الجمعة، 7 أغسطس 2020

صفحات من القضية الثانية في رواية "جنون الانتقام" - جنون الانتقام

 نضع في هذا البوست صفحات من القضية الثانية في الرواية الخامسة من سلسلة هيرشار "جنون الانتقام" وعنوانها أيضا (جنون الانتقام) فهذه القضية استحقت أن تأخذ ذات عنوان الرواية لأنّ ما حصل فيها كان انتقاما جنونيا من شخص خسر أغلى ما يملك بالنسبة له.
تبدأ أحداث القضية حين يجد هيرشار رسالة موضوعة على زجاج سيارته وحين يقوم بقراءتها يكتشف أنّها رسالة مجنونة تخيّره بين إنقاذ أم وابنها من حريق في المقابل ستموت فتاة عشرينية أو عدم إنقاذهما لكي تحيا الفتاة. معتقدا أنّها مزحة أو ما شابه هيرشار يعود إلى المنزل ليبدأ عقله بشكل لا إرادي بدفعه نحو أحد الخيارين وعندها..يجد هيرشار نفسه قد وقع في الفخ الذي أعدّه القاتل له.
في مسار موازي داخل القضية يظهر لأول مرة "ليون دافيدسون." وهو الشخصية الأذكى في السلسلة باحثا عن شخص ما بدافع انتقامي..بشكل أو بآخر يكون ظهوره أيضا في الوقت المناسب..لكن ما هو هدفه بالضبط؟ ومن الذي\اللذين يسعى خلفهم؟

من القضية:

"ماذا؟!!."
صرخت ماريّا في الشارع..كان الغروب يعلن نهاية الشمس المؤقّتة.
"ه-هل حلمت أنّك قبّلت هيرشار في منزلك؟!"
كانت ماريّا وآيرين قد خرجتا للتسوّق وشراء الملابس..وقفتا خارج السوق تتحدّثان.
ارتدت ماريّا فستانا ورديّا قصيرا نسبيّا بينما ارتدت آيرين كنزة حمراء صيفيّة وبنطالا أبيضا.
"أ-أخفضي صوتك ماريّا.." قالت آيرين وقد اصطبغ وجهها بالأحمر ككنزتها.
"وبعد؟ هل نمتما معا؟."
كانت تعابير السخرية والفضول على وجهها..أجفلت آيرين.
"م-ما هذا الهراء؟!! لا تنسي أنّه حلم!."
صرخت بصوت عالي وقد أصبح وجهها كالدم أكثر من ذي قبل.
"ح-حسنا..لقد حصل في الواقع." قالت لنفسها ووجهها محمرّ.
"ماذا تفعلان هنا؟."
التفتتا ورأتا هيرشار يسير نحوهما مرتديا قميص أبيض وبنطال أسود ويضع حقيبة رياضيّة على كتفه.
"ه-هيرشار!." قالت آيرين
"لقد كنت ألعب الكرة مع أصدقائي هنا في الملعب المجاور..أنتما ماذا تفعلان هنا؟."
تلعثمتا، خافتا أن يكون قد سمع شيئا لكنّهما تأكّدتا أنّه لم يفعل.
"حسنا..سأوصلكما." قال هيرشار
"لا داعي..سيأتي سائقي بعد قليل." قالت ماريّا
"لا عجب في هذا فتاة عائلة ميكيللي المدلّلة." سخر لنفسه.
"فلنذهب..آيرين."
"آه."
"وداعا ماريّا." قالت آيرين
"وداعا..لا تزعجها أيّها الفضوليّ."
"أغلقي فمك أيّتها الغبيّة." قال لنفسه
مشى أمام آيرين..فتح باب سيّارته اللانسر ودخل وركبت هي بجانبه..لقد استعاد السيارة بعد إصلاحها مع أنّ آثار الحرق منذ قضية أوكنان متواجدة.
نزل الليل..أشعل أضواء السيّارة وشغّل المحرّك وانطلق.
"ماذا؟ أرى أنّك تحملين أكياسا؟ هل هنالك محلّ لم تشتري منه؟." قال ساخرا
احمرّ وجهها..صرخت.
"هذا ليس من شأنك حضرة المهووس بالتحرّيات."
"غبيّة! لست مهووسا."
"بل مهووس فأنت تركض  خلف القضايا دائما أيّها الفضولي."
"تبّا! أنت مزعجة حين تتحدّثين هكذا."
"م-مزعجة؟!." وانتفض جسدها غضبا
"آ-آه..أعني.."
"هيرشار.." وقرّبت فمها من أذنه.
"أنت أحمق! أحمق!! أحمق!!!."
أجفل وشعر بارتعاش.
"غ-غبيّة!."
وصل إلى منزل سام بعد ربع ساعة..خلالها، لم يتحدّثا معا..أوقف السيّارة بجانب الرصيف مقابل المنزل مباشرة.
سعل هيرشار وقال:
"ها قد وصلنا..تصبحين على خير." فنظرت إليه ورأت وجهه محمرّ.
"تصبح على خير." ونزلت من السيّارة وكان وجهها أيضا أحمرا.
حين أرادت صعود الدرجات المؤدّية للمنزل توقفت.
"الغبيّة تدعو الأحمق لشرب الشاي قبل أن يغادر."
كانت تدير ظهرها له فلم يرى وجهها المحمرّ..ابتسم.
أطفأ السيّارة وترجّل منها..صعد معها إلى المنزل وجلس في الصالة بينما دخلت المطبخ وأعدّت الشاي..حين انتهت جلسا يتسامران ويضحكان..غادر بعد ساعة المنزل وقد صفت الأجواء تماما..ودّعها ونزل الدرج إلى سيّارته.
كانت مكانها بالطبع..لا شيء مختلف..سوى ورقة على الزجاج الأمامي..لم تكن موجودة قبل أن يغادر.

**************

أزال هيرشار الورقة عن زجاج السيّارة الأمامي..أمسكها ودخل بها السيّارة، كانت مطويّة وقد ثبّتت بالمسّاحات..أعاد فردها، كان مطبوعا عليها..

اليوم، عند منتصف الليل بالضبط، سيحترق منزل في الشارع الستّين. إذا لم تعر هذه الرسالة اهتماما، سيموت من في المنزل، وهم أمّ وابنها، وإذا ذهبت هناك وأنقذتهم..
ستموت فتاة عشرينيّة.
الخيار لك..

ارتعش هيرشار وأجفل..بلع ريقه ثلاث مرّات..نظر إلى ساعته..كانت التاسعة والنصف..ساعتين ونصف فقط.

***************

"مزحة سخيفة؟ أم رسالة جدّية؟ لكن، من؟."
كان العرق يتصبّب على وجهه..نظر إلى ساعته فأشارت إلى العاشرة..ساعتان! خفق قلبه بقوّة..أراد أن يركّز، يهدأ..تذكّر أنّه أمام منزل سام..إذا فتحت آيرين الستارة لسبب ما..فهو..
انطلق بسيّارته مسرعا.
"مزحة سخيفة! أحدهم يريد أن يلعب بي..ماذا يعني بهذا؟ منزل سيحترق في الشارع الستّين؟ كم منزلا هناك أصلا؟ إنّه يعبث..شخص يحاول العبث معي."
نظر إلى التاريخ في هاتفه.
"ليس 1-4.." وتوتّر من جديد
في لحظة هدوء مؤقّتة تالية..عاد إلى المنزل.
فتح باب منزله ورمى نفسه على الفرش، أغمض عينيه بينما أشارت الساعة إلى الحادية عشر تماما.
لن يحصل شيء، مزحة سخيفة..وقف وتوجّه إلى المطبخ ليشرب ماء..في منتصف الطريق إليه توقّف.
"الشارع الستّون! شارع رئيسي لكنّه أقصر شارع في العاصمة لذلك.." ارتعش من الفكرة.
"عدد المنازل سيكون ضئيلا..كما.." 
"لقد قال منزلا ولم يقل شقّة أو ما شابه..وهذا أيضا يقلّل العدد كثيرا."
نظر إلى الساعة وكانت الحادية عشر والربع.
سالت نقطة عرق على وجهه.

الخيار لك

أغمض عينيه..هل هذا حقيقي؟!!!
هزّ رأسه، أمّ وطفلها، هزّ رأسه مجددا!
 ثم ركض، فتح باب الشقّة وخرج..ركب سيّارته وانطلق نحو الشارع الستّين وقلبه يسمع نبضه من كيلومترات.

**************

عندما دخل الشارع الستّين كانت الساعة تشير إلى الثانية عشرة إلّا عشر دقائق.
ركن سيّارته وأطفأها ثم نظر إلى يمينه ويساره.
كان على يمينه في الشارع الأقصر في العاصمة عمارتان سكنيّتان ومنزل وفي الجانب الأيسر عمارة سكنيّة ومنزل.
أيّهما؟! تسائل هيرشار.
كان ركبتاه ترتعشان..أراد تهدئة نفسه، نزل من السيّارة ووقف ينظر إلى المنزل على الجانب الأيمن ثمّ الأيسر وقلبه يخفق بقوّة.
11:55...11:56...11:57...11:58...11:59.
مرّت الدقائق
وقف يحرّك رأسه بين المنزلين..شعر بدوار.
00:00
حدّق إلى المنزل على اليسار..ثمّ اليمين..لم يحصل شيء.
تحرّك فمه ليبتسم ويرتاح فبرز شعاع ضوئي من خلفه..اتّسعت عيناه، استدار ببطء.
رأى ألسنة النار تلتهم في المنزل الذي كان على اليسار.
"م-مس-مستحيل!!!."
شعر بعدم القدرة على الوقوف..لهث وتصبّب عرقا..ثم حسم أمره.
ركض بسرعة نحو المنزل المشتعل..هبّت ألسنة النار فأعادته للخلف..شتم في سرّه.
تلفّت يمنة ويسرة باحثا..رأى عجوزا يحمل دلوا كبيرا ويشعر بالتعب ففكّر ثم ركض نحوه.
"هل أساعدك أيّها العمّ؟."
"هاه؟."
بدا أنّ سمع العجوز ضعيف..رأى العجوز النار فأجفل، أخذ هيرشار دون أن ينتظر الدلو..كان مليئا بالماء وثقيلا..رفعه وأفرغ ما فيه من ماء على نفسه.
ارتعش من برودة الماء ثم ركض بسرعة نحو الوحش المفترس..بدت ألسنة النار كوحش مفترس يصرخ.
خلع الباب بكتفه..كان مهترئا أصلا والنار أضعفته.
كان المنزل يحترق..غرفة الجلوس في الداخل أكلت النيران أثاثها..رأى سلالم تصعد إلى الأعلى.
غرف النوم هناك!
ركض وصعد السلالم..أربع درجات بأربع في القفزة..النيران تحاول التهامه لكنّه يمتلك مضادّا قويّا، أحسّ بجروح وحروق.
وصل إلى الأعلى.
كان هناك غرف عن يمينه..انقضّ على الغرفة المباشرة أمامه..كان محظوظا فقد رأى الأمّ والابن الصغير في الغرفة.
الأم الثلاثينيّة ترتجف مرعوبة وتحضن صغيرها ذو الخمس سنين بكلّ قوّة.
"لا تقلقي..سأساعدك."
كان فكّاها يتلامسان من الرعب.
نظر حوله..بدأت النيران تدخل الغرفة.
"اللعنة!! ألم يتّصل أحد بالإطفاء؟." سخط في نفسه
فكّر..سيفعل كلّ ما وسعه.
خرج من الغرفة فعادت النيران تحاول التهامه..ركض في الممرّ العلوي وهو يرفع يده اتّقاء..هل زال مفعول الماء؟ وصل إلى نهايته..عثر على حبل هناك ووجده سليما فحمله وحماه من النار ثم عاد إلى الغرفة..ربط الحبل بدعامة السرير وأفلت طرفه الآخر من النافذة..تأكّد أنّه متماسك.
"ابقي ممسكة بصغيرك."
ثمّ ركض نحوها..قام بحملها مع صغيرها وكانا خفيفين..وقف عند إطار النافذة، تمسّكت به المرأة جيّدا..استدار وأمسك بالحبل بيد وانزلق للأسفل والمرأة متشبّثة به..انزلق..ثم اهترأ الحبل.
"لا!!." صرخ وهو ينزلق لينقطع الحبل فجأة.
هوى هيرشار والمرأة وابنها..بعد لحظات كان على ظهره على الرصيف..المرأة وابنها فوقه فشعر بألم شديد جدّا.
لكنّ ألمه كلّه اختفى حين فتح عينيه ورأى المرأة تشكره وبشدّة والدموع في عينيها وابنها يبكي.
"لا شكر على واجب."
"أين زوجك؟." قال حين نهض
أخفضت رأسها بينما وصلت فرق الإطفاء وبدأوا في إطفاء المنزل.
"لقد مات..منذ أربعة شهور."
"فهمت."
حيّاها وتوجّه نحو سيّارته..خفق قلبه براحة.
جلس في مقعد سيّارته..تنهّد.

وإذا أنقذتهما...سأقتل فتاة عشرينيّة

شهق هيرشار وخفق قلبه بقوّة مجدّدا.
شغّل سيّارته وانطلق نحو المنزل شاردا..كان عقله الباطن من يقود السيّارة.

************

وصل هيرشار إلى المنزل شاردا لا يرى أمامه وقلقا وخائفا..دخل غرفة نومه وجلس على سريره..دار في عقله الكثير من الكلمات والأمور والأحداث..بعد دقائق غفا وهو جالس على سريره.
أشرقت الشمس فلفحت وجهه فاستيقظ على إثرها..شعر أنّه نائم منذ سنين وليس منذ ساعات فقط..أشارت الساعة إلى التاسعة صباحا..كان لديه محاضرة عند الثامنة..لم يحضرها، ولديه واحدة عند العاشرة..نهض من سريره ومشى نحو المطبخ..وضع إبريقا فيه ماء على النار ليحضّر نسكافيه..فتح الثلاجة وأخرج رغيفا وقطعتي جبنة ودهنهما على الرغيف ومشى نحو الصالة..ما زال في ملابس خروجه البارحة وقد نام بها..أشعل التلفاز ومشى مباشرة نحو المطبخ..غلت الماء فقد كان قد وضعها على نار عالية جدّا..حمل كوب النسكافيه بيد والرغيف في يد..جلس على الفرش واستمع للتلفاز..كان مذيع بشعر بنّي وعينان عسليّتان يرتدي بدلة زرقاء وربطة عنق زرقاء يتحدّث.
نأتي الآن لأخبارنا المحليّة العاديّة..أطفأت كوادر رجال الإطفاء حريقا نشب في منزل في الشارع الستّين أمس..تمّ إنقاذ من في المنزل وقد كانا امرأة وابنها..لم يحدّدوا بعد إن كان حريقا عاديّا أم حادثا مفتعلا.

كان هيرشار قد انطلق قبل أن يتكلّم معه المسؤول من رجال الإطفاء..قضم قضمة من رغيفه وشرب شربة، تنهّد في سرّه..كلّ شيء على ما يرام إذن.
أنهى كأسه ورغيفه ونهض مرتاحا ومشى نحو المطبخ..ثمّ توقف.
نأتي الآن إلى خبر وصلنا للتو.
أجفل هيرشار
عثر رجال الشرطة صباح اليوم على فتاة عشرينيّة مقتولة في منزلها في الشارع الخمسين..تفيد التحقيقات الأوليّة أنّها توفّيت ليلة الأمس في الساعات القليلة الماضية و..

ضاع صوت المذيع مع صوت انكسار الكوب الذي سقط من يد هيرشار الذي ترنّح..تبعثر الكوب أجزاء في كلّ مكان..سقط على ركبتيه، واتّسعت عيناه تماما..لم يستطع الوقوف.

الخيار لك

"ل-لقد جعلني..." ارتعش تماما.
"أحكم بالموت بنفسي..جعلني.."
وسقط كاملا على الأرض..ضرب رأسه في الأرضيّة فسال الدم من رأسه.
"شريكا له اعتباريّا!!."

هناك تعليقان (2):

  1. قضية صعبة على البطل..حاصره القاتل نفسيا بشكل قاسي...شعرت بالقلق على هيرشار ونفسيته مع تقدم الاحداث..
    لن اتحدث عن النهاية كي لا اتسبب بحرق الاحداث..:)
    قضية ممتعة واحداث مشوقة..

    ردحذف
  2. كان انتقاما مجنونا فعلا. شكرا على التعليق :)

    ردحذف