقاد آخر، ففي النهاية الجثث لم تظهر." وارتعشت وهي تنظر إلى السقف فاعتقد هيرشار أنّها تفكر في ظهور الزوج قبل ثلاثة شهور.

"حسنا..ماذا عن المصوّر الفوتوغرافي؟ ماذا لديك لتخبرينا به؟."

"آه..كان اسمه بيتر، وكان شابا صغيرا في السن حيث كان في منتصف العشرينيات لذلك أحبّه الجميع لصغر سنّه مع ذلك هو اجتماعي جدا مع الجميع رغم أنّ أصغر من في القرية-بعد موت إدوارد ونيلّا- يبلغ التاسعة والثلاثين من العمر." أجفل هيرشار

"ع-عفوا..ماذا عنك؟." حدقت به بحقد

"أنا في منتصف الأربعينيات."

"مستحيل!." هتفت ليسّا "لا يمكن لوجهك أن يظهر أكثر من بداية الثلاثينيات!."

ابتسمت بخجل وقد توردّت وجنتاها.

"لو أنّ كلاوس هنا ليسمع." قالت بفرح

"حسنا..وبعد؟."

"آه..جاء إلى هنا وقال أنّه يريد أن يعرف ويكشف الغموض الذي حصل في ذلك الوقت، سكن هنا لبعض الوقت كان فيها اجتماعيا ومتعاونا ومتحدثا بشكل مميّز مع الجميع، لكن.."

"فجأة لم يعد يخرج من المنزل."

"اختفاؤه كان مفاجئا إذن؟."

"لا، كان يتحجج أنّه مشغول..اعتقد البعض انّه وصل لشيء ما لكنّه ليس متأكدا منه لذلك لم يخبر أحدا، وفجأة.."

"لم يعد موجودا في المنزل..لذلك افترضنا السوء لأنّ الكاميرا خاصته كانت في الصالة."

"ثم فجأة لم تعد الكاميرا موجودة..ورأينا الدم في حينها."

ارتعشت ليسّا.

"أحقا لا تريدان شرب شيء؟." أجفل هيرشار من تغييرها اتجاه الحديث فجأة.

"ل-لا، شكرا."

نظرت إلى السقف ثم نهضت وأشعلت ضوء الصالة وعادت بعدها إلى مكانها.

"من الأفضل لك أن لا تذهب إلى المنزل حتى لا تتعرض للموت كما حصل مع المصور والمحقق."

ارتعشت ليسّا بينما قال هيرشار بهدوء:

"بغض النظر عمّا حصل للمصور في الوقت الحالي، على الأقل حين اكتشف الدم، لم يكن المصور قد مات."

"ما هذا؟." قالت كاتي بارتياب

"هيرشار..ماذا تعني؟."

"تقرير الطب الشرعي أثبت هذا..قال فريق الطب الشرعي أنّ كمية الدم التي عثر عليها في مسرح الجريمة ليست كافية للإشارة أنّه قتل أو مات، إنها ليست كافية ليكون ميّتا فعليا..افترضوا أنه أصيب في منطقة ما جرّاء هجوم ما."

"الحيوانات المفترسة." علّقت كاتي شاردة 

"آه..كان هناك أثر مخالب في الغرفة في ذلك الوقت."

"على أية حال..لا يمكن أن يكون قد غادر، سيارته لم تتحرك من مكانها." قالت وكأنها سعيدة أنّه مات.

"حسنا..ماذا عن المحقق؟ ماذا عرفتم عنه؟."

"كان غامضا بعض الشيء..قال أنّه شرطي سابق ويريد إشباع فضوله حول الغموض الذي حصل في المنزل، لم يتحدث معنا كثيرا سوى حين أتى ودخل المنزل ولم يغادر بعدها."

"هنا النقطة التي لا أفهمها."

"ماذا؟."

"ما الذي جعلكم تقولون أنّه لم يغادر؟ لا أثر لدماء في المنزل أبدا أثبتت تعرضه لشيء ما..أبسبب سيارته؟."

"لا، أتى بسيارة أجرة."

"إذن؟."

أغمضت كاتي عينيها وقالت:

"لأنّ أحد الشباب أراد أن يقوم بمقلب للمحقق."

"م-ماذا؟."

"نعم، لقد ربط حبلا أمام الباب مثبّت بمسامير وكان على مستوى منخفض." فتحت عينيها.

"م-ماذا؟ هل تعنين؟!." وارتعش هيرشار

"آه..لو غادر المحقق المنزل لتعثر بالحبل لأنّه لم يكن من الممكن أن يراه، وهذا يعني.."

"أنّ المحقق حصل له شيء داخل المنزل!." أكملت ليسّا مرعوبة.

الفصل الخامس:

"لكن..ربما رأى الحبل ومشى من فوقه." قال هيرشار بعدها.

"لم ينفتح الباب أبدا..فقد وضع الفتى ورقة مع إطار الباب بعد أن أقفله خلف المحقق ولم تتحرك الورقة من مكانها حتى فتحنا الباب لنحاول أن نرى ما حصل له."

ارتعش هيرشار ثم قال:

"ألم تتحدثي عن كون المصور الأصغر سنّا بتسع وثلاثين عاما؟ من هذا الفتى الذي تتحدثين عنه؟."

"آه، رجل في الأربعين يهوى الأفعال الصبيانية وهو معروف هنا."

"ولماذا تقولين عنه فتى؟."

"لأنّه دماغه لا يمكن أن يكون سوى دماغا لشاب تحت العشرين." فتأملها هيرشار فقط.

"لكن..ماذا حصل للمحقق إذن؟." قالت ليسّا

"حسنا..كان هناك استنتاج من الناس هنا."

"وهو؟." قال هيرشار

"ربما توصل المحقق لشيء معين له علاقة بما حصل في المنزل وبناء على ذلك.." وسكتت ثم تنهدت

"قرّر الانتحار..فقفز من النافذة."

"هاه؟ وأين جثته؟."

"أكلتها الحيوانات المفترسة."

"ولماذا لا يكون الاستنتاج أنّه حصل له شيء ما هو الآخر؟."

"ربما." وهزّت كتفيها

*************************

غادر هيرشار وليسّا قافلين نحو منزلهما..تأخر الوقت لذلك لم يكن بإمكانهما التحدث مع باقي من في القرية وقال هيرشار أنّه يريد الدخول إلى المنزل لكن ليسّا منعته.

انطلق بالسيارة بينما أشارت الساعة إلى العاشرة مساء.

أصبحت الغيوم تتجمع في المكان..بينما تذكر الحوار الآخير مع كاتي قبل المغادرة.

"من أنتما بأي حال؟ وأيّ نوع من الفضول أحضركما إلى هنا؟."

"أنا هيرشار، متحري..وهذه زميلة لي واسمها ليسّا."

"هيه..هل أنت ذلك المتحري الذي تمّ الحديث عنه مؤخرا؟."

"آ-آه." قال 

"المتحري الذي ساهم في حلّ قضية فضيحة الشرطة الأخيرة." واصلت مشيرة إلى قضية أوكنان.

"حسنا..ألذلك أنت هنا؟."

"ماذا تعني؟."

"ألأنك متحري؟."

"لا، في الواقع طلبت منّي امرأة التحقيق في الأمر."

"امرأة؟."

"آه..زوجها صحفي يدعى ماثيو، جاء إلى هنا ليبحث حول القضية ولم يعد بعد."

"متى هذا؟."

"قبل عدة أيام."

"هذا غريب..لم أره! آه لكن لحظة..جاء صحفي قبل أسبوعين وسألنا بضعة أسئلة."

"هل تعنين أنّ لا أحد رآه حين دخل المنزل أو القرية قبل عدة أيام؟."

"على الأقل أنا لم أره."

"هل استطعت تكوين أي استنتاج؟." قالت ليسّا وهي تشبك يديها عند صدرها.

"لا..مازالت النقاط غريبة، شيء ما يبدو غير منطقي."

"و-وهو؟." قالت بخوف بينما اقترب هيرشار من منزلها.

"ربما هناك في المنزل..شيء شيطاني أكثر مما يمكننا أن نتخيله."

"ل-لماذا تقول هذا؟."

"لن تختفي أربعة جثث هكذا! كما لن يدخل الحيوان المفترس فقط إلى ذلك المنزل دون غيره أو دون أن يتم رؤيته بين المنازل!."

أصبح على مقربة من منزلها.

"أنت محق." قالت وهي تنظر من النافذة قبل أن يتوقف هيرشار أمام منزلها.

"حسنا، فلنكمل في الغد." قال هيرشار.

"حسنا." وفتحت الباب ونزلت فقال هيرشار:

"هل أنت بخير؟ أشعر أنّ هناك شيئا ما خاطىء معك." كانت تدير ظهرها إليه.

"لا شيء." وأدارت وجهها نحوه وابتسمت.

"حقا؟." فأومأت.

"فقط هذه القضية تعطيني شعورا بالرعشة."

"أنت محقة. تصبحين على خير." 

"تصبح على خير. أراك غدا." فأومأ وانطلق بالسيارة بينما وقفت ليسّا تنظر إلى السيارة وهي تبتعد.

"ق-قلبي لم يتوقف عن الخفقان طول الوقت..تبّا!." ودخلت المنزل.

**********************

قاد هيرشار السيارة نحو منزله ليتلقى رسالة فأمسك هاتفه وفتح الرسالة بينما كان الطريق مظلما.

أجفل تماما فكانت من كريس وكانت صورة فقط بزيّ غريب لا يظهر جسدها لكن يفصّله بشكل مثير جدا.

"م-ما م-ما هذا؟." تمتم ليرنّ هاتفه فأجفل أكثر.

"هيرشار!." قالت كريس

"ك-كريس؟."

"ما رأيك بالزيّ؟." ليجفل أكثر ويحمرّ وجهه.

"هل سيجعلني أسمع نبضات مايكل؟."

"لقد جعل قلبي يرتعش!." قال هيرشار لنفسه "كما هل تريني الزيّ قبل مايكل؟." واصل بسخرية لنفسه.

"أ-أعتقد هذا.." علّق لها.

"ما ردّة الفعل الباردة هذه؟."

"ارتدي الزيّ لمايكل ولتري ردّة فعله بنفسك!." هتف قبل أن يجفل برسالة جديدة تصل إليه في ذات الوقت الذي كان لم ينتبه أنّ السيارة انحرفت عن الطريق نحو أرض ترابية فشتم وأعادها لمسربها متنهدا بقوة.

"سأفعل!." بينما فتح هيرشار الرسالة وأجفل أكثر.

كانت رسالة من ماريا وفيها صورة آيرين بالزيّ الذي أرته إياه!

احمرّ وجه هيرشار تماما وبقي ينظر إلى الصورة فنسي أنّ كريس على الخط ونسي أنّه يقود حتى أجفل بصوت زامور قوي لينظر للأمام ويدرك أنّه انحرف مجددا بل كاد يصطدم بالسيارة التي المسار الآخر فتصرف بسرعة ليعيد السيارة إلى مسارها قبل أن يقوم بالتوقف على اليمين وهو يلهث بقوة.

"ماذا هناك؟!!!." هتفت كريس بينما واصل هيرشار اللهاث.

"ل-لا شيء." وتنهد ثم قال:

"ماذا أردت منّي؟ لا يمكن أن تكوني قد اتصلت لسماع رأيي بينما أرسلت الرسالة وبالتالي يمكنك انتظار ردّي عليها."

"آه حسنا.." فانتظر بينما نظر حوله..كاد يقوم بعمل كارثة في الشارع!

"قم بحلّ القضية."

"ماذا؟ القضية؟ أتعنين المنزل المسكون؟."

"آه."

"لماذا تقولين هذا؟."

"لأنّه يجب أن تعثر على زوج إليزابيث."

"م-ماذا؟." ثم قال "آه..سأفعل، لكن..لم هذا الاهتمام؟."

"لأنّني.." وسكتت قليلا

"آمل أن يكون على قيد الحياة." فاستغرب هيرشار

"سيكون أمر صعبا أن تقوم إليزابيث بالاعتناء بطفلها لوحدها." أجفل هيرشار تماما.

"ط-طفلها؟!." 

"آه، فإليزابيث.."

"حامل!."

فحدّق بها هيرشار مصعوقا بالفراغ أمامه في الشارع بينما برز القمر من غيمة فأنار الشارع.

الفصل السادس:

أصبح الهواء باردا فجأة..لم يحرّك هيرشار السيارة.

"حامل، تقولين؟ كيف عرفت هذا بالضبط؟."

"عندما غادرت منزلك ونزلت الدرج المؤدي لباب منزلك كانت تشعر بالدوار والإعياء وهي من الأعراض التي تواجهها المرأة مع بداية الحمل."

"آ-آه..لكن.."

"درج منزلك عبارة عن بضعة درجات لن تسبّب الإرهاق والتعب أبدا، كما.."

"لقد رأيتها اليوم صدفة في سوق تجاري وسألتها فأكّدت لي الأمر."

سكت هيرشار ولم يعلق..بدأت قطرات من المطر بالهطول فجأة مما فاجأه.

"حسنا. لا تقلقي وإن كان هذا الطلب يجب أن تقومي بنفسك به أيّتها المتحرية."

"الاحتفال مع مايكل أهم." 

"تبّا!." وأقفل الخط بينما وجد رسالة أخرى من ماريا.

"ما رأيك؟." قالت

"اللعنة!." وردّ عليها بالرسالة قائلا.

"إنّه لا بأس به." فأرسلة رسالة بوجه إيموجي ساخر فابتسم هيرشار بينما قام بحفظ الصورة مباشرة.

انطلق بالسيارة مجددا بينما هطل المطر بقوة وبعد نصف ساعة كان في المنزل ليتلقى مكالمة من ليسّا.

"ل-ليسّا؟." كانت الساعة العاشرة مساء.

"أردت الاعتذار لأنّني لم أكن مفيدة جدا اليوم." فابتسم.

"لا داعي لأي اعتذار فليس مطلوبا منك أي شيء كما يبدو بأنّك كنت منشغلة بالتفكير في أمر ما." ليحلّ صمت من طرفها.

"ليسّا؟."

"لا شيء." فهمهم ثم قال:

"هل مازلت تريدين المشاركة معي في التحقيق؟."

"آه سأفعل."

"حسنا..سآتيك غدا عند التاسعة صباحا."

"ما هو جدولك للغد؟."

"أريد أن أذهب إلى مكان عمل إدوارد ونيلّا والسؤال عنهما قليلا..كما سأسأل في مكان عمل المصوّر الفوتوغرافي وسأسأل أيضا في قسم الشرطة عن المحقق الذي جاء إلى هناك، كما.." فانتظرت

"نسيت أن أسأل المرأة عن ظهور الزوج قبل ثلاثة شهور وتفاصيل الأمر."

"ص-صحيح."

"سيكون يوما حافلا..وإن كان هناك وقت سأزور أكثر من منزل من المنازل المجاورة و.." فارتعشت ليسّا في شقتها.

"ربما أذهب في الغد إلى المنزل."

"آ-آه." قالت بخوف

"حسنا..تصبحين على خير."

"تصبح على خير."

***************************

في صباح اليوم التالي..

جلس هيرشار وليسّا متجاورين على كرسيّين مقابل مكتب جميل خشبي تجلس خلف طاولته امرأة ثلاثينية جميلة..كانت شقراء وبيضاء البشرة مع عينين عسليتين جميلتين، وكانت ترتدي بدلة نسائية سوداء بتنورة قصيرة..اسمها ألكسندرا وهي مديرة الفرع من البنك الوطني اللذان يجلسان فيه..هي خليفة إدوارد في مكانه منذ ستة سنوات.

كان المكتب جميلا وواسعا..والترتيب الذي فيه للملفات والأوراق وحتى الأثاث والحاجيات الخاصة بزينة المكتب يدل على استعمال شخص منظم ودقيق.

"حسنا..لقد عرّفتما عن أنفسكما لكنّكما قلتما أنكما لا تريدان أي خدمات بنكية..ماذا يعني هذا؟."

"آه.." قال هيرشار الذي ارتدى قميصا أزرق على بنطال من الكتان أسود اللون.

"جئنا لنسألك بضعة أسئلة عن المدير السابق..السيد إدوارد." أكملت ليسّا التي ارتدت قميصا ورديا على بنطال كتان أبيض اللون.

"أوه..أدوارد هاه.." وشردت وهي تنظر إلى السقف

"لقد مضى وقت طويل." وأخفضت رأسها ونظرت إليهما.

"أعتقد أنكما هنا بسبب الحادثة التي حصلت معه صحيح؟." فأومآ "لكن..لم الآن؟ ومن أنتما؟."

"حسنا..أنا متحرّ، والسبب هو كشف الغموض المتعلق بالأمر." قال هيرشار

"هيه..متحرّ؟ أعتقد أنّك مألوف نوعا ما لي."

"ما الذي تستطيعين إخباري به سيدة ألكسندرا؟."

"حسنا..في الواقع، كنت أنا وإدوارد زميلي دراسة وعمل، بمعنى أننا بقينا معا فترة طويلة للغاية..اعتقد الجميع أننا أكثر من يفهم بعضنا البعض، مع ذلك لم تكن هناك أي نوع من العلاقة بيننا تتعدى الزمالة والصداقة." وضحكت

"حسنا..بالنسبة للناس كان أمرا غريبا."

"إدوارد كان الأنسب لإدارة البنك..لقد حقق للبنك إنجازات لا تحصى وأنا إلى الآن أحاول اللحاق بما استطاع القيام به." وتنهدت

"سمعت أنّه تعرّف على زوجته هنا..صحيح؟."

"آه..جاءت نيلّا وبالمناسبة أصبحنا صديقتين، جاءت إلى هنا لتقوم بحلّ مشكلة لحسابها وحينها وقع إدوارد في حبها وكنت أول من علم بهذا."

"أوّل؟ أول من أخبره أم أوّل من لاحظ؟." سألت ليسّا

"إ-إيه؟ لا، أول من لاحظ فعليّا فواجهته..لكن هل هذا مهم؟."

"آ-آه..لا." أجابت بوجه محمرّ

"هل لاحظت إذن تغيّرا على إدوارد حصل بعد زواجه؟." سألها هيرشار

"لا، أبدا..فقط زادت نظرته الإيجابية للحياة مما يدل على زواج ناجح."

"ممم."

"قبل الحادثة بفترة..هل تذكرين شيئا ما قد حصل؟."

"شيء ما؟."

"آه، كتغيّر على إدوارد..قلق، توتر، خوف..أو غضب أو ما شابه..أي تغيّر على تصرفاته."

"ممم..لا شيء من هذا القبيل.." ثم أجفلت

"آه..في الواقع حصل." فأجفل هيرشار وليسّا

"كان إدوارد من النوع الذي إذا واجه مشاكل يصمت ولا يتحدث..لم يسبق له أن تحدث مع نفسه بصوت مسموع..لكن قبل أيام من الحادثة كان يحدّث نفسه بصوت مسموع قائلا.."

"ما هذا الهراء؟ هل جنّت؟."

"ج-جنّت؟." سألت ليسّا مجفلة

"أيعني زوجته؟." قال هيرشار

"لا أعلم..لم اسأله، لكن لسبب ما بقيت الجملة عالقة في رأسي."

فكّر هيرشار مع نفسه.

"حسنا..أشكرك." ونهض الاثنان.

"على الرحب والسعة."

توجّها نحو الباب وحين وصلاه توقف هيرشار واستدار قائلا:

"هل لي بسؤال؟."

"ماذا؟."

"هل كان لإدوارد أي صفة أو فعل قد يعتبر ضمن الخلل النفسي أو العقلي؟."

أجفلت ليسّا وألكسندرا.

"ما هذا السؤال بالضبط؟!." غضبت "لم يكن هناك أكثر عقلانية من إدوارد! أنت وقح!." ووقفت

مشى هيرشار نحو الطاولة.

"أعني..مثل الساديّة."

"ه-هاه؟." أجفلت

"الساديّة يعتبرها البعض شيئا جميلا ويحبونها..لكن هي في النهاية تدلّ على خلل ومرض نفسي..هل كان لديه هوس بشيء ما بشكل زائد؟."

توترت المرأة لكنّها حلّلت كلام هيرشار لدقيقتين.

"ل-ليس على حدّ علمي."

تأمّلها هيرشار مليّا.

"حسنا، شكرا لك." ثم غادر مع ليسّا.

ركبا سيارة هيرشار وانطلقا.

"ما هذا السؤال هيرشار؟."

"ألم تفكري في احتمال كهذا؟."

"م-ماذا؟."

زاد هيرشار سرعة السيارة.

"في النهاية، شيء ما حصل داخل المنزل وهذا مؤكد، لكن لم يوجد أثر لجثث..ألا يمكن أن يكون هناك مكان في المنزل يحكي الحكاية الحقيقية وما حصل؟."

"أ-أنت..ترعبني."

"ويثبت هذا الأمر مشاهدة كاتي تلك لإدوارد يقف عند النافذة."

"ل-لكن.."

"على أي حال..مازال الأمر مبهما."

"آ-آه." انعطف يمينا.

"إلى أين الآن؟."

"إلى الجامعة الألمانية..حيّث درّست نيلّا الأحياء."

الفصل السابع:

جلس هيرشار وليسّا هذه المرة أمام مكتب أقل ترتيبا من مكتب ألكسندرا..جلس خلفه رجل خمسيني أشيب الشعر وأسمر البشرة بعينين سوداوتين متعبتين..كان رجلا سمينا وقصيرا ويرتدي قميصا أبيض على بنطال أسود وصدرية فوق القميص زرقاء اللون.

"تريدان الحديث عن نيلّا؟."

قال الرجل والذي لم يكن سوى رئيس قسم الأحياء في كلية العلوم في الجامعة الألمانية..اسم الرجل هو ريد.

"نعم..نحن نحاول حلّ الغموض المرتبط بذلك المنزل ونريد معلومات عن كلا الزوجين، ونعتقد أنّ أفضل مكان ليخبرنا عن السيدة نيلّا هو هذه الجامعة خصوصا وهي لا تمتلك عائلة فقد ماتوا قبلها." قال هيرشار

"ممم." وانحنى قليلا مسندا ذقنه إلى معصميه المتشابكين.

"حسنا..في الواقع، لا أستطيع سوى القول بأنّ قسمنا يفتقد نيلّا كليا، كانت معلمة تحب الأحياء تماما وتعلّمه بشغف للطلاب..جميع الطلاب افتقدوها في الواقع."

"إذن..كانت معلمة محبوبة من الجميع؟."

"نعم..شغفها وحماسها جعل الجميع مثلها."

"ما الذي خطر لك حين سمعت بما حصل قبل ستة سنوات؟."

"خطر لي؟." وبدا مستغربا

"نعم..أعني، كان الأمر مفاجئا للجميع وصادما..أعلم هذا، لكن بالنسبة لك ماذا اعتقدت؟ ما الذي حصل بالضبط؟."

"لا أعتقد أنّ هناك من هو قادر على الإجابة على هذا السؤال حاليا، أما بالنسبة لما اعتقدته فقد اعتقدت في البداية أنّ زوجها زيّف الأمر وكان وراء هذا وهرب من المنزل..كنت من عشاق أجاثا كريستي حيث كان الزوج دائما مشكوك فيه." قال ساخرا

"لكن كمية الدم في المنزل كبير جدا..لماذا سيزّيف الأمر بجعل دمه موجودا بينما يخاطر بحياته؟." فهزّ ريد كتفيه.

"سؤال غريب نوعا ما..هل كان لنيلّا أي نوع من السلوك الغريب أو التصرفات الغريبة؟."

رفع ريد حاجبيه وقال:

"ماذا تعني بهذا السؤال؟."

"ما حصل في المنزل غريب..لذلك أحاول فقط طرح أسئلة قد تقود إلى معرفة ما حصل."

"حسنا..مع أنني لا أفهم لكن في الواقع أخبرتك قبل قليل أنها كانت معلمة من الطراز الأول، كانت حريصة على إحضار نماذج وهياكل عظمية لدراسة الحيوانات والبشر..كان الشيء العملي بالنسبة لها هو الأفضل للطالب..لذلك، لا أستطيع إجابة سؤالك سوى بلا يوجد شيء غريب أبدا."

"فهمت..هل بقي من الطلاب أحد يمكننا التحدث معه؟ أو هل تعرف عناوين طلاب درسوا تحت يديها؟."

"حسنا..بقي ربما طالب واحد مازال فاشلا للآن..أما من تخرج فيمكنني تزويدك بأسماء فقط وعليك إيجاد عناوينهم."

"آه." وحدق هو وليسّا ببعضهما البعض

************************

وقف هيرشار وليسّا أمام باب قاعة محاضرة ينتظران انتهائها فقد علما أنّ الطالب الذي درس على يدي نيلّا قبل ستة سنوات ومازال هنا لديه محاضرة في القاعة رقم 107 في الطابق الأرضي من كلية العلوم..باب القاعة يطلّ مباشرة على نافذة وقفت ليسّا عندها بينما وقف هيرشار أمام الباب يحمل صورة الفتى-الذي يكبر هيرشار في الواقع كثيرا-وهو يحاول تحليل القضية بينما كان ينظر بطرف عينه نحو ليسّا.

"لا يمكنني أن أخبرها أنّني أعرف السبب الذي يجعلها تتصرف ببعض الغرابة هكذا.."

"ردّي على اعترافها لي.." واصل لنفسه في ذات الوقت انفتح باب القاعة وغادر الطلاب..كان آخر من غادر طالب طويل القامة بهيئة لا مبالية، شعره بني وجسده قوي، كان يرتدي قميصا أبيض على بنطال كتان أسود ويضع معطف بدلة أزرق سماوي.

كان هو الطالب اللذان ينتظرانه.

"لو سمحت." بادر هيرشار فنظر الطالب إليه.

"هل أنت نورمان؟."

"آه..أنا هو."

اقتربت ليسّا من هيرشار ووقفت بجواره.

"أوه..ما هذه الفاتنة!." قال نورمان فعبست في وجهه

"نريد الحديث معك لبعض الوقت."

"هاه؟."

**************************

"هيه..تريدون الحديث عن المعلمة نيلّا، هاه."

كان الثلاثة يسيرون في رواق داخل الكلية..هيرشار في الوسط وعلى يساره ليسّا وعلى يمينه نورمان.

"نعم..نحاول التوصل لبعض النقاط التي قد تقود لفكّ اللغز المتعلق بمنزلها قبل ستة سنوات."

"آه..سمعت عن هذا..كان شيئا مؤسفا."

"كانت معلمة رائعة جدا..كما كانت جميلة وقوامها ممشوق." وضحك ساخرا

"آه..لكن للأمانة فتاتك أجمل وأكثر إثارة."

أصبح وجه ليسّا بلون شعرها ونظرت نحوه شزرا بينما قال هيرشار:

"هي ليست فتاتي..كما هذا يفسّر سبب رسوبك إلى الآن."

"آه لا.." وتوقف قليلا

"لقد درست الأحياء بسبب المعدل فقط..أنا لا أحبّه."

"ولماذا لم تقم بتحويل تخصصك؟." سألته ليسّا

"أصبحت أحبّه بسبب نيلّا."

"ولماذا ترسب إذن؟." قال هيرشار بنفاد صبر.

"حسنا، هل من اللازم أن تحب شيئا فتنجح فيه."

"هذا الفتى.." قال هيرشار لنفسه منزعجا بينما استدار نورمان ومشى نحو باب.

"هنا توضع النماذج التي كانت تعلّمنا عن طريقها..حين يموت شخص ما تعمل الأيام والناس والأحداث على مسحه من حياة الأشخاص، لا تبقى سوى ذكرياته فقط.." وكان ظهره لهما.

"هل تريدان شيئا آخر؟."

"آه..من يمتلك مفتاح الغرفة؟ أريد الاطلاع على النماذج قليلا." قال هيرشار

"الباب غير مقفل." وفتح الباب فأجفل هيرشار وليسّا برؤية العديد من النماذج لحيوانات وهياكل عظمية بشرية.

"حقا..هي تحب التطبيق العملي." علّق هيرشار

************************

جلس هيرشار وليسّا على كرسيين متقابلين في مطعم كبير بطاولات مربعة، المطعم يسمى مطعم الورود ويقع في الشارع السبعين..يتكون من طابقين اثنين وجلسات جميلة جدا خارجية حيث الهواء الطلق.

طلبت ليسّا سمكا مع الخضار بينما طلب هيرشار نصف دجاجة مشوية.

"هل كوّنت رأيا أو استنتاجا؟." سألته

"ليس بعد..سنذهب ونقابل جيرانهما وكاتي مجددا بعد الغداء."

"آه."

"لا تبدين متحمّسة."

"حسنا..لا أعلم عمّ نبحث بالضبط."

"ممم..نريد أن نصل لمعرفة ماذا يجري هناك، ليس الأمر كما لو كان المنزل جزءا من مثلث برمودا يختفي فيه الناس!."

"معك حق!."

أنهيا طعامهما وغادرا المطعم..ركبا سيارة هيرشار 

وقبل أن ينطلق هيرشار سمع صوتا ينادي فأخرج رأسه من النافذة ونظر فوجد إليزابيث تسير نحو السيارة من خلفها وهي ترتدي كنزة بنفسجية على بنطال أسود..أصبحت السماء مظلمة وسوداء.

وقفت أمام السيارة لاهثة.

"مساء الخير..كيف حالك؟."

"بخير..ماذا تفعلين هنا سيدة إليزابيث؟."

"كنت أتسوق في المجمع التجاري القريب من المطعم حين رأيتكما تغادرا المطعم..ه-هل.." وترددت

"من أخبار؟." أكملت

"ح-حسنا..لا يوجد الكثير بعد، لكن لا تقلقي..سأتوصل لشيء عما قريب." وابتسم لها فارتاحت

"أشكرك كثيرا..صحيح..لم تسألني عن أتعابك."

"آه..لأنّه لا أتعاب في هذه القضية."

"م-ماذا؟." ابتسم لها وانطلق وصرخ بعدها:

"اعتني بالطفل جيّدا وقريبا سنجد زوجك."

لم ينظر إلى وجهها المحمرّ خجلا والسعيد.

"ماذا يفترض بهذا أن يعني؟." قالت ليسّا

"عن الطفل؟ أم الزوج؟."

"كلاهما."

"عن الطفل فكريس من اكتشف هذا..أما الزوج.."

وشرد بعدها بينما زاد سرعته.

"آمل أن لا يكون قد تعرض لأذى." أكمل لنفسه.

**********************

وقف هيرشار وليسّا أمام منزل كاتي..كان المكان المحيط مظلما، طرق هيرشار الباب فانفتح الباب بسرعة وبرزت كاتي صارخة:

"قلت لك لن تنام هنا اليوم!."

لكنّها أجفلت وأجفل هيرشار وليسّا.

كانت تقف مرتدية كنزة حمراء بلا أكمام واسعة الرأس فظهر أعلى منطقة الصدر وتنورة بيضاء قصيرة.

"م-ماذا تفعلان هنا؟." قالت متفاجئة

"السؤال يجب أن يكون ماذا تفعلين بالضبط؟." قال هيرشار ساخرا "كما إن كنت لا تريدين لزوجك النوم في المنزل لن تفتحي باب المنزل بسرعة وبلباس مثير بعض الشيء." أكمل لنفسه "وليس الطقس بدافىء أصلا."

أجفلت واحمرّ وجهها تماما..تنحنحت وقالت:

"ماذا تريدان؟."

"هناك أمر لم أسألك عنه في المرة السابقة."

"أمر؟."

"آه..قبل ثلاثة شهور، إدوارد الذي رأيته."

"لقد أخبرتك عن هذا!." قالت بغضب

"نعم..لكن، هل استطعت تمييزه بسرعة؟ لم تريه منذ ستة سنوات."

"هنا الجيران معا على علاقة يومية رائعة ليس كما عندكم في المدينة اللعينة!."

"آ-آه، لكن هنا تابعة للمدينة على كل حال." سخر فتنحنحت مجددا.

"لا يمكن أن أخطىء في وجهه..كنّا نعرف بعضنا جيدا."

"حسنا، هل كان هناك شيء مميز أو غريب في ظهوره؟."

فكّرت قليلا ثم قالت:

"حسنا..كان يوجد."

"ما هو؟."

"بدا لي ساعيا لإخافة الناس فلم يكن واقفا مستقيما حين رأيته."

"كيف هذا؟."

"استدر وانظر إلى النافذة.." ففعل هو وليسّا

"ربما الغرفة مطفأة الآن لكن.."

"كان مستوى ظهوره، كيف أقولها..منخفضا قليلا."

"أوي كاتي!!! هل تشاجرت مع كلاوس!."

أجفل الجميع برؤية امرأتين كبيرتين في السن يقتربان من المنزل.

"آ-آه..نوعا ما." قالت كاتي منحرجة

"تبا! لا يجب أن تطرديه من المنزل."

انحرجت كاتي أكثر بنظرات هيرشار وليسّا لها

"من هذين الشابين؟."

"آ-آه..لديهما فضول حول منزل إدوارد ونيلّا."

"لا تقولا أنكما ستدخلان المنزل؟!." قالت المرأتان وهما يقتربا كثيرا منهما..أجفلا وتراجعت ليسّا قليلا بينما قال هيرشار:

"ح-حسنا..نحن نفكر في هذا.."

"إياكما!."

أجفلا بشكل أكبر.

"ذلك المنزل ملعون ومسكون!." قالت إحداهما

"نعم نعم، ملعون ومسكون."

"لقد عثر قبل عدة أشهر على أثر دماء في المنزل وتبيّن أنها لحيوان!."

"آه، كان الأمر مرعبا."

ثرثرتا فأوقفهما هيرشار:

"دم حيوان؟!."

"نعم! هناك في المنزل شبح أو أرواح مسكونة تأكل كلّ من يدخله!." ارتعشت ليسّا وأمسكت بمرفق هيرشار.

"ما هذا الهراء؟." قال هيرشار

"ماذا؟ ألا تصدق؟ حصل هذا قبل قدوم الصحفي الفضولي وها هو لم يخرج من المنزل!."

"م-ماذا؟ أتعرفان بقدوم الصحفي قبل عدة أيام؟!."

"آه بالطبع! كنّا من دلّه على مكان المنزل."

"ما الذي سألكما عنه؟ وكيف عرفتما أنّه لم يخرج من المنزل؟."

"سألنا بضعة أسئلة عن الزوجين والأشخاص..أما بالنسبة لخروجه.." وتأملتا بعضهما البعض باستحياء

"أعطانا هذه القطعة القماشية وأخبرنا أنّه سيعود ويأخذها حين يخرج."

وأخرجت إحداهما قطعة قماشية حمراء اللون بدت مربعة الشكل.

"لكن..ربما نسيها وحسب."

"لا يمكن هذا!." هتفت إحداهما

"إنّها هدية لزوجته بمناسبة حملها!."

أجفل هيرشار وليسّا كليا..نظر هيرشار نحو المنزل.

"لا وقت نضيّعه أكثر." قال بعدها بينما ابتعدت المرأتان.

"ستدخلاه إذن؟." قالت كاتي من خلفهما بينما ارتعشت ليسّا.

"آه، سنفعل." قال هيرشار بصوت حازم بينما رنّ هاتفه فجأة.

"ضابط توم..كيف حالك؟."

بينما بدأت كاتي بالحديث مع ليسّا قليلا..تجمعت الغيوم في السماء.

"هيرشار..جمعت معلومات عن المصور الفوتوغرافي وعن المحقق اللذان دخلا المنزل من قبل."

"حسنا؟."

"بالنسبة للمصور فهو قريب إدوارد..لم يصدق حصول أمر غير طبيعي فجاء ليتأكد من الأمر."

"ممم..هل كان خارج البلاد؟."

بدأت قطرات من المطر بالنزول..أبرقت فصرخت ليسّا.

"نعم..وحين جاء أراد السؤال عن قريبه فورا فعرف بالأمر، من الذي صرخ؟."

"ماذا عن المحقق؟."

"كان محققا من قسمنا، حين تقاعد أراد إشباع فضوله بالأمر..هو متزوج وزوجته تؤكد أنّ لا خلاف بينهما وأنّه أخبرها بنيّته التحقق من المنزل، قال لها إن لم يعد خلال أسبوع فلتخبر الشرطة."

"هذا يعني أنّه أراد جعلها لا تقلق من احتمالية انتحار أو خيانة لها."

"حسنا..ربما كان يمكن أن نفترض كذبه لولا تأكيد أهالي المنطقة لدخوله المنزل."

"آه."

"هل أفادتك المعلومات؟."

"نوعا ما..شكرا لك أيها الضابط توم."

أقفل الخط فانهمر المطر فجأة..استدار ووجد ليسّا تحتمي من المطر أسفل كتلة خرسانية زائدة من منزل كاتي والتي أقفلت باب منزلها.

"حان وقت دخول المنزل." قال لها

"ه-هل أنت مصمّم على هذا؟." فأومأ

مشى نحوها ووضع في راحة يدها مفتاح السيارة.

أجفلت وحدّقت به.

"عودي أنت..المطر ينهمر بقوة ولا تريدين الدخول معي."

"ل-لكن.."

ابتسم لها.

"يجب دخول المنزل لمعرفة ما يجري."

"ه-هيرشار، لكن..لديّ إحساس سيّء."

"إحساس سيّء؟."

"آه..أنّ مكروها سيحصل اليوم."

"ولماذا هذا؟."

"لا أعلم..لا أتفائل بالمطر."

بالنسبة لليسّا فالمطر رغم جماله مرتبط بماضيها فهناك ذكرى سيّئة من الخيانة مرتبطة بليلة ماطرة حوّلت حياة ليسّا وآخرين إلى جحيم نوعا ما.

"لا شأن للمطر بهذا." ونظر إلى السماء بينما ابتلّ كليا.

"س-سأنتظرك في السيارة."

"لا بأس..كما تريدين." واستدار بعدها ومشى نحو المنزل.

"هيرشار!." صرخت بينما ابتعد عنها واقترب من المنزل.

"اخرج بسرعة!!."

فرفع لها يده اليسرى ومشى نحو المنزل ثم أدار وجهه.

"سأفعل!." فأومأت..لكن خفق قلبها رعبا، فتح هيرشار باب المنزل وراقبته..دخل المنزل وقلبها يخفق رعبا وخوفا.

"أرجوك يا الله..احمه."

وركضت نحو السيارة مع صوت الرعد المرعب.

الفصل الثامن:

وقف هيرشار داخل المنزل..المنزل من الداخل يقود مباشرة من الباب إلى صالة..على اليمين مجموعة من الكنب والطاولات وعلى اليسار هناك كنب وتلفاز ومدخنة للتدفئة.

تأمّل المنزل مليّا..استطاع أن يشتمّ الرائحة المميزة للدماء.

حرّك عينيه يمنة ويسرى..حاول التفكير في المكان لعلّه يجد شيئا.

مشى إلى اليسار واستدار ووقف أمام النافذة المطلة على منزل كاتي..النافذة حيث ظهر الزوج قبل ثلاثة شهور.

أجفل ثم ابتسم.

"هكذا إذن."

استدار بعدها ومشى في الغرفة متعمدا جعل أثر خطوته على الأرض قوية، مع معرفته بخطورة الخطوة.

الأرضية لا شيء فيها.

مشى إلى الحائط..مرّر يده على الحائط وهو يسير بمحاذاته..لا وجود لاختلاف معين.

حرّك الكنب تباعا..لا شيء!

مشى نحو المدخنة بعدها.

دخل من فتحة المدخنة..وأضاء الضوء من هاتفه الذكي في الداخل، نظر حوله..لم يجد شيئا مميز.

أجفل بعدها!

"لا وجود لغبار هنا على عكس الصالة."

ابتسم.

وجّه هاتفه نحو جهة في الحائط أمامه..وجد شقا في الجدار أشبه بشق خرساني (ضعف في الخرسانة).

اقترب هيرشار كثيرا من المنطقة..حين داس هناك انغمست قدمه كثيرا.

أجفل بصوت شيء يتحرك..انفتح الشق واتسع كاشفا عن باب هناك.

سعل هيرشار من رائحة الغبار.

"هنا إذن..سنجد سرّ هذا المنزل."

وجّه ضوء هاتفه الذكي إلى الداخل.

كتم صرخة.

فهو لم يؤمن من قبل أبدا بوجود أشباح أو رؤية مخلوقات خارقة.

رأى وجها مرعبا وشعرا طويلا أشعثا يغطي الوجه، وقبل أن يأتي بأي حركة..تحوّل تحته إلى منزلق..فسقط صارخا وفقد وعيه.

**************************

نظرت ليسّا التي جلست في السيارة إلى ساعتها ووجدت أنّه مرّ نصف ساعة على دخول هيرشار المنزل.

لم يتوقف المطر..وتواصل الرعد والبرق ومع كل مرة كانت تصرخ.

"هيرشار..كن بخير، أرجوك."

**********************

فتح عينيه ببطء..كان يرى سقفا أحمر اللون.

حدّق حوله ومازال لم يستعد وعيه كليّا.

الحائط والسقف كانا بلون أحمر.

رأى سلاسل معلقة في الحائط..وأدرك بعد دقيقة أنّ يديه مقيدتين بهذه السلاسل إلى السقف، نظر إلى أسفل ووجد قدميه كذلك مقيدتان بسلاسل، ربما كان الأمر أقل غرابة من كون هناك شيء رقيق حول رقبته.

"م-ما هذا؟.."

"أ-أنشوطة!."

نظر حوله..رائحة الغرفة كانت رائحة عفونة..حينها رآها.

ثلاثة هياكل عظمية بشرية في نهاية الغرفة.

أجفل تماما وارتعب ثم سمع صوت خطوات بعدها.

كانت خطوات تمشي خارج الغرفة..مساحة الغرفة المحمرّة من الداخل لا تعادل مساحة غرفة مضخات صغيرة أي أنها لا تتجاوز تسعة أمتار مربعة، اكتشف هيرشار أنّه جالس على كرسي.

وقف الظل أمام الباب..رأى ظل الشعر الطويل والجسد النحيل.

جمع هيرشار لمام ثقته بنفسه ملقيا بخوفه بعيدا.

"أهلا بك." قال بصوت مرتفع.

"يا من يقف خلف غموض هذا المنزل وما يجري به."

 انفتح جزء من الباب.

"كان المنزل منزلا مليئا بالأمور الجيدة..العلاقة جيدة بين الزوجين، لكن..كان هناك من يغذي شيئا خاطئا."

لم يدخل الظل..فواصل هيرشار.

"الشغف والهوس."

"هما شيئان جميلان لو أنّهما كانا في الإطار والحجم الطبيعي، لكن..كلما زاد الشيء عن حدّه انقلب ضده.."

"وهذا ينطبق على كل شيء في الحياة."

"وأنت كنت مليئا بالشغف والهوس..الهوس نحو شيء ربما يكون جيدا لكنك زدت الأمر عن حدّه.."

"الهوس بالعلم أيضا شيء خاطئ أحيانا."

انفتح جزء أكبر من الباب.

"الهوس بالجثث والعظام خاطئ أحيانا أيضا..سيدة نيلّا."

انفتح الباب كلّيا.

بالرغم من أنّه تغلّب على خوفه..لكنّه ارتعب.

الوجه ذو البشرة البيضاء والجميل اختفى ليظهر مكانه وجه قبيح جدا ببشرة بيضاء لكن متعبة.

الشعر الأشقر تحول إلى أحمر أشعث، أهو الاحتكاك مع الدماء أم ماذا؟.

الفم الصغير أصبح بشعا والأنف الدقيق متّسخ.

كانت نحيلة للغاية..ترتدي فستانا واسعا ممزقا أبيض اللون لذلك لا عجب أنّ من سيراها سيعتقد أنّه رأى شبحا.

دخلت أكثر وتقدمت منه بينما حملت شمعة بيدها.

وقفت أمامه تماما.

"ما الذي جعلك تعتقد أنّني أنا المسؤولة عن كل هذا؟."

كان الصوت أشبه بصوت عجوز في الثمانين عاجزة عن الكلام.

"حسنا..كان هناك الكثير من الغموض لكن.."

حين رفع رأسه قليلا أجفل..أدرك شيئا خطيرا فيما يتعلق بالأنشوطة التي تلفّ رقبته.

ابتلع ريقه بينما ابتسمت.

"أكمل." قالت بصوت فيه تغنّي.

"السبب الذي جعل الدماء كثيرة في الحادثة الأولى كان هو الخوف والتردد أو عدم التخطيط لما حصل جيدا، بينما قلّ الدم في حادثة المصور واختفى في حادثتي المحقق والصحفي."

"هذا يدلّ على الجاهزية لدخول المتطفلين إلى المنزل، مما يعني تواجد شخص بشكل دائم في المنزل..وهذا يعني أنّ ما حصل قبل ستة سنوات كان فيه شيء ما خاطئ لكن.."

 "ليس كما لو كان هناك من قام بهذا للزوجين..كان الفعل داخلي، وإثبات هذا كما قلت هو عدم وجود الدم في الجرائم التالية..لقد استبعدت أن يكون أحدهم قد دخل المنزل واحتلّه مسبّبا الأمر فأهل المنطقة يعيشون كأهل القرى ويعرفون كل صغيرة وكبيرة حول الجيران."

"لكن..كان الاتجاه لديّ يقود إلى الزوج، ففي مثل هذه الحالات يكون الزوج وراء الغموض، لكن فيما تلى ذلك..الزيارات والكلام، كان هناك أمران جعل الاتجاه التفكيري لديّ يتحول باتجاهك." وابتسم

"لكن، حتى مع تفكيري أنّ الزوج وراء هذا..كان هناك نقاط غامضة، لماذا كان هناك ظهور للحيوانات مثل آثار المخالب في اختفاء المصور؟ ولماذا اختفت جثث أو اختفى المصور والمحقق؟ هل أراد وضع مزيد من الغموض على القضية؟."

"وجاءت الإجابة صدفة..في الجامعة حيث كنت تدرّسين."

انتظرت وبقيت واقفة تحمل الشمعة.

"في ذلك الوقت، وبالصدفة أشار أحد الطلاب (طلابك) إلى باب وقال أنّ خلفه يوجد نماذج لهياكل عظمية حيوانية وبشرية..فتح الباب ورأينا النماذج وهناك.."

أرعدت في الخارج.

"رأيت ما غيّر اتجاه تفكيري كليا..كان بين النماذج، هيكل عظمي بشري..حقيقي!."

الفصل التاسع:

صرخت ليسّا مجددا مع الرعد.

"تبا! لقد تأخرت..هيرشار!."

وحدّقت إلى ساعتها بجنون.

**********************

"نعم..كان أحد الهياكل العظمية حقيقيا! لم يكن نموذجا..لا أعلم كيف فات هذا الأمر على جميع من في الكلية، لكن تواجد هيكل عظمي حقيقي خلف الباب..وعندها تغيّر اتجاه تفكيري تماما."

"تحوّل نحوك..وأصبح كل ما كان غامضا مفهوما."

"كيف أصبح؟."

"أولا..الدماء الخاصة بالزوجين في اختفائكما، متخصصة في الأحياء قادرة على معرفة أماكن يمكن جعل النزيف منها كثيرا مع ذلك لا تسبب الموت..لذلك تواجد دمك مع دم زوجك الذي قتلته."

"ثانيا، اختفاء المصور والمحقق كان استمراريّة لهوسك."

"ثالثا..ظهور مخالب حيوان ثم دماء حيوان تدلّ عليك، فأنت هوسك كان بالجثث والهياكل العظمية للبشر والحيوانات على سواء."

ابتسمت كأنّه مدحها.

"ببساطة..ما حصل هو.."

"كنت شغوفة بعلم الأحياء وبتدريسه، كنت تعلّمين الطلاب عن طريق النماذج المصنوعة للحيوانات والبشر، لكن، كما يكون الإدمان في البداية بسيطا، يتحول ليصبح شيئا عميقا وكارثيا إن لم يكبحه الإنسان..كذلك حصل معك، بدلا من النماذج..لماذا لا نتحول إلى الأجسام الحقيقية؟."

"بدأ الأمر ربما بالحيوانات..أعتقد أنّه قبل هذا كنت تقومين بإحضار نماذج لحيوانات إلى المنزل مما ولّد مشاكل مع زوجك، ومن ثم حصل التطور نحو جثث حيوانات حقيقية.."

وسكت هيرشار قليلا متأملا إياها.

"هل اكتشف زوجك هياكل الحيوانات الحقيقية؟."

أجفل بسماع صوت صرخة قريبة.

"م-ما هذا؟."

"آه..إنّه صوت الرجل الذي كان فضوليا قبل عدة أيام."

"هل يعقل؟! الصحفي ماثيو!."

"آه." قالت بفحيح.

"ماذا تفعلين به؟ لماذا يصرخ؟!."

"إنها تجربة.." فتحت عينيها على وسعهما

"تجربة على العظام."

ارتعب هيرشار تماما..حاول التفكير في طريقة للهرب، تفائل قليلا رغم الصرخة..فهذا يعني أنّ الرجل على قيد الحياة!.

"أكمل أيها الشاب."

توتر هيرشار وهو ينظر إليها.

"أع-أعتقد أنّ زوجك لاحظ الأمر..وقد حاول الحديث معك لكنك أخبرته أنه أمر عادي، لم يكن يتصور أن يتطور الأمر أكثر..على أي حال كان الأمر قد أثّر فيه لذلك لم يكن يركّز، وعندها كان يتحدث مع نفسه قائلا (هل جنّت؟) نعم! ثم جاء دوره..الهوس انتقل نحو البشر فقمت بقتله، لا أعلم كيف قتلته أو أي جزء من جسدك نزف كل هذا الدم..لكنّك فعلتها، واختفيت أنت وزوجك عن الأنظار."

وسكت قليلا بينما أرعدت السماء من جديد.

"ثم كررّت الأمر مع المصوّر والمحقق..وحاولت تضليل الشرطة عن طريق وضع أثر المخالب ثم دماء حيوانية لم تعرف عنها الشرطة، لكن.."

"كيف استطعت نقل زوجك إلى هنا؟ لماذا لم توجد آثار سحب في الصالة؟." فابتسمت

"من أنت أيها الشاب؟."

"إ-إيه؟ م-متحرّ."

"إذن يجب أن تعرف بنفسك.."

"م-ماذا؟."

ضحكت ضحكة مثيرة للاشمئزاز كليا.

"أنا لم أنقله..لقد قتلته هنا، أما الدم فسكبته بعد أن عبّاته بسطل."

أجفل هيرشار وارتعب..من هذه المرأة غير الآدمية؟.

"لقد قلت أنّ هناك أمرين كانا قد قاداكا إليّ أنا بدلا من زوجي..ما هو الأمر الآخر؟."

"آه..كلام جارتك كاتي عن زوجك الذي ظهر قبل ثلاثة شهور من النافذة."

"ما به كلامها؟."

كرّر هيرشار ما قالته كاتي منذ قليل من الوقت.

"بدا لي ساعيا لإخافة الناس فلم يكن واقفا مستقيما حين رأيته."

"كان مستوى ظهوره، كيف أقولها..منخفضا قليلا."

نظرت إلى هيرشار نظرة استفهامية.

"فهمت ما عنته حين دخلت المنزل ووقفت أمام النافذة، كان على يساري شيء ما.."

"عمود خاص بضوء الصالة."

"ببساطة، وضعت رأس زوجك على العمود..الرأس فقط، وهذا يعني أنّ الهيكل العظمي الذي خلفك وبلا رأس هو خاص بزوجك صحيح؟!."

"يبدو..بأنّني كنت محقّة حين أردت التخلص منك."

"م-ماذا؟."

"في الواقع..كنت أريد التوقف، أردت أخذ الهياكل العظمية وقتل الصحفي ثم الهرب..فكلما زادت حالات الاختفاء هنا سيشكّ الشرطة أكثر مما سيقودهم ربما إلى شيء ما، لكنني لم أخطىء حين قرّرت قتلك أيضا." وابتسمت ابتسامة واسعة للغاية.

"تحليل رأسك ودماغك سيكون رائعا." وكانت ابتسامتها مثيرة للاشمئزاز.

لم يرتعب هيرشار..نظر إليها متحدّيا.

"لديّ سؤالان."

"ما هما؟."

"ما الذي جعلك هكذا؟ وما الذي جعل رأس زوجك لا يتحلّل؟ الجثث حين لا تدفن تتحلل بسرعة وتتحول إلى هياكل عظمية سريعا، بينما تستغرق نحو ثمانية سنوات إلى اثنتي عشر سنة إذا دفنت لتتحول إلى هياكل عظمية..لماذا إذن؟."

"ألم تجب السؤال الثاني بنفسك؟ أعجبتني معلوماتك عن التحلّل."

"ه-هل..دفنت رأس زوجك؟ لماذا؟."

"سأجيبك على سؤاليك معا.." وحدّقت بالسقف 

"كان هوسي بالأحياء والنماذج كبيرا..كان لديّ هوس أيضا بالجثث والأشياء الحقيقية، بدأ الأمر حين عثرت على جثة في أحد الغابات حين كنت ذاهبة في رحلة، كانت رحلة مع صديقاتي وبعد زواجي بكثير، أي قبل حادثة المنزل بقليل..حين رأيت الجثة دبّت فيّ الحماسة، تأملتها بحماس وتفحصتها، كانت الجثة التي استعملتها في التدريس والتي رأيت هيكلها العظمي، حسنا..كانت هي البداية.."

أخفضت رأسها ونظرت إليه.

"لقد كنت مخطئا..كان هناك من الطلاب من لاحظ أنّ الهيكل حقيقي." فأجفل هيرشار تماما

"كانت فتاة..وكانت جميلة أيضا."

"جائتني بعدها بعد الحصة التدريسية وتكلمت معي، فاجأتني في الواقع أنّها عرفت الأمر..لكنني تفاجأت لسبب آخر..كان أمرا لم يخطر على بالي أبدا."

"قالت لي الفتاة في حينها..أنّها يائسة كثيرا، وأنّها لا ترى فائدة من استمرارها في الحياة..حاولت فهم ما ترمي إليه فقالت لي.."

"أريد أن أنتحر وأن تقومي باستعمال جثتي  وهيكلي العظمي والاستفادة منه."

صعق هيرشار وقال:

"أ-أسمحت لها بالانتحار؟." فهزّت كتفيها

"حياتها وهي حرّة في التخلص منها أو جعلها تستمرّ."

"م-مستحيل..اللعنة عليك!." فضحكت

"انتحرت وحزن الجميع بما فيهم أنا..كنت قد اتفقت معها على أخذ جثتها لاحقا بعد أن تدفن، وهو ما حصل.."

تنهدت بعدها.

"رآني زوجي في حينها." أجفل هيرشار

"صرخ فيّ أنني مجنونة كلّيا! قال أنّنا يجب أن نفترق لكنني لم أهتمّ لكلامه، لذلك قتلته بعد عدة أيام!."

"أما عن سؤالك عن سبب دفن رأسه فقط..كنت أعلم أنّه سيتحلّل بشكل أبطأ حين تضعه في التربة..كان قد هدّدني قائلا أنه لن يطلّقني فحسب بل سيضعني في مصحّة ويستمر في النظر إلى وجهي في المصحّة وأنا أعاني هناك." وقهقهت.

"فقرّرت أن أردّها له وأرى أنا وجهه الميت." وزادت قهقهتها.

"اللعنة عليك! لذلك وضعت شعرا طويلا على رأسه لأنّه بلا شك تحلّلت أجزاء من رأسه."

"نعم."

"أما الآن أيها الشاب.."

أجفل هيرشار بصرخة أخرى من جهة الصحفي.

"م-ماذا عنيت بتجربة العظام؟."

"تجربة لمعرفة كيف تتكسر العظام وإلى أي مدى تحتمل."

خفق قلب هيرشار رعبا بينما توجهت نحو جهة في الحائط..وضغطت زرا.

كانت الأنشوطة كهربائية..اشتد الحبل حول عنق هيرشار وازرقّ وجهه..كافح ليتنفس، الأكسجين، الأكسجين! إنه بحاجة للأكسجين..بدأت الرؤية تضعف وبدأ يشعر بفقدان الوعي.

"وداعا..أيها الشاب الذكي."

"ل-ل-لا.." تمتم بينما بدأ يرى سكرات الموت.

سمع صوتا قويا..وسقط مغمضا عينيه.

الفصل العاشر:

"هيرشار! هيرشار! هيرشار!."

"استيقظ أرجوك! هيرشار!."

فتح عينيه محدقا حوله..وجد ليسّا بجواره على السرير، واشتم رائحة مميزة لا يخطئها..رائحة المستشفى والمعقمات.

وجد مارك يقف في نهاية السرير..وحوله كان طبيب وممرضة.

"م-ماذا حصل؟." دمعت ليسّا وهي تعانقه

"لقد تم إنقاذك بأعجوبة." قال مارك

"م-من؟." ونظر نحو ليسّا

"نعم، هي." احمرّ وجه ليسّا

"ك-كيف؟."

"ح-حسنا..أنا جبانة لكن قويّة أيضا." وابتسمت له

"شعرت أنّ من الحماقة أن أتركك وحيدا..وأنّ اختفاء الصحفي يدل على أنّ المنزل ما زال يحتفظ بأسراره، لذلك اتخذت قرارا..دخلت المنزل رغم أنني ارتعبت تماما..وحسنا.."

ضربت هيرشار على رأسه ضربة خفيفة.

"كنت ذكيا بترك آثار أقدام لك من المطر."

"ليست ذكاء بقدر ما هي قدر من الله." قال لنفسه

"وعندها عثرت على الغرفة واستطعت الوصول هناك..في الوقت المناسب." وأمسكت معصميه

"أطلقت النار على حبل الأنشوطة قبل أن تقطع رأسك." وكانت نظرتها خائفة.

"لا يوجد داع لوصف تقطع رأسك." قال لها ساخرا ثم سعل ووضع يده على رقبته.

"م-مازلت أشعر بالحبل على رقبتي."

"هذا طبيعي." قال الطبيب.

"م-ماذا عن الصحفي؟." ونظر إليهم

"لقد أنقذ هو الآخر ويحتاج عملية ترميم للعظام، فهناك عظام تمّ تفتيتها كليا." قال الطبيب فأجفل هيرشار.

"الحمدلله على نجاتكما." قالت ليسّا وهي تبتسم له.

"أشكرك..ليسّا."

فابتسمت له بوجه محمرّ.

**************************

حين غادر هيرشار المستشفى ووقف أمام الاستقبال كان وحيدا..غادر مارك وليسّا أيضا.

كان هذا بعد أربع وعشرين ساعة.

وقف أمام موظفة الاستقبال والحسابات في المستشفى.

"ها هو هاتفك." قالت له بابتسامة

"أشكرك."

ومشى إلى الخارج..مازالت رقبته يؤلمه..حدّق بالشمس في السماء.

أجفل بعدها برؤية آيرين وماريا تسيران نحوه وكانت آيرين تركض. كانت ترتدي كنزة زرقاء اللون على بنطال أبيض بينما ارتدت ماريا فستانا أزرقا قصيرا نوعا ما.

"هيرشار! أنت بخير؟!." وعانقته

"آه. لا تقلقي."

"لقد أخبر المفتش مارك والدي الذي أخبرني! لقد قلقت جدا." فابتسم لها.

"لقد كانت قضية صعبة لكنّني كنت مخطئا وغير حذر." وربت على رأسها.

"هذا لأنّك مهووس كالعادة." فنظر لماريا شزرا لكنّها نظرت بخبث ففهم أنّها تشير إلى موضوع الصورة.

"بالمناسبة.." قالت آيرين فنظر هيرشار إليها.

"هناك شيء ما تخفيه هيرشار؟."

"إ-إيه؟." أجفل بينما نظر نحو ماريا التي هزّت رأسها.

"ما الذي جعل فتاة بشعر أحمر أعتقد أنّها كانت من فترة أوكنان تقوم بإنقاذك؟ هل قضيتما الهالوين معا؟." فأجفل هيرشار واحمرّ وجهه.

"لا يوجد شيء بيننا! كما لقد قضيت الهالوين في التحقيق في القضية!." فأشاحت بوجهها.

"ذات الشعر الأحمر صديقة زوجة أحد الضحايا الذي كان مخطوفا لذلك شاركت في التحقيق."

"حقا؟." وكانت نبرتها تدل على عدم التصديق فأجفل لكنّه ابتسم.

"لا شيء بيننا أيّتها الحمقاء!." فأشاحت بوجهها بينما تنهّد هيرشار لكن..

ما حصل بين ليسّا وهيرشار، اعترافها، ردّه، وأمور أخرى لم تعرف عنها آيرين سيقوم شخص ما باستغلال الأمر بطريقة ما لإيذاء آيرين في الرواية السادسة القادمة!

***********************

في اليوم التالي..

وقفت ليسّا أمام باب منزلها وهي تنظر إلى السماء التي كانت صافية تماما.

كانت ترتدي كنزة حمراء على تنورة بيضاء.

"من النادر رؤية فتاة تكره المطر." فأجفلت ونظرت لأسفل لتجد هيرشار يقف هناك مرتديا قميصا أسود على بنطال جينز ويبتسم لها. صعد الدرج نحو المنزل.

"هيرشار.." تمتمت

"جئت لأشكرك بشكل مباشرة وواضح. لولاك لكنت الآن في عداد الموتى." وابتسم لها.

"لم أفعل شيئا.." واحمرّ وجهها.

"هل المطر مرتبط بشيء ما تكرهينه؟ من الماضي؟." فأجفلت ونظرت نحوه بينما وقف مقابلها.

"ن-نوعا ما.."

"أهو شيء لا تريدين الحديث فيه؟."

"ح-حسنا.." وأشاحت بوجهها.

"المطر مرتبط بخيانة..خيانة حوّلت حياتي وحياة آخرين من الحرية إلى الجحيم.." كانت ماتزال تشيح بوجهها.

"أنا لا أكره المطر بل..أكره ما يجعلني المطر أتذكره."

"فهمت." وربت على كتفها فنظرت نحوه.

"في أي وقت أردت الحديث عن الأمر أو الحديث عن أي شيء فأنا موجود. لا تترددي وتعالي فورا." وابتسم لها فأجفلت واحمرّ وجهها

"ش-شكرا لك." وبادلته الابتسامة بينما قالت لنفسها:

"لا تجعلني أقع في حبّك أكثر..هذا ليس عدلا لي."

ما تحدثت عنه ليسّا سيتم التطرق إليه في رواية كاملة خاصة ضمن سلسلة هيرشار قريبا بإذن الله.