نضع اليوم أبرز مشاهد أولى قضايا الرواية الخامسة المميزة من سلسلة هيرشار "جنون الانتقام" وعنوان القضية هو الخفي.
جرائم مرعبة ومروّعة تحصل ضدّ مجموعة من النساء. فمن الفاعل وما دافعه من هذا الإجرام؟
أبرز المشاهد:
ظلام..ظلام حالك..أين أنا؟ فتحت عينيها ببطء..ماذا حصل؟ كان نظرها لأعلى..هل كانت تتخيّل؟ لم هي قريبة جدّا من السقف؟ سمعت صوتا عذبا، موسيقى، نعم موسيقى..من أين؟ هذه النغمات..هذا الصوت، أصابع تداعب..أصابع تلعب، تحرّك مفاتيح البيانو..من؟ احتاجت دقائق لتدرك أنّها معلّقة في السقف..يداها مقيّدتان خلفها وقدماها كذلك وفمها مغلق بشريط لاصق..استطاعت النظر لأسفل، كان الحبل مثبّتا بشيء على الأرض..وحينها رأته من الأعلى، شخص جالس يعزف على البيانو..كم عزفه عذب..من؟ حاولت التذكّر..نعم صحيح..هو! لقد طرق باب المنزل وفتحته..رأت أمامها مقنّعا باغتها بمنديل مباشرة فدارت الدنيا بها ونامت..والآن..الآن..هو..لماذا؟.
توقّف العزف.
نهض الشخص..سار نحو المسمار المثبّت أرضا ونظر لأعلى للحظات ثم أخرج سكّينا فارتعبت وصرخت..والشريط اللاصق؟ من سيسمعها؟ مرّر السكّين على الحبل بتلذذ إلى أن قطع فسقطت بالجاذبية.
كان سقف البيانو مثبّت عليه لوحة تبرز منها سكاكين.
سقطت..واخترقت السكاكين جسدها تاركة مطرا من نوع آخر..بلون الدم.
************
استيقظت..كانت تحدّق في العتمة فنظرت حولها..كانت خائفة..حينها أدركت أنّ شيئا يسدّ فمها..كرة، كرة معدنيّة..تذكّرت، لقد دخل إليها ذاك الشخص..بالتهديد وبكلام عادي أجبرها على أن تضع الكرة في فمها..كرة معدنيّة بثقب وسلك معدنيّ بارز..هل شعرت بشيء يسبح داخل الكرة؟ لا تعلم..كان ما تذكره هو صوت ضحكته الغريبة وتأكيده على أن لا تسحب السلك المعدني..لماذا؟ لم يخبرها..عقلها البسيط فكّر بشيء واحد، إذا سحبت السلك المعدني ستخرج الكرة من فمها وترتاح، نعم، فالحواف الدائريّة المعدنيّة تضايق فمها الآن وهي تشعر بهذا..نظرت حولها في الغرفة..إنّها معتمة.
بسرير واحد فقط..كان لديها شعور داخلي غريب، أنفاس..هل هو هنا؟ هل يتلذذ بمراقبتها؟
نهضت عن السرير وسارت قليلا..ضوء القمر هو الوحيد الذي يجعل مكانا لإنارة في الغرفة..مشت نحو الباب بغريزة الهرب..إنّه مقفل.
ارتكزت على الجدار وبكت..ضايقتها الكرة أكثر.
غريزة البقاء اشتعلت فقرّرت..مدّت يدها وسحبت السلك المعدني وهي تغمض عينيها..من ماذا؟ ربّما كان شيئا فطريّا بسبب التحذير الذي تلقّته.
كم من شيء ندم عليه البشر؟ وهي؟ الكثير..لكنّها كانت واثقة أنّها لم تندم على شيء أكثر من هذا.
بسحب السلك المعدني خرج من الثقب سائل..بمجرّد تذوّقها لطعمه أدركته..سمّ قاتل أرداها.
***********
"إذن..جريمة هنا." قال هيرشار بابتسامة
"تبّا لك! أكمل أيّها الطبيب..كنت تقول ما يحيّر."
كان الطبيب نيلسون أسمر وبنّي الشعر..رآه هيرشار أكثر من مرّة في جرائم..تنحنح الطبيب وقال:
"نعم..ما يحيّر هو.." وأشار إلى الجثّة.
"فمها، لاحظوا أنّ فمها مفتوح..الأمر الأشبه بتصلّب جثّتها وشيء يسدّ فمها..ثمّ انتزعه شخص ما."
"أوه..إذن تعتقد أنّ ذلك الشيء هو سبب وصول السمّ إلى فمها؟." قال مارك
"يبدو لي هكذا."
"حسنا..فمها مفتوح دائريّا وهذا يعني أن نفترض أنّ ما كان يسدّه هو شيء دائري." قال هيرشار
"مثل ماذا؟." قال مارك
"لا أعلم." وهزّ رأسه
"تفّاحة بوبو."
وأجفل الجميع..استداروا ببطء فيما كان هيرشار الوحيد الذي يستدير وهو يشعر أنّه يعرف صاحب الصوت..حين أكملوا استدارتهم تفاجأوا بينما صعق هيرشار حين رأى ليسّا تقف هناك بابتسامتها الساحرة.
وقفت مرتدية كنزة ورديّة صيفيّة مع بنطال من الكتّان أبيض اللون تاركة شعرها الأحمر الرائع يتدلّى إلى منتصف ظهرها.
"ت-تفّاحة ماذا؟." قال توم بينما صرخ مارك
"من أنت؟!."
"ليسّا، من.."
وقبل أن تكمل الكلمة أغلق هيرشار فمها بيده محذّرا وقال بعدها متلعثما:
"ليسّا..زميلة لنا في الجامعة، تدرس التاريخ والثقافات."
وابتسم بعدها.
"بماذا تهمسان أنتما؟." قال مارك منزعجا
"آ-آه لا شيء..ستفسّر ما قالته الآن."
وصمت هيرشار فقد كان يريد أن يعرف أيضا..فلم يسمع بهذا من قبل.
"تفّاحة بوبو هو لقبها..كرة معدنيّة مع ثقب فيها..هذه الكرة بداخلها يوجد سمّ وكانت تستعمل للتعذيب في افريقيا خصّيصا، وللنساء خصّيصا أيضا، فقد كانت هناك قبيلة تعاقب بها حيث تعاقب بها النساء الثرثارات واللواتي يتحدّثن عن غيرهنّ من النساء وحتّى الرجال ويتكلّمن بلا داعي..وضعها في الفم سيعاقب المرأة نفسيّا بطريقة بشعة، فالكرة المعدنيّة ستضايقها وتضايق أسنانها، وحين تضعف أخيرا سيكون السمّ الضربة القاضية عندما تسحب السلك."
"اسمها بوبو نسبة إلى الشخص صاحب الفكرة."
****************
نهضت ليسّا أيضا وذهبت إلى حمّام السيّدات وخرجا بعدها ودفعا الحساب..سارا نحو الفندق فقد كان المطعم قريبا نسبيّا وسيساعد على الهضم..حين وصلا سأل هيرشار موظفة الاستقبال عن فرانك فأكّدت عودته..صعدا إلى غرفته ومشيا في الممرّ إليها ثم وقفا أمام باب الغرفة وطرق هيرشار الباب.
لا إجابة.
نظر إلى ليسّا وقال:
"أين ذهب هذا العجوز؟."
"سيضع الكرة في فمك." قالت بابتسامة جميلة
فأجفل هيرشار ثم مدّ يده وأمسك القفل..أداره فانفتح الباب.
"ماذا تفعل؟." قالت
"ربّما كان في الحمّام..سننتظره في الداخل طالما الباب مفتوح."
وفتح الباب أكثر ونظر إلى الداخل بشعور غريب..كان الداخل معتما..لاح له على السرير شيء ما..رأس ظاهر من الملاءات والشراشف.
"يبدو صديقنا نائما." قال هيرشار وهو يدخل ويسير نحو السرير..لم ينر الغرفة.
قال وهو يقترب ويمسك الملاءات والشراشف ويرفعها:
"هيّا، لم نأت إلى هنا لتضيّع وقتنا مرّتين."
ورفعهم..وعلم أنّ صرخة ليسّا التي سمعت من القطب الجنوبي كانت في مكانها..فقد كان الرأس فقط موجودا، لا جسم.
بعد أن اعتاد العتمة..استطاع رؤية تعابير الوجه الفزعة والمخيفة.
نظر خلفه إلى ليسّا..كانت ترتجف..لقد كانت صدمة قويّة عليها فأسرع نحوها وأمسكها محاولا تهدئتها..لكنّه شعر بجسده يهتزّ تماما..لم يكن يعرف كيف يتصرّف..لوهلة ولدهشته، ضمّها..إلى صدره.
ثمّ أجفل حين أدرك فأسرع نحو الثلاجة وفتحها..صبّ لها كأسا من الماء وأعطاها إيّاه ورأى الكأس يتراقص في يدها قبل أن تشربه..أمسك يدها وركض مسرعا إلى الأسفل.
******************
صرخ مايكل في هيرشار وهزّه من كتفه فانتبه هيرشار.
"ما بك؟!."
"آ-آه..لا شيء."
"كيف لا شيء؟."
"لا تقلق..كنت أفكّر في أمر ما فقط."
"أنت تكذب."
فابتسم هيرشار..شيء ما حام حول عقله ولم يهتدي إليه بعد..فكّر مجدّدا.
"قلت أنّه كان وحيدا؟."
"نعم، لو..لو أنّ شخصا كان هناك..لما..لما.." وارتعش مايكل.
"نعم، لو كان.." وأجفل.
"سواء أكان أم لم يكن فالنتيجة واحدة! هذا الشعور الغريب، إنّه هو..القضيّة لم تنتهي بعد!."
حدّث نفسه بوجه مرتعب وضرب قبضته على الأرض بعد أن انحنى ثم رفع رأسه وأجفل حيث لم يجد مايكل بجانبه.
نظر حوله ورآى مايكل يتّجه نحو كشك صغير.
"ماذا تريد أن أحضر لك هيرشار؟." صرخ من بعيد
"آ-آه..شوكولا ساخنة."
"متى اختفيت بالضبط؟!." قال لنفسه ساخرا
"حتّى في الشرب لا تبتعد عن المحقّقين."
"ماذا؟." فقهقه مايكل من بعيد.
"أليس شراب متحرّي مشهور المفضّل؟."
فنهض هيرشار..نظر إلى مايكل.
"بوارو..شراب بوارو المفضّل."
وابتسم..استدار مجدّدا وحدّق في القمر.
"بوارو؟! لكن..تلك، ه-هل يعقل؟!." وأغمض عينيه.
"هذا يضع الأمور في نصابها الصحيح."
وركض بسرعة ناسيا مايكل والشوكولا الساخنة.
انحرف عند زاوية الشارع..كيف سيصل إلى سيّارته سريعا؟ كيف؟ لقد كان الأمر أيضا شبه واضح..لقد لعبها بذكاء، لقد تلاعب به طول الوقت..إنّه..هو!.
وسقط على وجهه لأنّه تعثّر بشيء ما.
"تبّا!." ونهض متألّما.
"لم تركض؟ أين ستجده؟ في منزله؟ لا أعتقد..سيكون قد هرب، مبتسما وسعيدا..سيكون ربما الآن في طائرة يقلع من هنا باسم مستعار وجواز سفر مزيّف!!." وضرب قبضته على الأرض ثم نهض.
"لا! لست من يستسلم." وأمسك هاتفه.
"لا داعي لأن تطلب أحدا..جئتك بنفسي."
فوقف شعر هيرشار كاملا في كلّ أنحاء جسده.
تنفّس ببطء..تنهّد ثم قال وهو يستدير:
"أهلا بمجيئك.."
"سيّد هاري سول."
*********************
برز هاري مبتسما من الظلام وحدّق في هيرشار.
"لم لم تهرب؟." قال هيرشار فأخرج سيجارة ووضعها في فمه وأشعلها.
"لأنّ الفنّان لا يترك لوحة قبل إنهائها."
"وهل ترى نفسك فنّانا؟."
"بلا شكّ..ألم تعترف أنت باحترافيّة جرائمي؟."
فلم يجب هيرشار..مجّ هاري من سيجارته مبتسما
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق