السبت، 25 ديسمبر 2021

إعادة نشر القضايا الجانبية - قضية الجريمة المعقدة

  كما وعدناكم في الأمس، نعيد اليوم نشر أحد القضايا الجانبية ل سلسلة هيرشار وفيها يجد هيرشار نفسه أمام قضية اختفاء فتاة تشبه آيرين بشكل لا يصدق ليتم لاحقا العثور عليها جثة! مصعوقا وغير مصدق برؤيته جثة بوجه آيرين، يسعى هيرشار للوصول إلى القاتل! قراءة ممتعة 😎


مـــقـــــدمـــــــة:

دخل ليسّا وهيرشار الفندق وسارا في المدخل نحو المصاعد..كانت أمامه بينما مشى خلفها واضعا يديه في جيبيه..كان هيرشار يرتدي كنزة سوداء صيفية على بنطال أسود في حين ارتدت ليسّا فستانا أحمر بلا أكمام قصير بعض الشيء وكانت تضع قبعة من القش على رأسها.

"قلت لك أنّني أبحث عن هذه الفتاة."

نظر هيرشار إلى يمينه ووجد شخصا بدا طويل القامة وبشعر بنّي يقف أمام موظف الاستقبال ويتكلم معه.

نظر بعدها هيرشار إلى يساره حين رأى ظلا انعكس، وبعد لحظات سمع صوت سقوط فنظر أمامه مجفلا..رأى الشاب الذي غادر من عند موظف الاستقبال قد سقط أرضا بعد أن ارتطم بليسّا.

"آ-آسف..آ-آسف!." تمتم الشاب وهو ينهض قبل أن يجفل ويحمرّ وجهه برؤية وجه ليسّا.

"ي-يا له من جمال.." تمتم فاحمرّ وجهها ثم ركض معتذرا فتابعه هيرشار بنظراته..كان الشاب بطول مئة وثمانين سنتمترا، أبيض البشرة، عيناه بنّيتا اللون وشعره بني..كان هناك نمش على وجهه وكان يرتدي كنزة زرقاء على بنطال جينز.

انتبه هيرشار لشيء على الأرض بدت كصورة مقلوبة على جهتها البيضاء.

انحنى ليلتقطها بينما نادى:

"أوي..لقد أسقطت شيئا!."

والتقط الصورة ثم أدار وجهه ونظر إلى الخلف لكنّ الشاب كان قد غادر.

"تبا!." تمتم وهو يقلب الصورة

نهضت ليسّا ونفضت الغبار عن فستانها وهي تشتم قائلة:

"لا أعلم لماذا ركض هكذا كالأحمق! الباب في الخلف."

"لقد أتى المصعد..فلنذهب."

ونظرت إلى هيرشار فوجدت وجهه قد انقلب كلّيا.

"ه-هيرشار..ما الأمر؟."

رأته يرتعش.

"م-مستحيل..م-مستحيل.." سمعته يتمتم قبل أن يستدير ويركض كالمجنون هو الآخر.

"ل-لحظة! هيرشار!."

وركضت خلفه.

كان من الطبيعي أن يركض هيرشار هكذا..وقد أدركت ليسّا هذا بعد دقائق فقط من ركضه.

لم تكن الصورة إلا صورة لفتاة عشرينية..شعرها عسلي وعيناها كذلك..

نعم..كانت صورة آيرين!

فلماذا يبحث شاب كهذا عن آيرين؟!.

كان قلب هيرشار يخفق بقوة..يجب أن يعثر على الشاب فورا!


الفصل الأول:

كيف بدأ الأمر أصلا؟ ولماذا ليسّا وهيرشار سويّة يدخلان فندقا؟

كان اليوم هو 12-2 وهو يسبق الفالنتاين بيومين. قبل هذا بيومين تشاجر هيرشار وآيرين بسبب حديث آيرين عن الذهاب في رحلة بمناسبة الفالنتاين وهو ما أيّده هيرشار ووافق عليه لكن ساعات قبل السفر والذي كان في 11-2 وصل طلب لهيرشار حول قضية من زبونة ما ووافق هيرشار عليه وحين تحدث مع آيرين غضبت لكنّه قال لها أنّ الفالنتاين مازال يبعد ثلاثة أيام وسيستطيعون القيام بالأمر. هي غضبت تماما وأقفلت الخط ليجد هيرشار في صباح اليوم التالي رسالة منها أنّها سافرت برفقة ماريا!

كان مصدوما تماما ولم تجب على مكالماته. أنهى القضية مباشرة وحين قرر اللحاق بها تذكّر أنّهم اتفقوا على اللقاء عند منزل ماريا والانطلاق من هناك وهو لم يكن يستمع جيدا للحديث عن المكان والعنوان فجلس في المنزل متنهدا لأنّ ماريا وآيرين لا يجيبا!

عندها فقط..سمع صوت الجرس فقز مسرعا لكن من كان عند الباب هو ليسّا بفستانها الأحمر.

"ل-ليسّا؟." قال لكنّه أجفل بجمالها.

"م-مرحبا هيرشار.." وأشاحت بوجهها "آسفة على الإزعاج."

"ل-لا يوجد إزعاج." قال وأفسح المجال لها.

"في الواقع.." وترددت. كانا قد جلسا متقابلين.

"صديقتي.." وسكتت "حبيبها مختف منذ أيام وتريد معرفة أين هو وهل هو بخير..طلبت منّي المساعدة فالشرطة لم تهتم كثيرا..أ-أت.." وسكتت مترددة.

"أتستطيع المساعدة؟." فابتسم متنهدا داخليا.

"لا بأس بهذا." بينما قال لنفسه:

"بما أنّ آيرين وماريا لا تجيبان حتى مع الرسالة فلا خيار آخر."

لينتهي الأمر به وليسّا يذهبان إلى الفندق حيث كانت صديقتها تنزل فهي ليست من العاصمة. وهناك حصل الأمر ووجد هيرشار الرجل ثم صورة آيرين!


***********************


لهث هيرشار بعد أن وقف قليلا على الرصيف محاطا بمجموعة من المباني..وقفت ليسّا خلفه.

"اللعنة! أين ذهب؟!." هتف لاهثا وحانقا

الطقس كان مشمسا ولم تكن الحرارة مرتفعة..لكن هيرشار شعر كما لو كان داخل ساونا أو بركان..لم يكن الأمر مرتبطا بالتعرق بسبب الركض..لا!

المسألة متعلقة بحقيقة الصورة التي رآها ويحملها..آيرين! لماذا يبحث الرجل عن آيرين؟!!

وقفت ليسّا في المقابل خلفه تفكّر بعدما أدركت الأمر..كانت تفكر بحزن..لا مجال لها أبدا مع أنّها كانت تدرك هذا منذ أن ردّ على اعترافها له.

"فلنعد." قال هيرشار وقد استقام.

أصدرت صوتا منخفضا جدا يدلّ على الموافقة..عاد الاثنان أدراجهما إلى الفندق وبقي هيرشار ممسكا بالصورة بقوة وارتعاشة في جسده، لكن حين أصبحا في بهو الفندق قرّر فعلها.

توجّه نحو موظف الاستقبال والذي كان شابا ثلاثينيا كما يبدو، أبيض البشرة بعينين زرقاوتين جميلتين وشعر بني لامع.

كان طوله مميّزا فقد بلغ حوالي مئة وثمانية وثمانين سنتمترا..ارتدى قميصا أبيض على بنطال أسود.

حين اقترب منه هيرشار بادره الموظف قائلا:

"هل من مشكلة سيدي؟ أنت نزيل هنا صحيح؟."

"ن-نوعا ما." ووقف أمامه بينما لم يلاحظ أنّ ليسّا لم تكن بالقرب منه..وقفت في الخلف قليلا.

"أخبرني..ذلك الفتى الذي كان يسألك عن هذه الصورة، هل تعرف شيئا عنه؟." وأراه الصورة

"ممم..لا، ليس نزيلا هنا ولم أره من قبل..كان قد دخل الفندق فاعتقدت أنّه يريد حجز غرفة لكنه بادر بالحديث عن فتاة وأراني هذه الصورة التي بين يديك."

"وبعد؟ ماذا كان يريد منها؟."

"قال أنّها مختفية."

"مختفية؟!." وأكمل لنفسه "آيرين مع ماريا في مكان ما! اللعنة! يجب أن تجيب على الهاتف!." كان قد اتصل بها ولم تجب. لم يرد إرسال رسالة الآن حتى يعلم لماذا يقوم الشاب بالبحث عنها أولا.

"في الواقع لقد أخبرني أنّه لم يكن بالقرب من المكان كثيرا لكن قال أنّ الفتاة كانت هنا بالقرب من المنطقة قبل عدّة أيام لا أكثر."

أجفل هيرشار وهنا تقدمت ليسّا وأصبحت بجواره.

"ك-كانت هنا؟." وقال لنفسه:

"أيعقل أن يكونا قد أتيا هنا؟."

"ل-لقد قال هذا بنفسه، فأخبرته أنّني لم أرها في الفندق ولم يصادف أن رأيتها في الخارج..سألني إن كنت قادرا على المساعدة في السؤال عنها فأخبرته أنّني قد لا أستطيع هذا لكن سأحاول."

"لكنّه لم يعطك صورة لها..أم فعل؟."

"آه، في الواقع لقد فعل..لقد أعطاني صورة لها وقد وضعتها في الدرج."

كان قلب هيرشار يخفق بقوة. لماذا يبحث الرجل عن آيرين؟!

"هل قال الشاب شيئا عن علاقته بالفتاة؟." كانت ليسّا من سأل.

"لا، لم يحدّد..لكن من خوفه ونبرة صوته اعتقدت أنّه حبيبها أو شقيقها، وبالحكم على وجودكما الآن وقلقكما، أصبحت مجزما أنّه حبيبها."

"ليس حبيبها أيّها الأحمق!!." هتف هيرشار مما أجفل الرجل بينما قامت ليسّا بتهدئة هيرشار.

"المعذرة، إنّه قلق قليلا." بينما تمتم هيرشار مرتعشا:

"اللعنة! أين اختفى ذلك الفتى؟."

"هل ركضت خلفه منذ قليل؟ لم يكن هناك داع لهذا."

أجفل هيرشار ثم استوعب..لقد طلب من الموظف مساعدته وهو ليس من نزلاء الفندق، في هذه الحالة فقد ترك عنوانه أو رقم هاتفه على الأقل.

"ها هو رقم هاتفه..تستطيع الاتصال به إن كنت تريد رؤيته."

حدّق هيرشار بالرقم كمن يحدّق بقنبلة..ضرب الأرقام وانتظر.

"آلو.." أجاب صوت متردد

"م-مرحبا، أنا الشاب الذي كنت برفقة الفتاة ذات الشعر الأحمر التي اصطدمت بها منذ قليل من الوقت في بهو فندق."

مضت لحظات من الصمت أتبعها ما فاجأ هيرشار وليسّا..كان قد وضع المكالمة على وضع مكبر الصوت.

"آ-آه..آسف يا صاح! آسف جدا، لم أكن أقصد ذلك ولم أكن منتبها! أنا آسف للغاية! كما أنا آسف إن كان قد أزعجك تغزّلي بها..آسف جدا لكنّها جميلة للغاية ولم أستطع مقاومة الكلام..آ-آه، يا لي من أحمق..ما هذا الهراء الذي أتفوّه به؟! آسف يا صاح! حقا آسف!."

نظر هيرشار إلى ليسّا التي احمرّت وجنتاها لا إراديّا..ابتسم ثم قال:

"أريد الحديث معك في أمر آخر..أين أستطيع لقائك؟."

"صدّقني أنا آسف يا صاح! لا أريد المشاكل!." شعر هيرشار بالغضب.

"لقد أسقطت صورة وأريد إرجاعها لك! كما لقد قلت لك أنّني أريد الحديث في أمر آخر!."

"آ-آه، حقا؟ بالفعل!." بدا أنّه انتبه الآن فقط لإسقاطه الصورة.

"أشكرك يا صاح، ولا تزعج نفسك..أنا سآتيك، أين أنت؟."

"في الفندق الذي كنت فيه تسأل عنها."

"آ-آه..أنا قادم، لكن.."

"عدني ألّا تحاول التعرّض لي من أجل فتاتك."

"لن أفعل أيها الأحمق!." وأقفل الخط بينما قال لنفسه:

"ربما سأتعرض لك بسبب الصورة." بينما قالت ليسّا لنفسها.

"فتاته..هاه." وتنهدت بحزن.


الفصل الثاني:

كانت قد مرّت ساعة حتى وصل الفتى الذي حمل معه صورة آيرين..حين وصل كان هيرشار وليسّا ينتظرانه في بهو الفندق حيث هناك مجموعة من الكنب وضعت لمن يريد الانتظار في الأسفل.

حيّا الفتى هيرشار بينما حاول تجنّب النظر إلى ليسّا فيما عدا اعتذار سريع قاله حين دخل.

جلس مقابلهما..بدأ قائلا:

"ل-لن تتعرض لي في بهو الفندق..صح-.."

وقبل أن يكمل كان هيرشار قد قاطعه بوضع الصورة بينهما وقائلا:

"لقد أسقطت هذه الصورة حين اصطدمت بليسّا."

"آ-آه. إيه؟ ليسّا؟." ونظر نحوها.

"لماذا تحمل هذه الصورة معك؟ ولماذا تبحث عن هذه الفتاة؟." وارتعش هيرشار.

رفرف الشاب بحاجبيه ثم قال:

"لحظة أيها الشاب..ربما اعتذرت منك لاصطدامي بفتاتك لكن لا أعتقد أنّ من حقك السؤال بهذه الطريقة لم أبحث عن الفتاة، من الطبيعي أن أبحث عن حبيبتي المختفية!."

كانت الثواني التالية سريعة مما فاجأ ليسّا والشاب وموظف الاستقبال وبعض النزلاء..نهض هيرشار وأمسكه من كنزته وشدّه نحوه صارخا:

"لا يمكنها أن تكون حبيبتك أيّها الأخرق! هي.." واحمرّ وجهه "حبيبتي أنا!."

"م-ماذا؟." قال الشاب متوترا بينما نهضت ليسّا وأبعدت هيرشار عنه..جلس من جديد وكان الصمت رهيبا.

"ببساطة..أنت تبحث عن فتاة نسخة طبق الأصل عن حبيبته." قالت ليسّا بهدوء شابكة ذراعيها عند صدرها بينما أجفل هيرشار.

"ه-هذا يوضّح الأمر..في هذه الحالة سأخبركم بالحقيقة."

"حسنا..أخبرني، ما القصة بالضبط؟." قالت ليسّا ونسي الاثنان صديقتها وقضيتها.

أومأ وبدأ بينما بدا هيرشار مصعوقا. لماذا لم يخطر على باله أنّها فتاة أخرى؟


الفصل الثالث:

"في الواقع..هذا صحيح، فتاتي تشبه حبيبة الشاب حقا..لكن ليس بخلقة ربانية."

"هل تعني..عملية تجميلية؟." كانت ليسّا من أدار الحوار وهيرشار يستمع.

"نعم."

"ولماذا فعلت هذا؟."

"حسنا..هي كانت جميلة على أي حال، لكنها تمتلك ذلك الجانب الموجود في كلّ النساء وهو التفكير الطفولي."

"م-ماذا يفترض بهذا أن يعني؟." قالت ليسّا بعبوس جميل.

"في الواقع..فتاتي مغنّية هاوية، قامت بعمل بعض الأغاني وأصبح لها عدد قليل من المتابعين..لكنّها شعرت أنّها لم تنجح فحتى أولئك الأشخاص كانوا ينتقدونها أكثر من مدحها، لذلك فقدت ثقتها بنفسها..وعندها قرّرت فعل شيء، وفجأة خطر في بالها أن تغيّر من هيئتها لتشبه شخصية مشهورة."

"ل-لكن.."

"نعم، أعرف..فالفتاة لم تكن مشهورة بقدر ما كان حبيبها كذلك..لقد عرفت الشاب منذ البداية في الواقع لكنني لم أرد الحديث، أخبرتني أنّه سيكون من الروعة بما كان أن تكون شبيهة لحبيبة المتحري المشهور."

"وبعد؟ ما الذي حصل لاحقا؟."

"حسنا..أجرت العملية وشعرت بارتياح..لكنها لم تتحسن من الجانب الغنائي والفني، فشعرت باكتئاب شديد وبدأت تعاني نفسيا..عندها أخبرتها أنّ الأمر لا يحتاج كل هذا وأنّ النجاح قد يأتي في أي لحظة وليس مرتبطا بالوجه أو أن تكون شبيها لشخصية ما، عندها غضبت مني تماما وبدأت تقول أنّني لم أحب شكلها السابق ولا الحالي." وهزّ كتفيه

"بالمناسبة..هل تمتلك صورة لها قبل العملية؟."

"بالطبع." ووضع يده في جيبه الخلفي وأخرج محفظته ومنها أخرج صورة صغيرة وقدمها لليسّا التي تأملت الفتاة، كانت فتاة بيضاء البشرة، شعرها أسود طويل وعيناها سوداوتان.

"إنّها جميلة." علّقت وشاهد الصورة هيرشار أيضا.

"أرأيت؟ وحمقاء أيضا." فنظرت ليسّا إليه شزرا.

"ما اسمها؟ وما اسمك على أي حال؟."

"اسمي ليو..بينما اسمها أنستازيا."

"هيه..اسمها جميل أيضا."

"واسمي أيضا صحيح؟." قال بابتسامة غبية فحدّقت به شزرا.

"أكمل سرد التفاصيل."

"آ-آه..حسنا.." وتأمل السقف قليلا ثم أكمل:

"بعد كلامها هذا دخلنا في نقاش طويل انتهى بطريقة سيّئة في الواقع.." حدّق بالأرضية أسفله.

"فقد شتمتني أنستازيا بشتائم فظيعة وغريبة أسمعها أول مرة وذلك بسبب اعتقادها أنّني لا أهتم لأمرها ولا أساعدها، غضبت من هذا وغادرت المكان..و.." تنهد

"حسنا..هنا الحكاية بدأت وانتهت."

"م-ماذا؟ أتعني أنّك لم ترها بعدها؟." فأومأ

"متى حصل هذا؟."

"منذ أكثر من شهر تقريبا."

"متى اكتشفت اختفائها؟."

"حسنا..بعد أسبوع من تلك الحادثة، شعرت بأنّني هدأت وفي نفس الوقت استغربت أنّها لم تراسلني أبدا!."

"أسبوع استغرقته لتهدأ من كلام من تحبّها؟!."

"أ-أنت لم تسمعي الشتائم فلا تحكمي!." وأشاح بوجهه.

"حسنا، أكمل."

"قمت بمراسلتها لتلطيف الأجواء لكنّها لم تعر الرسالة اهتماما، ثم قمت بالاتصال بها وأيضا لم تجب المكالمة."

"فغضبت! قلت أنّها المخطئة وتتصرف هكذا أيضا؟! لذلك توقفت عن مراسلتها والاتصال بها حتى الأسبوع الثاني."

"أنت أحمق فعلا." تمتم هيرشار فلم يسمعه لكن ليسّا سمعتها.

"وحينها أدركت أنّ شيئا ما خاطئ تماما..هل هجرتني؟ هل تركتني؟ لم لا تجيب؟ اتصلت مرارا وتكرارا وراسلتها مرارا بلا فائدة..وعندها ذهبت إلى منزلها، وجدت الضوء مضاء فطرقت الباب لكن لم يفتح أحد..عندها قمت بالطرق على الباب بقوة فلم يفتح أحد بل فتح الجيران غاضبين لا أكثر!." وارتعش

"وبينما كان الغضب يعميني..أجفلت برؤية بريدها."

انتبهت ليسّا وهيرشار.

"كانت أنستازيا تتابع مجلة تصدر أسبوعيا لفرقة غنائية تحبها جدا، وكانت حتى في حالات الاكتئاب والحزن والجلوس وحيدة تقوم بمتابعتها، لكن.."

وارتعش تماما.

"تواجد في صندوقها عددان من المجلة..بمعنى.."

"لم تكن في المنزل لأسبوعين." أكملت ليسّا فارتعش أكثر..غربت الشمس في الخارج.

"وبناء على هذا الاستنتاج قمت بكسر النافذة..لم أجد أثرا غريبا داخل المنزل، كان المنزل عاديا ومرتبا لكن مضاء ومغبرّا..حينها أدركت أنّها تعرضت لشيء..أو هربت من المنزل."

"مممم." قالت ليسّا

"قضية فتاتك مثيرة للاهتمام حقا..ومن هو أهل لمتابعتها هو.." ونظرت نحو هيرشار الذي أجفل واحمرّ وجهه. ابتسم لها.


**********************


"ما رأيك بما سمعته؟." قالت ليسّا بينما انعكس آخر لحظات الغروب على وجهها الأبيض الجميل.

كانا قد جلسا في مطعم الفندق بعد أن غادر الشاب وقد نسيا كليا صديقتها. أنهيا طعامهما وطلب هيرشار فنجان قهوة بينما طلبت ليسّا عصير الليمون.

"حسنا..يبدو الأمر غريبا، لكن هناك العديد من الاحتمالات التي يمكن التفكير فيها." فأومأت ليسّا

"لا يمكن التفكير في هربها واختفائها من تلقاء نفسها، فلا معنى من إبقاء ضوء منزلها مضاء."

شربت ليسّا من عصيرها منتظرة التكملة.

"لا يمكن التفكير في خروجها من المنزل لتنتحر في الخارج، فالفتاة لم تطفىء الضوء في منزلها كما كان بإمكانها الانتحار في منزلها."

"وعليه..يبقى هناك احتمالات أخرى.."

شرب من قهوته بينما أظلم المكان وحلّ الليل.

"إما أنها تعرضت لاختطاف لسبب ما..أو أنّها خرجت لأمر ما وتورطت في شيء معيّن كان سبب اختفائها."

"وبغض النظر عن أي الاحتمالات صحيح أو ربما هناك احتمال آخر فلا يمكننا الجزم.." وسكت مجفلا فاستغربت ليسّا.

"ماذا علينا أن نفعل إذن؟."

"إ-إيه؟." أيقظته من شرود بسيط شرد فيه

"ما بك؟ هل حصل شيء؟."

"ل-لا." وابتسم لها ثم قال:

"ما علينا فعله هو..التواصل مع الشاب للحصول على معلومات أخرى، السؤال عن أقاربها وعائلتها والحديث مع أفراد فرقتها الغنائية ومن يعمل معها، والتواصل مع رجال الشرطة حتى نعلم إن كانت حوادث معيّنة قد حصلت بالقرب من منزل الضحية..كما.."

"يجب أن نزور منزلها لعلّ هناك أدلة مخفية تقود إلى شيء."

ابتسمت ليسّا..ها هو الذكي المتحمس هيرشار يظهر.

بينما كان سبب حماسة هيرشار هو..

"آمل..أن لا نكون قد فقدنا الأمل." حدّث نفسه وتأمّل السماء في الخارج على يمينه.

"وأن لا تكون قد ماتت..بأي شكل من الأشكال."

"ف-فأنا.."

"أنا.." وارتعش تماما.

"لا أستطيع أن أقول أنّني قادر أو سأتمالك نفسي.."

"لرؤية وجه آيرين..ميّتا!."

ارتعش أكثر بينما كانت ليسّا تتأمّله مليّا.


الفصل الرابع:

جلست آيرين وماريا على الشرفة في الفندق الذي حجزته ماريا ونزلا فيه. ارتدت آيرين كنزة سوداء اللون على بنطال أبيض بينما ارتدت ماريا فستانا أخضر اللون.

"هل ستواصلين تجاهل هيرشار؟." كانت الشرفة تطل على البحر.

"نعم. ذلك المهووس يحتاج أن يلقّن درسا."

"ممم. هو يحتاج هذا فعلا." وضحكت.

"لا يهتم بشيء سوى القضايا!." وعبست آيرين.

"هل كنت قد حضّرت له شيء بمناسبة الفالنتاين؟." سألتها بخبث.

"بالطبع لا! هو من يجب أن يحضّر شيئا."

"آه. لكن في العادة تكون الفتاة من تقوم بهذا بإعطاء شوكولا في عيد الحبّ." فاحمرّ وجه آيرين.

"هذا في الدول الأخرى." وأشاحت بوجهها المحمرّ فضحكت ماريا.


************************


عاد هيرشار إلى منزله وألقى نفسه على السرير. اتفق مع ليسّا على اللقاء غدا صباحا ومواصلة التحقيق. نظر نحو هاتفه ولم يجد اي ردّ من آيرين على رسائله فتنهد بينما فكّر في غرابة أن تكون هناك فتاة بوجه آيرين تماما.

عليه أن يعثر عليها. لا يريد رؤية وجه آيرين على جثة حتى لو كان يعلم..أنّها ليست آيرين بلا شك.


**********************


نهضت ليسّا صباحا باكرا وكان الطقس مشمسا جميلا.

جلست على سريرها بعد أن أخذت حماما وارتدت كنزة وردية منزلية على بنطال رياضي أسود اللون.

نظرت إلى نفسها في المرآة.

لماذا هذا القلب لا يتوقف عن الخفقان بوجود هيرشار؟

تذكرت فجأة أنّها انغمست معه في قضية الفتاة التي تشبه حبيبته بينما نسيا قضية صديقتها. هل تفتح الأمر مجددا؟ لا! لن يستمع هيرشار وهو يرى فتاته مختفية أو من يشبهها بشكل متطابق.

تنهدت..سمعت صوت الجرس فنهضت ومشت نحو الباب، هل هو هيرشار؟.

نهضت ليسّا وتوجهت نحو الباب..فتحت الباب وقلبها يخفق تماما.

وجدت هيرشار يقف مرتديا قميصا أزرق على بنطال كتان أسود.

"صباح الخير." قال بابتسامة.

"صباح الخير." ردّت بابتسامة ساحرة.

"هل سنذهب الآن؟." فأومأ

"حسنا، ادخل..سأغيّر ملابسي سريعا."

"لا بأس. سأنتظر في الخارج." قال مبتسما فبدا أنّها انزعجت نوعا ما. لاحظ هيرشار هذا. لم يكن يرغب في الدخول فعليا فهو يرى الأمور لا تسير بشكل عادل لليسّا ومشاعرها..لكن..قرّر الدخول بعد رؤية انزعاجها فقال:

"إلا إذا كنت ستقدمين كأس شاي ساخن." وابتسم فأجفلت ثم ابتسمت ابتسامتها الساحرة.

"لك هذا."

كانت أصلا تقوم بتسخين ماء لتشرب شيئا وكان قد غلى. صبّت لهيرشار ودخلت لترتدي ملابس أخرى لتخرج بعد خمس دقائق مرتديا كنزة وردية على بنطال أسود.

وبعد ربع ساعة غادرا المنزل وتوجها نحو منزل ليو.


الفصل الخامس:

فتح ليو الباب ووجد هيرشار وليسّا يقفان أمام باب منزله.

كان يرتدي كنزة منزلية زرقاء اللون على بنطال أسود اللون.

"أهلا..تفضلا."

ودخلا المنزل الذي كان متواضعا جدا..بدا من الداخل بخشبه وأثاثه أشبه بكوخ موضوع في غابة.

جلسا متجاورين في الصالة..جلس هو مقابلهما.

"حسنا..لن نضيع الوقت، سنستعرض بعض التفاصيل وأريد بعض الإجابات، بداية..لقد قلت أنّك خلعت باب المنزل..لماذا؟ ألا تمتلك مفتاحا؟."

"إ-إيه؟." واحمرّ وجهه "لم تتطور الأمور بيننا إلى هذا الحد." وحكّ مؤخرة رأسه.

"حسنا..باب المنزل كان مقفلا صحيح؟."

"آه."

"كيف بدا المنزل؟."

"كما أخبرتكم..كان مرتّبا ولا يدلّ على شيء."

"حسنا..هل أخبرت الشرطة؟."

"نعم."

"ماذا قالوا؟."

"قالوا أنّهم سيحققون في الأمر..لكن لم تكن الجدّية في كلامهم واضحة."

"كما توقعت." قال هيرشار لنفسه

"حسنا، نريد منك بعض الأمور."

"ممم؟."

"نريد التحدث مع أفراد عائلتها إن تواجد منهم أحد، والحديث مع الفرقة الغنائية التي تعمل معها..بالإضافة إلى فحص منزلها للتحقق من بعض الأمور."

"لك هذا..وسأكون معكما..فأنا.." وأشاح بوجهه

"أريد العثور عليها بسرعة."

أومأ هيرشار.

"بالمناسبة..هلّا حاولت الاتصال بها مجددا؟."

"إ-إيه؟ آ-آه." وفعل

"لا إجابة." قال ليو

"هاتفها..يعمل." قال هيرشار لنفسه

"هل هو أمل أنّها بخير؟ أم أنّ هاتفها مع شخص آخر؟."

"هل نبدأ من الآن؟." قال ليو

"آه." ونظر هيرشار إلى ساعته فكانت العاشرة صباحا

"حسنا..سنبدأ بالفرقة الغنائية فلا أقارب لأنستازيا، كما.." ونهض ليو من مكانه.

"والداها متوفيّان..ولا إخوة لها."

"فهمت." ونهض هيرشار أيضا..توجّه ليو نحو الباب وتبعه هيرشار وليسّا.

خرج الثلاثة من المنزل وركبوا سيارة ليو والتي كانت هوندا سيفيك بنيّة اللون.

تحدّث هيرشار وليو في الطريق بينما كانت ليسّا شاردة قليلا.


*************************


كان مقرّ الفرقة الغنائية في الطابق الأرضي من مبنى مكون من أربع طوابق في الشارع الستين.

دخل الثلاثة الطابق الأرضي وأجفل هيرشار برؤية عدد لا بأس به من الناس.

لكن مباشرة أدرك من هم الفرقة من أشكالهم الغريبة.

رأى شابا نحيلا وطويلا، أبيض البشرة وشعره مرفوع لأعلى كعرف الديك..شعره كان بني اللون، ارتدى الشاب كنزة حمراء بلا أكمام على بنطال جينز..اسمه هو ريك.

كانت بالقرب منه فتاة بشعر مصبوغ بلون برتقالي اللون، كانت قصيرة ونحيلة حتى صدرها كان شبه ممسوح..ارتدت قميصا برتقاليا أيضا على تنورة بيضاء..تدعى روز.

بينما كان هناك فتاة صبغت شعرها بلون أخضر جالسة على كرسي وظهرها لهم..شعرها قصير مما أظهر رقبتها البيضاء، كانت ترتدي كنزة بيضاء بلا أكمام على تنورة من الجينز قصيرة..اسمها ساندي.

وقف بالقرب منها فتى شكله أفضل من ريك..كان شعره أسود لكن طويل، وبدا أكثر نحولة من ريك، ارتدى كنزة زرقاء صيفية على بنطال كتان أسود اللون..اسمه هو مايك.

"آه..ألست أنت؟." بادر ريك بالتقدم نحو ليو

"آ-آه..ص-صديق أنستازيا."

"هل عادت أنستازيا؟."

"ل-ليس بعد.."

"ممم..ومن هذين؟ آآه.." صرخ حين رأى ليسّا

 أجفلت ليسّا وهيرشار..توجّه ريك نحوها وأمسك يدها قائلا:

"يا له من جمال! كما لون شعرك سيكمل ألوان الشعر هنا مما سيجعلها إشارة مرور." وضحك 

"أعتقد أنّك يجب أن تكون قلقا على زميلتكم..كما.."

وأمسك هيرشار يده وأبعدها عن ليسّا.

"لا تلمس الفتيات بشكل مباشر من دون مقدمات."

"آ-آه..آسف يا صاح! لم أعلم أنّها فتاتك."

 احمرّ وجه ليسّا مجفلة.

 "ل-ليست فتاتي لكن على أي حال.." وتنحنح.

"آ-آسف يا صاح..حسنا.." 

"بالنسبة لأنستازيا والقلق..لا أعتقد أنّ هذا مهم."

"ماذا؟." قال هيرشار

"لقد فعلتها من قبل..كانت تختفي لبعض الوقت حين تكون منزعجة أو حزينة، ليس أمرا جديدا..صحيح؟." ونظر إلى روز وساندي ومايك تباعا فأومأوا.

"أ-أوي..هل هذا صحيح؟." ونظر هيرشار شزرا إلى ليو.

"آ-آه..لقد حصل هذا، لكن.."

"كان لثلاثة أيام على الأكثر..هذه المرة أصبحت المدة ثلاثة أسابيع!."

"م-معك حق." قالت روز

"إنّها فتاة غريبة الأطوار." قالت ساندي التي مشت نحوهم..عيناها كانتا خضراوتان أيضا.

"من أنتم بالضبط؟ وما دوركم بالفرقة وعلاقتكم بها؟." سأل هيرشار بينما اختفى عدد من الناس كانوا يرتدون ملابس متشابهة.

"حسنا، أنا ريك..المسؤول عن عزف الجيتار."

"وأنا ساندي..المسؤولة عن البيانو."

"وأنا مايك..المسؤول عن قيادة الفرقة."

"وأنا روز..المسؤولة عن العزف بالفلوت."

"ممم..وماذا كان دور أنستازيا في الفرقة؟ الغناء؟."

"نعم..وكانت هي أيضا مؤلفة كلمات الأغنية." قال ريك.

"هيه..هذا رائع." علّقت ليسّا

"حسنا..ومن هؤلاء ذوو اللباس المتشابه واللذين غادروا المكان؟."

"آه..المسؤلون عن صيانة المكان، كانوا يقومون بالتأكد من بعض التوصيلات الكهربائية هنا."

"حسنا..لقد تحدّثت إلى ليو متسائلا هل عادت الفتاة، لكن لو عادت ألن تأتي إلى هنا؟." فأجفل ريك.

"آ-آه..أنت تدقّق على الكلمة، لم أعني شيئا..لقد كانا على خلاف لذلك افترضت أنّها ربما عادت لكن للتصالح معه والراحة ثم ستعود إلينا."

"ممم."

"لقد تحدّثت عن اختفاءات سابقة لها..هل كانت تخبركم أنّها ستبتعد؟ أم كانت تفعلها من دون أن تخبركم؟." كانت ليسّا من سأل..الجميع كان يقف في منتصف الغرفة وكانت أشبه بمشاجرة، فهيرشار وليسّا وليو وقفوا في جهة بينما وقف الأربعة في الجهة مقابلهم.

"لا، كانت تبتعد من تلقاء نفسها." قالت ساندي بحدّة

"وبعد؟ بعيدا عن موضوع الخلاف مع حبيبها هذا، كانت الفتاة تعاني نفسيا من عدم النجاح في الأغاني وعدم الشهرة الكافية..هل هو سبب آخر لابتعادها واختفائها؟ ما الذي تعتقدونه حول هذا؟." قال هيرشار

"حسنا..في الواقع، لم تكن في الفترة الأخيرة مكتئبة إلى حدّ الاختفاء، بل.." قالت روز

"لقد كتبت كلمات أغنية جديدة، هذا يعني مزاجا عاليا." قال ريك وهزّ كتفيه.

"كتبت كلمات أغنية جديدة؟ متى؟." سأل هيرشار

"منذ حوالي ثلاثة أسابيع..هي الأغنية القادمة لنا."

"هل علمت بهذا؟." قال هيرشار وهو ينظر إلى ليو

"ل-لا، لم أعلم."

"كيف أرسلتها لكم؟."

"بالبريد..وصلتنا فجأة فاعتقدنا أنّها ستأتي لكنّها لم تفعل." ففكّر هيرشار ثم قال

"هل نستطيع إلقاء نظرة على كلمات الأغنية؟."

"هاه؟!." قال ريك "أتعلم أنّني الآن لاحظت الأمر؟ من أنتما؟ ولماذا تسألان؟."

"يبدو بأنّك عبقري جدا." علّق هيرشار ساخرا

"نحن نحقق في أمر اختفائها." قالت ليسّا

"أوه..أنت محققة؟ يا للروعة!." هتف ريك فتنحنح هيرشار.

"نريد الإطلاع على الأغنية."

"فيم سيفيدك هذا؟." قالت ساندي

"لا أعلم..لكن إنّها آخر ما تركته الفتاة تقريبا."

"حسنا..لكن.." قال مايك

"لا يمكننا أن نعطيك كلمات أغنية..قد تقوم بتسريبها إلى الإعلام وعندها لن يكون الحفل القادم مفاجأة." قالت روز.

"لا داعي للقلق..أنا لا أهتم بالموسيقى والأغاني كثيرا، لن أقوم بإخبار أحد." قال هيرشار فتأملوا بعضهم البعض مليا.

"من أنت بالضبط؟." قال ريك

"هيرشار..متحرّ."

أجفل الجميع كلّيا.

"ذ-ذلك الفتى المتحري هو أنت؟!." هتفت روز

"آ-آه."

"هذا رائع! لو قلت هذا من البداية." أكملت

"فلنعطه إذن..لا داعي للقلق." قالت روز وهي تنظر إلى الثلاثة الآخرين.

"آ-آه..لا بأس بهذا." قال ريك

ودخلت روز..لتحضر كلمات الأغنية.


الفصل السادس:

كانت آيرين وماريا تستعدان للانطلاق نحو الوجهة وتنتظران سائق ماريا الخاص. ارتدت ماريا فستانا بنفسجيا بينما ارتدت آيرين كنزة حمراء على بنطال أبيض.

"هيّا بنا! لنستمتع بعيدا عن مهووس التحريات." هتفت ماريا حين وصل السائق فضحكت آيرين.


**********************


"هذه هي." مدّت روز ورقة أمام هيرشار الذي نظر إليها ووجد خطا يدويا جميلا..اقتربت ليسّا أيضا وقرآها بأعينهما.

ليلة الميلاد

في ليلة الميلاد..كان هناك ميعاد

في أجمل وقت اليوم..في أعلى بقع البلاد

لكن ذاك الميعاد..لم يكتب له ميلاد

وشهد المكان واليوم..موقفا لن يعاد

وطغى الحزن في الأرجاء..لتتكلم بعدها السماء

أطلقت ألعاب نارية..مرّتين في الأرجاء

ووقف العشاق على استحياء..ليعلنوا عن أنباء.

كان الرقم عجيب..وردّ الفعل غريب

اختفى القمر خلف غيمة..وترك خلفه ألف خيبة

في ليلة الميلاد..كان هناك ميعاد

تبادل هيرشار وليسّا النظرات

"أي نوع من الأغاني هي هذه؟." حدّث نفسه "بل من العيب تسميتها أغنية! وتكتئب لأنّها ليست مشهورة! تبا!."

بينما وجدت ليسّا نفسها تجامل الفرقة.

"لكن في المقابل.." ونظر هيرشار بطرف عينه إلى ليو.

"في ليلة الميلاد..كان هناك ميعاد.."

"في أجمل وقت اليوم..في أعلى بقع البلاد."

"لكن ذاك الميعاد..لم يكتب له ميلاد." كرّر جمل الأغنية مع نفسه وتقدم باتجاه ليو.

"أوي!."

أجفل ليو ونظر جانبيا لهيرشار.

"قبل خلافكما..هل اتفقتما على اللقاء في مكان ما؟."

"لقاء؟ نحن نلتقي دوما في النهاية."

"لقاء من أجل مناسبة ما."

"ماذا؟ مثل ماذا؟."

استدار أعضاء الفرقة ونظروا إليهما وكذلك فعلت ليسّا

"مثل..ليلة الكريستماس مثلا." فأجفل ليو وأشاح بوجهه خجلا.

"إذن..فقد اتفقتما."

"آ-آه..وماذا في هذا؟." وتحوّل وجهه للون شعر ليسّا

"لماذا لم تذهب إذن؟."

توتر ليو بينما وضع هيرشار الورقة التي تحوي كلمات الأغنية أمامه.


*************************


قاد هيرشار سيارته بعد أن عاد هو وليسّا من مبنى الفرقة الغنائية وأوصلهما ليو إلى منزله حيث ترك هيرشار سيارته..أمسى وقت الغروب بينما انطلق هيرشار بسيّارته وهو شارد يفكّر، كانا قد اتفقا على زيارة منزل الفتاة أنستازيا في الغد مع ليو.

ليسّا كانت شاردة في تأمل الغروب بينما هيرشار شرد في تذكر كلام ليو الأخير حين سأله هيرشار لماذا لم يلتقي بها في ليلة الكريستماس.


"آ-آه..لم أذهب." قال ليو مشيحا بوجهه

"لماذا؟."

"لأنّ..ل-لأنّ.." وارتعش

"لأنّ الامر حصل بعد الخلاف، وبعد أيام من تجاهلها رسائلي والطرق على باب منزلها..كنت غاضبا جدا."

وارتعش أكثر.

"ل-لذلك..لم أرد الذهاب لعلّها تتعلم من هذا، ففي النهاية لم أخطىء بحقها."


"ه-هيرشار.." 

"هل أنت جائعة؟."

أجفلت..نظرت إليه ووجدته يبتسم.

"لم نتناول شيئا..فلنتناول غدائنا الآن." قال بابتسامة

كانت أشعة الغروب تنعكس على وجهه وهو يقولها..حدقت ليسّا به ثم أومأت. 

"كم أتمنّى استمرار هذا الأمر طويلا." حدّثت نفسها

"لكن.." ونظرت إليه فوجدته ينظر نحوها فأجفلت واحمرّ وجهها.

"ما الأمر؟." قال

"ل-لا شيء." ونظرت إلى نافذتها بسرعة بينما احمرّ وجهها أكثر.

انطلق هيرشار مسرعا أكثر.

"هذا مستحيل." واصلت لنفسها وتنهّدت.


****************************


قاد السائق السيارة وكانت ماريا وآيرين في الخلف.

"ألم يراسلك اليوم ذلك المهووس؟."

"لا. ربما بسبب تجاهلي لمكالماته ورسائله."

"هل أنت نادمة؟."

"إ-إيه؟ ليس تماما."

"تبّا! أنت لطيفة حقا معه." فابتسمت آيرين.

"بالمناسبة..ما أخبار كريس؟ لم نرها منذ فترة."

"معك حق."


***********************


جلسا متقابلين على طاولة جميلة بيضاء اللون في مطعم جبلي..طلب هيرشار سمكا مشويا بينما طلبت ليسّا مشويات.

كان هناك جوّ من التوتر بينهما فليسّا لا تستطيع إيقاف قلبها عن الخفقان بينما شعر هيرشار بشعور غريب بعد أن جلسا هكذا. هل يسمح لهما بالقيام بهذا؟ أليس الأمر هكذا خاطئا؟ ألا يجب أن تكون هذه الجلسات مع آيرين فقط. هل هو هكذا..يخون آيرين؟

لا! لا! الأمر هو استراحة بعد التحقيق في القضية. لكن لماذا لا يشعر بالاطمئنان؟ 

"اللعنة! تلك الحمقاء آيرين.."

"لماذا لا تجيب؟ لا أستطيع إنكار أنّني.." واحمرّ وجهه.

"أشتاق إليها الآن."

حاولت ليسّا من جديد كسر شيء من الجمود فقالت:

"ما رأيك في اختفائها بعد ما قمنا به اليوم؟."

التقت أعينهما فأجفلت واحمرّ وجهها تلقائيا..شيء ما في عينيه، ما هو؟.

"م-ماذا هناك؟." قالت.

"أنا أحمق فعلا! بعد رفضي لمشاعرها أجلس معها هنا وعيناها متحمستان للجلوس والحديث ليكون الأمر كمن يعطي شخصا بأمل ثم يخبره أنّه زائف! هذا لا يصحّ. هل أنسحب وحسب؟ لا! سأتناول الغداء بهدوء ونتحدث قليلا ثم نغادر ثم فليكن التحقيق فقط.."

"هيرشار؟."

"وصلة لقائنا لا أكثر. لا يجب لي جعل قلبها يعاني أكثر بحماقتي."

"هيرشار؟." فنظر نحوها.

"آسف. شردت قليلا."

"هل أنت بخير؟."

"آه." وابتسم لها "أنت سريعة في تناول الطعام." وأشار لصحنها فقالت:

"أنت من شرد كثيرا." فضحك لتضحك هي أيضا.

"آه اللعنة! تلك الابتسامة الجميلة كم أتمنّى أن أستطيع حمايتها. أنا آسف حقا..ليسّا."


الفصل السابع:

ارتدى هيرشار قميصا أزرق على بنطال كتان أسود وركب سيارته متجها نحو منزل ليسّا عند التاسعة صباحا.

أوقف سيارته أمام مبنى ليسّا ونزل منها.

أخذ نفسا عميقا..مشى نحو الدرج ليصعد لأعلى، 

طرق هيرشار الباب شاردا. قدومه لهنا أصبح أكثر من طرقه باب منزل سام!

فتحت ليسّا الباب ونظرت إلى هيرشار بخجل وانحراج.

كانت ترتدي ملابس النوم وهي عبارة عن كنزة وبنطال زرقاوي اللون.

"ص-صباح الخير." بادرته.

"صباح الخير." بينما استغرب أنّها بملابس النوم

"تفضل بالدخول." وأشاحت بوجهها المحمرّ.

"ل-لا داع لهذا..هل..نذهب؟."

"آ-آسفة..أشعر أنني مريضة بعض الشيء."

"ه-هل أنت بخير؟." فأومأت

"متعبة وأشعر بالزكام قليلا..سأرتاح قليلا."

"آ-آه..اعتني بنفسك، سأعود حين أنتهي ونتحدث بالتفاصيل." فأومأت بوجه محمرّ.

أغلقت الباب فاستدار هيرشار ونزل الدرج شاردا..ركب سيارته وانطلق بها.

"نتحدث بالتفاصيل! هي ليست القضية التي طلبتها منّي أصلا! اللعنة!." ونظر لهاتفه ووجد أنّه لم يتلقى ردّا من آيرين على رسالته في الأمس التي سألها فيها عن أخبارها وعن مكانها.

"تبّا!." تمتم.


********************


وقف هيرشار وليو أمام باب منزل أنستازيا.

كان ليو يرتدي قميصا أسود على بنطال جينز..ركب مع هيرشار في سيارته وانطلقا إلى منزل أنستازيا.

كان منزلها مكوّن من طابق واحد..يبدو بأنّها استأجرت فيلا مما يدلّ على أنّها من النوع الاستعراضي..لم تكن الفيلا كبيرة على أي حال.

الباب خشبي بلون بني غامق بينما الجدران حوله مدهونة بلون أزرق فاتح.

كانت الأضواء في المنزل مضاءة.

"ألم تطفىء الأضواء بعد أن اقتحمت منزلها في المرة الماضية؟."

"ي-يبدو بأنني نسيت هذا من قلقي عليها..لكن.."

نظر هيرشار إلى يمينه إليه.

"لا تقل اقتحمت كما لو كنت لصا!."

"يبقى الاقتحام اقتحاما." علّق هيرشار ثم مدّ يده ودفع الجزء الخشبي المثبت على النافذة حيث قام ليو بتحطيمها ليدخل المنزل.

دخل هيرشار وتبعه ليو.

كانت الغرفة حيث دخلا هي الصالة..وكانت جميلة بأثاث جميل، لا يوجد آثار اقتحام.

سارا في الغرفة ومنها إلى الداخل إلى غرفة النوم..كان الباب مفتوحا..دخل هيرشار الغرفة وحدّق حوله.

تواجد في الغرفة سرير عادي بملاءات وردية..مع خزانة وردية أيضا، وثلاجة وتلفاز ومجموعة من الكنب.

"هل هذه غرفة نوم أم صالة؟."

"آه..التلفاز مهمّ لها في غرفتها أكثر من الصالة، أما الثلاجة.." فنظر هيرشار إليه

"حين تكون حزينة كانت لا تغادر الغرفة لذلك وضعت ثلاجة في الغرفة حتى لا تضطر لمغادرة الغرفة لتتناول شيئا."

"لا يوجد فرن هنا..ستغادر في كل الأحوال، إنّها غريبة الأطوار."

هزّ ليو كتفيه وقال:

"من يفهم النساء؟ على ذكرهنّ..أين فتاتك؟."

"هذا ليس من شأنك." فأجفل ليو

نظر هيرشار إلى الملصقات التي عبّأت الغرفة..كانت ملصقات لفرقة غنائية.

"هل هي هذه الفرقة التي تحبها فتاتك؟."

"آ-آه."

مشى هيرشار في الغرفة ثم خرج منها..فتح باب الحمام المقابل لباب الغرفة ونظر فوجده نظيفا.

دخل المطبخ بعدها ووجد ثلاجة وغسالة وغاز.

مشى هيرشار أكثر إلى الداخل ووجد غرفة مهجورة

"كانت تضع هنا الأشياء التي لا تحتاجها."

كانت الغرفة مطفأة..الغبار فيها، حدّق حوله ووجد تلفازا مرميا و غسالة بدت قديمة وأيضا ثلاجة قديمة.

"لماذا لا تبيع هذه الأشياء أو تلقي بها خارجا؟." وخرج من الغرفة.

"أخبرتك..من يفهم النساء؟ لقد تحدثنا كثيرا حول الأمر."

خرج الاثنان من المنزل..فتح هيرشار هاتفه ونظر ليو فوجده ينظر إلى الأغنية التي كتبتها أنستازيا.

"أوه..هل أخذت صورة لها؟."

قرأ هيرشار الكلمات من جديد.


في ليلة الميلاد..كان هناك ميعاد

في أجمل وقت اليوم..في أعلى بقع البلاد

لكن ذاك الميعاد..لم يكتب له ميلاد

وشهد المكان واليوم..موقفا لن يعاد

وطغى الحزن في الأرجاء..لتتكلم بعدها السماء

أطلقت ألعاب نارية..مرّتين في الأرجاء

ووقف العشاق على استحياء..ليعلنوا عن أنباء.

كان الرقم عجيب..وردّ الفعل غريب

اختفى القمر خلف غيمة..وترك خلفه ألف خيبة

في ليلة الميلاد..كان هناك ميعاد


"لماذا أشعر بشيء غريب بين كلمات الأغنية؟." حدّث نفسه.


************************


ركن هيرشار سيارته أمام مبنى ليسّا.

نزل منها وحدّق للأعلى..فكّر وهو يسير واضعا يديه في جيبيه ويصعد الدرج.

"ما الغريب؟ ما الشعور الغريب بين تلك الكلمات؟."

وصل باب منزل ليسّا وهمّ بطرق الباب قبل أن يجفل.

غريب؟.

انفتح الباب لوحده وتفاجأ هيرشار بليسّا تخرج لوحدها من المكان مرتدية قميصا ورديا على بنطال أبيض.

"آ-آه هيرشار." قالت.

"هل لديك موعد ما؟."

"آ-آه في الواقع.." وأشاحت بوجهها محرجة "أنا لم أقم بالحديث مع صديقتي حول قضيتها ونسيتها كليّا. أنا ذاهبة لمساعدتها وفي النهاية أنت كفء للقيام بالتحقيق في هذه القضية.." ونظرت نحوه "في النهاية سأكون عبئا لا أكثر." وابتسمت ابتسامة بدت له غريبة.

"ل-لن تكوني عبئا." قال

"على أي حال..يجب أن أرى صديقتي لذلك..آسفة ووداعا هيرشار." وتجاوزته ونزلت الدرج ليستدير وينظر نحوها وهي تبتعد.

توقفت عند أسفل الدرج فانتبه هيرشار ليراها تستدير وتنظر نحوه.

"عليك أيضا أن تنسى قليلا القضايا وتتذكر أنّ اليوم هو الفالنتاين." ليجفل هيرشار "لماذا لا تقضي وقتا مع حبيبتك؟." وكانت نبرتها غريبة لكن هيرشار لم ينتبه إليها. أجفل أنّه نسي الأمر فأمسك هاتفه وضرب أرقام آيرين لكنّها لم تجب بينما ابتعدت ليسّا. تنهد هيرشار ونزل الدرج لأسفل وهو محبط وشارد في التفكير.

"ليست أول مرة أنغمس في قضية..اللعنة!." هتف ثم ضحك.

"ما الذي أقوله بالضبط؟! إنّني أعطي آيرين المبرر الصحيح لتكون غاضبة هكذا." وضحك أكثر.

توقف قليلا بعدها.

"لكن اللعنة! أريد منها الإجابة على الهاتف.." ونظر نحو الشاشة "أ-أرغب..في سماع صوتها!."

كانت ليسّا تقف خلف الجدار ولم تغادر في حينها.


************************


"لقد اتّصل بي هيرشار." قالت آيرين.

"حقا؟."

"آ-آه. لكنّني لم أجب مع ذلك.."

"أريد الاتصال به." وأمسكت هاتفها فسحبت ماريا الهاتف منها.

"ماذا تفعلين؟."

"دعيك منه الآن! كم مرة تجاهل طلباتك وانغمس في قضية؟ بل هو الآن منغمس!."

"لكنّه أنهى تلك القضية."

"وانغمس في أخرى! أنا متأكدة من هذا."

"ماذا تقترحين إذن؟."

"اجعليه ينتظر مثل ما كان يجعلك تفعلين وفي النهاية.." وقرّبت وجهها منها فأجفلت.

"ستعطيه الهدية التي ستكون إبرة تخدير ممتازة." وغمزتها بينما احمرّ وجه آيرين.


******************


"تبّا!." تمتم هيرشار "لست فقط قد قمت بإغضاب آيرين بل أيضا ليسّا التي جاءتني تطلب المساعدة لصديقتها خذلتها وانغمست في قضية الفتاة المختفية هذه بدلا منها لا بل قمت أيضا في جعلها تشترك معي وقد نسيت قضية صديقتها كليا!."

"هذا الأمر.." وأجفل فجأة بذكرى تعبر دماغه. قبل بضعة سنوات حصل شجار بينه وبين أحد الشباب في المدرسة الثانوية وفي ذلك الشجار الذي بدأ باستنتاج هيرشار وملاحظاته على الكثير من الأمور الدقيقة مما استفزّ الشاب الذي في حينها قال:

"أمثالك المهووسون بالاستنتاجات مكروهون! لا أعرف كيف آيرين لم تتركك وشأنك منذ مدة طويلة."

"اللعنة! لماذا خطرت على بالي هذه الذكرى الآن؟." وتنهد ونظر للسماء.

"لكن حسنا..ربما هو محق.."

"ما الذي يجعل آيرين وليسّا يشعران نحوي بهذه المشاعر؟." هزّ كتفيه بعدها.

"هل أصبحت سوداويا الآن؟."

"هو بالفعل أمر غريب." فأجفل واستدار ليجد ليسّا تسير نحوه.

"ل-ليسّا..أمازلت هنا؟." لتقف أمامه.

"الحبّ شيء غريب ولا يمكن فهمه." كان وجهها محمرّا فأشاحت به بينما شعر هيرشار بشعور غريب من كلمة غريب.

غريب؟! غريب؟!

لماذا تكرار هذه الجملة يجعله يشعر بشيء ما؟!

ما هو الغريب؟.

لقد فكّر بشيء غريب بين كلمات الأغنية.

"اتصلت بصديقتي وقالت أنّ حبيبها قد عاد. لذلك.." وأغمضت عينا وفتحت أخرى "لا مانع لدي من مواصلة التحقيق معك إن..لم تمانع." قالت.

لحظة!

ليس هذا فقط..هل كان هناك شيء ما غريب في منزل الفتاة؟.

أغمض عينيه وحاول التذكّر.

"ه-هيرشار؟."

اجفل!

"سيكون من دواعي سروري هذا." قال لها فاجفلت واحمرّ وجهها بينما وجدت هيرشار يركض مسرعا.

ركب سيارته وركبت هي الأخرى بجواره.

"إ-إلى أين؟." 

لكنّه انطلق بسرعة ولم يعلّق.

استغرق الأمر حوالي العشرين دقيقة.

وصل هيرشار بعدها مع ليسّا إلى منزل أنستازيا.

نزل مسرعا وهي خلفه تتسائل ودخل من النافذة قافزا بينما هتفت ليسّا.

"ل-لحظة!."

ثم صعدت النافذة وتبعت هيرشار..بدأت تبحث عنه حتى وجدته هناك، في غرفة المخزن.

كان يقف لاهثا..أمام شيء ما.

وقفت بجواره.

"آه..كان هناك شيء غريب هنا."

"أو شيئان..مع أنّ الأول ليس مهما كثيرا."

نظرت إليه على يسارها.

"هذا الشيء أكبر من مثيليه في الغرفة والمطبخ."

"و.."

"إنّه موصول بالقابس، بمعنى..يعمل!."

"إ-إيه..ل-لكن..لا أفه-.."

لكن هيرشار فتح الثلاجة الكبيرة.

صرخت ليسّا بينما ارتعش هيرشار.

وجد آيرين جثة..

لكن وجهها وهيئتها..فقد كان يعلم أنّ تلك الفتاة هي أنستازيا.

كانت جالسة على أرضيّة الثلاجة الضخمة.

وكانت ترتدي ملابس نوم من كنزة وبنطال ورديين.

ارتعش هيرشار لكنّه تمالك نفسه وأجرى اتصالين.

بعدهما كان يقف في مكانه مصعوقا. وجهها..وجهها قريب بشكل غير طبيعي من وجه آيرين. ارتجف في مكانه ونظرت نحوه ليسّا قبل أن تقوم بالربت على رأسه.

"إنّها ليست آيرين حبيبتك." قالت بصوت ناعم.

بعد ساعة..كان مارك وتوم وليو وأعضاء الفرقة الغنائية..

في منزل أنستازيا.


الفصل الثامن:

"اللعنة! هذه الفتاة وجهها مثل آيرين تماما." قال مارك لنفسه بينما صعق توم تماما برؤية وجه الضحية.

ارتدى مارك بدلة رمادية بينما ارتدى توم بدلة سوداء..وقف الاثنان في منتصف غرفة المخزن.

تواجد حولهم كل من هيرشار وليسّا وليو وريك وساندي وروز ومايك.

ارتدى ليو كنزة سوداء على بنطال جينز، وكان ريك يرتدي ملابس معاكسة لألوان ليو، بينما ارتدى مايك قميصا أبيض على بنطال كتان أسود.

ساندي في المقابل ارتدت كنزة حمراء على تنورة من الجينز، بينما ارتدت روز كنزة برتقالية على تنورة بيضاء.

"حسنا..لقد شككت هيرشار بأنّ وجود ثلاجة ضخمة في غرفة المخزن وموصولة بالقابس الكهربائي فإنّ هذا يعني أنّها تعمل ولماذا تتواجد ثلاجة هنا؟ فعندها قمت بفتح باب الثلاجة لتكتشف وجود جثة الفتاة التي قلت أنّك كنت تبحث عنها." قال مارك ملخّصا

"آ-آه..صحيح."

"حسنا..لا آثار على الجثة تدلّ على مقاومة شيء ما، لذلك من البديهي الاعتقاد أنّها.." قال توم

"لا أعتقد هذا." قال هيرشار مقاطعا

"م-ماذا؟."

"لا أعتقد أنّ الانتحار بالتجمد أمر شائع..كما لو أرادت الانتحار لفعلتها بشنق نفسها في الغرفة أو قطع شريانها."

"نحن لا نستطيع التفكير عن الآخرين..كونه غير شائع لا يعني شيئا، ربما أرادت الانتحار بطريقة غريبة." قال مارك.

"لست مقتنعا بهذا حضرة المفتش، كما..لم تكن في مزاج انتحاري على ما أعتقد."

"م-ماذا؟." هتف مارك بينما قال توم:

"لكنّك قلت أنّها كانت مختفية إثر خلاف مع حبيبها ولم تكن راضية أيضا عن موضوع الفرقة الغنائية وشهرتها وأدائها وشكلها."

"هذا صحيح..لقد كان الأمر هكذا حقا."

"وبعد؟ ألا يدلّ هذا على مزاج سيّء؟."

"حسنا..ليس وقد أرسلت كلمات أغنية جديدة لأعضاء فرقتها."

"م-ماذا؟." هتف توم ومارك معا

"هل هذا صحيح؟!." قال مارك وعيناه تخترق أعضاء الفرقة.

"آ-آه.." قال ريك "لقد فعلت وأرسلتها قبل حوالي ثلاثة أسابيع."

"كيف أرسلتها؟." سأل توم

"وصلت إلى البريد الخاص بالمبنى." أجابت ساندي

"ولم تتواصلوا معها رغم وصول الكلمات؟." 

"ل-لا، فعادة كانت تفعل الشيء ذاته ثم تأتي بعدها متباهية بالكلمات." قالت روز

"لكنّها لم تفعل هذه المرة." قال مارك

"كنّا نعلم بخلافها مع حبيبها فاعتقدنا أنّ الأمور لم تسوّى بعد." قال مايك

"مممم." تمتم توم

"أطلعونا على هذه الكلمات." قال مارك فتقدمت روز وأعطته الورقة.

بينما غرق هيرشار في التفكير..وليسّا وقفت في مكانها بجواره دون كلام.

"م-ما هذه الأغنية؟." علّق توم

"لكن..إنّها تعطي شيئا واحدا." قال مارك بحزم

"وهو إشارة إلى عدم مجيئك إلى الموعد المحدد بينكما أيها الشاب ليو." وكانت عيناه تلمعان

"أ-أوي أوي! لقد سبق وأجبت هيرشار حول هذا..كنت أحاول تلقينها درسا لتجاهلها رسائلي ومكالماتي وطرقي على باب منزلها."

"م-ماذا؟." قال توم "متى حصل هذا؟."

"لقد حصل الخلاف بيننا منذ ما يزيد عن الشهر..بعد أول أسبوع راسلتها واتصلت بها لكنّها لم تجب وبعد أسبوع آخر فعلت ذات الشيء ثم ذهبت إلى منزلها ولم تجب، لذلك اتخذت هذا القرار."

مشى هيرشار ووقف أمام الثلاجة..كان فريق الطب الشرعي قد وضع الفتاة أرضا بعد إخراجها..نظر إليها قليلا ثم أشاح مباشرة.

"حسنا..هل من تفاصيل يمكن إفادتنا بها؟." قال مارك لفريق الطب الشرعي.

"حسنا..بسبب تجمدها فإنّ ما نستطيع الحصول عليه لتحديد وقت الوفاة سيكون أصعب، سيكون علينا القيام بفحص شامل أو تشريح للجثة، لكن كما ترى فأصابع يديها متجمدة تماما ومزرقّة ومغلقين حول باطن يدها مما يدل على أنّها كانت تحاول تدفئتهم قليلا."

"مممم."

نظر هيرشار إلى الثلاجة.

"حتى لو لم تكن عمليّة انتحار..لماذا يلجأ القاتل إلى وضع الجثة في الثلاجة؟."

"هل أراد جعل عملية تحديد وقت الوفاة أصعب؟ أهو هدفه؟."

"هل القاتل هو أحد أولئك الخمسة؟."

"حسنا..علينا الدخول في تفاصيل أكثر حول الموضوع، وبناء على المعطيات فهناك احتمالان فقط." قال مارك وعيناه تتحركان من شخص لآخر.

"إمّا أنّ القاتل واحد منكم!."

أجفل الخمسة وبدأوا بالاعتراض.

"أو..أنّنا من خلال التحقيق معكم سنكتشف أمورا أخرى متعلقة بالضحية مما سيقودنا لمعرفة ما حصل، فيمكن في النهاية أن يكون القاتل غيركم أو أن يكون الأمر انتحارا في النهاية."

"غيركم.." فكّر هيرشار ثم أجفل.

"بالحديث عن هذا..شعرت بشعور غريب آخر غير موضوع المخزن، أين كان؟."

واستدار ومشى عائدا إلى مكان ليسّا مفكّرا وواضعا يديه في جيبيه.

"آه..كلمات الأغنية..فيها شيء ما."

كانت ليسّا تتابعه بنظراتها.

"لماذا أشعر..أنّ لمكان اللقاء المفترض بينهما، حكاية متعلقة بسبب موتها."

"تبدو غارقا في التفكير." علّقت ليسّا

"إ-إيه؟ آ-آه، نوعا ما." والتقت أعينهما معا.

"ماذا عنك؟ لم تتكلمي منذ اكتشاف الجثة."

"هل توصلت لشيء؟." سألته.

"ل-ليس بعد، لكنّني سأفعل وسيدفع القاتل ثمن جعلي أرى وجه آيرين جثة." وارتعش كليّا

"حسنا..نرجو منكم تسجيل أسمائكم وعناوينكم لنستطيع الوصول إليكم في أي وقت حول مستجدات القضية." قال مارك للخمسة

"آه." قال ريك

"ماذا ستفعل؟." قالت ليسّا لهيرشار

"إشباع الفضول."

"إيه؟."

نظر إليها وكان في تعابير وجهه شيء غريب.

"سنعمل بشكل منفصل لكسب بعض الوقت. ما رأيك؟."

"لا مانع لديّ. فيم تفكّر؟."

"يحيّرني أمر المكان الذي بزغت فيه الأغنية..أرغب في فحصه، فربما يقود لشيء."

"جيّد..وأنا؟ بما أنّك قلت نعمل بشكل منفصل."

"ستتحدثين في الوقت الراهن مع ساندي وروز."

ومشى للأمام قليلا نحو ليو.

"ساندي وروز فقط؟ ماذا عن الآخرين ريك ومايك؟."

توقف هيرشار وقال بتلعثم:

"آ-آه لا أعلم. ربما من الأفضل الحديث معهما سويّة." وابتسم بتلعثم. توقف عند ليو وقال:

"أريد منك المجيء معي..إلى أعلى نقطة في البلاد."

"إ-إيه؟ آه، لا بأس."

وغادر الاثنان بينما وقفت ليسّا وهي تفكّر.

"لماذا احمرّ وجهي بالضبط؟ لا يمكن أن يكون الأمر شيئا من غيرة أو ما شابه. أنا لست فتاته.."

"تبا!."


الفصل التاسع:

دعت ليسّا ساندي وروز إلى العشاء في مطعم ليتحدثوا قليلا.

جلستا متجاورتين مقابل ليسّا وفي الدقائق الأولى لدخولهم المطعم كانتا تتحدثان حول جثة أنستازيا بينما ليسّا شاردة في آخر حوارها مع هيرشار الذي أزعجها لمعرفتها أنّه من المستحيل أن يكون للأمر معنى.

"أوي!." قالت ساندي

"أنا..حمقاء!." قالت لنفسها.

"أوي! أنت!." هتفت ساندي مجددا فأعادت ليسّا إلى الواقع.

"م-ماذا؟."

"هل جلبتنا إلى هنا لتشردي؟." قالت ساندي بغضب

"لا بأس ساندي." قالت روز

"آسفة..فلنبدأ، في الحقيقة أريد منكما المساهمة في إخباري بتفاصيل شخصية تعرفونها عن شخصية أنستازيا."

"هاه؟!." هتفت ساندي

"ماذا تعنين بكلامك؟." قالت روز

"أريد أن أعرف أي نوع من الفتيات كانت؟ كيف كانت علاقتها بالآخرين؟ هل كانت محبوبة؟ هل كانت على خلاف مع أحد يقتضي أن يحاول الانتقام منها بالقتل؟."

نظرت الفتاتان إلى بعضهما البعض ثم قالت روز:

"حسنا.."

"كانت طفلة غبية ببساطة." قالت ساندي


*************************


وصل هيرشار وليو إلى المكان المقصود.

أعلى نقطة في البلاد هي جبال زيمان.

سمّيت بهذا الاسم لأنّ زيمان استدرج جنود العدو سابقا وألحق بهم شرّ هزيمة هناك في معركة كان عدد جنود الجيش أقل بثلاثة مرات من جنود العدو لكن تحقق الانتصار بإرادتهم وبخطة زيمان.

كان المكان سابقا فقط جبلا..لكن الكثير من الأمور تغيّرت فقد بني حول الجبل مدينة مصغرة فيها الكثير من الأشياء، بالإضافة إلى متنزهات وحدائق.

وقف الاثنان في أحد الحدائق والمطلّة على الوادي من الجبل.

"لماذا أردت المجيء إلى هنا؟." قال ليو بينما كانت الإضاءة في الشارع ليست جيدة.

"هذا الفتى.." قال هيرشار لنفسه ثم مشى تاركا ظهره لليو.

"أخبرني..لماذا لم تتأثر كثيرا بمقتل فتاتك؟."

"كيف تريد منّي أن أتأثر؟ أبكي؟ أضرب الأرض؟ أم أحطّم الأشياء؟."

استدار هيرشار ونظر إليه.

"هذه الأمور ليست مقياس للتأثر." ورفع رأسه ونظر إلى السماء.

"لقد خسرت والديّ..ومن لحظتها أصبح الخسران بالنسبة لي شيئا طبيعيّا لا أتأثر به." أجفل هيرشار.

"لا يعني هذا أنّني لست حزينا..كيف لا أحزن وهي من أحبّها؟ لكن.." ونظر إلى هيرشار

"أفهم هذا..حسنا.." ومشى عائدا إليه.

"أين المكان الذي كان يجب أن تلتقيا عنده؟."

"إيه؟."

"أعني..أين تعتقد أنّها كانت تنتظرك؟."

"آه." وحدّق حوله.

"هناك." وأشار إلى أقصى الحديقة خلف هيرشار فاستدار هيرشار.

"عند تلك الشجرة؟."

"نعم."

"ومتى كان الوقت المتفق للقاءكما؟."

"حوالي التاسعة مساء."


ووقف العشاق على استحياء..ليعلنوا عن أنباء.

كان الرقم عجيب..وردّ الفعل غريب


أجفل هيرشار.

"لماذا خطرت لي هذه الكلمات فجأة؟." حدّث نفسه

نظر نحو الشجرة ثم مشى إليها.

"هذا المكان.." قال بصوت مرتفع.

"آه..إنّها لا تحب الظهور أمام الناس كثيرا، لذلك إن تأخرت عليها.." ولحق بهيرشار

"تأخرت؟ أليس في العادة من يتأخر النساء؟."

ابتسم ليو وقال:

"فيما عدا أنا وأنستازيا."

"أتعني؟.."

"آه..كنت دائما المتأخر، في المواعيد..و.." شرد ونظر إلى يساره بعيدا عن هيرشار.

وقفا عند الشجرة.

"لو كنت أعلم أنّني لن أراها مجددا للأبد، لأتيت رغم كل شيء." وارتعش ليو.

"هذه الشجرة.." قال هيرشار لنفسه

"تمثّل نهاية الحديقة التي في الأمام." ونظر إلى اليسار.

"وتبعد قليلا عن مبنى مهجور."

"وخلفنا الآن..درج يقود لأسفل على بعد أمتار."

مشى يسارا نحو المبنى المهجور.

"كان الرقم عجيب وردّ الفعل غريب..هاه." فكّر وهو يضع يديه في جيبيه حتى وصل إلى المبنى المهجور.

"لماذا قالت أنّ الرقم عجيب؟ لقد تحدثت عن عشّاق، هل هذا يعني مهرا مرتفعا؟ وردّ الفعل غريب؟ ماذا تعني بهذا؟ هل كان فرحا شديدا؟ غضبا شديدا؟." ونظر حوله.

"هل..حصل شيء هنا؟."

توجّه يمينا نحو أحد واجهات المبنى ليقوم بعمل دورة كاملة حوله وهو يفكّر.

توقف يمينا.

"هذه المنطقة..تبدو مرتفعة قليلا." ونظر حوله.

"لا توجد نباتات هنا."

وفجأة بدأت الأفكار تتزاحم في عقله.

"ه-هل يعقل؟."

"أوي! تعال وأضىء المكان لي."

أجفل ليو وركض نحوه..نظر هيرشار.

"م-ماذا هناك؟."

"فلنبحث..عن مجرفة."


************************


"ط-طفلة غبية؟ لماذا هذا؟." قالت ليسّا

"ما رأيك بفتاة تعتقد أنّ تغيير شكلها سيجلب لها شهرة أكبر؟." قالت ساندي

"لكن.."

"أعلم..عمليات التجميل تلعب دورا، لكن ليس وهي كانت جميلة أصلا وفكرتها أن تكون شبيهة زوجة متحري مشهور!."

"م-معك حق." وواصلت لنفسها "ليست زوجته بعد."

"حسنا..ماذا غير هذا؟."

"لا يمكن أن يفكّر أحد بقتلها..كانت فتاة جيدة." قالت روز فنظرت ساندي إليها.

"ماذا؟ ألا تؤيّديها؟."

"لا بالطبع..كانت شخصية مستفزة أحيانا."

"أوليس الجميع هكذا؟." قالت ليسّا

"نعم..لكنها غير هذا..هي.."

"أحبت ذلك المغفل!." أكملت فأجفلت ليسّا تماما

"هاه؟!."

"ه-هي تعني أنهما كانا على خلاف كثيرا، بسبب أنّه لم يكن يظهر الكثير من الاهتمام بأمور تفعلها."

"ف-فهمت."

"ح-حسنا..هل تريانها..تنتحر؟."

"نعم!." قالتا معا فأجفلت ليسّا.

"يمكن أن تنتحر؟!." 

"نعم..كانت من هذا النوع..لكن.." قالت ساندي

"بالنسبة لانتحار داخل الثلاجة.." 

"هو غريب حقا." قالت ساندي

نظرت ليسّا إلى الساعة..كانت الثانية عشر واثني عشر دقيقة.

"حسنا..أشكركما على وقتيكما." ونهضت ونهضت الفتاتان أيضا..غادروا المطعم وتوجه كلّ في طريقه.


**************************


استغرق الأمر ساعة.

عند الواحدة وقف هيرشار وليو أمام حفرة بعمق متر وهما متعرّقان..مسح هيرشار العرق عن جبينه.

وتأمّل جثة شاب ثلاثيني..داخل الحفرة.

"م-م-م-ما هذا؟." قال ليو

"لقد..قتل.."

ووجّه هيرشار الضوء أكثر نحو الجثة.

"برصاصة."


الفصل العاشر:

وصل مارك وتوم إلى المكان وقامت الشرطة بإغلاق المنطقة..كان مارك غاضبا لأنّ هيرشار لا يرتبط سوى بالجثث.

كانت ليسّا قد اتصلت بهيرشار فأخبرها فجاءت إلى المكان وبالتالي تواجد في المكان كلّ من هيرشار وليو وليسّا ومارك وتوم وفريق الطب الشرعي والجثة.

"حسنا..بغضّ النظر عن كيفيّة الاستنتاج بوجود جثة هنا..لدينا جثة شاب هنا، ومن خلال وضعية الجثة.." ونظر مارك نحو فريق الطب الشرعي.

"نعم..الجثة بدأت تتحول إلى حالة سائلة، وهذا يدلّ على أنّه قد مرّ حوالي شهر على وجودها هنا." أكمل أحد أفراد فريق الطب الشرعي.

"ش-شهر.." تمتمت ليسّا التي وقفت بجوار هيرشار

"كما توقعت." قال هيرشار لنفسه 

"حسنا..ما الذي دفعك لنبش المكان هيرشار؟." قال مارك.

"آه.." 

"في الواقع كنت قد أتيت إلى هنا بسبب كلمات أغنية الضحية أنستازيا، شعرت بأنّ المكان سيقدم بعض المعلومات حول الأمر..وبينما كنت هنا فكّرت في جملة قيلت في الأغنية."

"جملة؟." قال توم

"آه..وهي..

ووقف العشاق على استحياء..ليعلنوا عن أنباء.

كان الرقم عجيب..وردّ الفعل غريب."

"بينما كنت أفكر في معنى خلف هذه الجملة..وجدت بعض الاختلاف في مستوى التربة وشعرت بشعور غريب، وفجأة وجدت نفسي أنبش القبر ليصيب حدسي."

"اللعنة! جثة أخرى تعود لشهر! ماذا يحصل هنا؟!." قال مارك بغضب.

"حسنا..ربّما يكون الأمر هنا مباشر نوعا ما."

"م-ماذا؟."

نظر هيرشار إلى مارك.

"العشّاق حضرة المفتش." فأجفل مارك وتوم وليسّا

"زوجته!." هتف مارك

"أو حبيبته!." قال توم

"حسنا! فلنبحث عن هويّته بين جيوبه، ثم لنجد أقربائه ومعارفه!." قال مارك

"علم!."

وبدأ توم بالعمل..رفع هيرشار رأسه ونظر إلى السماء المزدانة بالنجوم بينما وقف ليو بعيدا بصمت.

اقتربت ليسّا من هيرشار ووجدته شاردا..ابتسمت.

"م-ماذا هناك؟." قال حين نظر إليها

"هل أكون مخطئة إن قلت أنّك لم تقتنع بكلامك الذي قلته؟." وابتسمت ابتسامة ساحرة.

أجفل هيرشار..نظر إليها مليّا ثم ابتسم بعدها.

"آه..نوعا ما."


**************************


جلست آيرين وماريا تتأملان القمر والسماء الليلية المزدانة بالنجوم.

استلقت ماريا على ظهرها بينما بقيت آيرين في مكانها.

"ماذا يفعل هيرشار الآن؟." كانت تفكّر.


*************************


"ما الذي تراه خاطئا؟." وقفت ليسّا بجوار هيرشار

"حسنا..إن كانت الزوجة أو العشيقة هي القاتلة، فإنّ جمل الأغنية إمّا خاطئة أو فيها لغط ما."

"ماذا؟."

"لقد كانت كلمات الأغنية تظهر أحداثا مهما نظرت إليها تبدو بشكل منطقي..متتابعة."

فكرت ليسّا بالجملة ثم أومأت.

"لو راجعنا كلمات الأغنية.."

"وطغى الحزن في الأرجاء..لتتكلّم بعدها السماء

أطلقت ألعاب نارية..مرّتين في الأرجاء

ووقف العشاق على استحياء..ليعلنوا عن أنباء.

كان الرقم عجيب..وردّ الفعل غريب."

"نلاحظ هنا الجملة المحيّرة."

"محيّرة؟ أيّها؟."

"أطلقت ألعاب نارية..مرّتين في الأرجاء."

"لكن..ما بها؟."

"هل من داع لذكر (مرّتين)؟ هل كانت من أجل قافية البيت الخاص بالأغنية؟."

أجفلت ليسّا.

"بالنسبة لي تبدو الكلمة ذكرت متعمّدة..بمعنى أنّ شيئا غريبا قد حصل فأرادت أن توثّقه."

"وما هو؟."

"كيف قتل الرجل؟." فأجفلت ليسّا تماما.

"أ-أتعني..؟." قالت ليسّا

"آه..غريب صحيح؟." فأومأت ليسّا بقلق

"نعم..

وطغى الحزن في الأرجاء..لتتكلّم بعدها السماء

أطلقت ألعاب نارية..مرّتين في الأرجاء

ووقف العشاق على استحياء..ليعلنوا عن أنباء.

كان الرقم عجيب..وردّ الفعل غريب

مرتين كانت إشارة واضحة..شعرت هي بشعور غريب أو صوت غريب، لو كان الأمر إطلاق ألعاب نارية في مكان آخر لربما لم تذكرها..لكن ربما يكون عقلها الباطن من قادها إلى هكذا جملة."

"وسط الألعاب النارية..انطلق شيء ما وسمعته، وكانت الرصاصة التي أردت الرجل هنا."

"آه..على الأرجح."

"وبناء على هذا، (وطغى الحزن في الأرجاء) إشارة إلى حزنها على عدم مجيء ذلك ال ليو.."

"لتتكلم بعدها السماء..أطلقت ألعاب نارية..مرتين في الأرجاء."

"وهنا كما شرحنا قبل قليل..إشارة إلى صوت غريب برز بين الألعاب النارية.."

"ووقف العشاق على استحياء..ليعلنوا عن أنباء."

"وهذه إشارة..إلى خطأ الاستنتاج السابق قبل قليل ربما."

"إ-إيه؟." ثم أجفلت "ه-هل تعني؟."

"نعم..فالجملة إشارة واضحة أنّها سمعت عشاقا معا، إن دلّ هذا على شيء..فيجب أن يكون الأمر.."

"رجل وامرأة!." أكملت ليسّا

"بالضبط! وبالتالي..امرأة تقتل عشيقها أو زوجها غير منطقية أو متراكبة مع الكلمات، إلا إذا..كان لديها شريك."

أومأت ليسّا.

"في هذه الحالة..يكون الأمر أنّ الرجل إمّا قتل عن طريق عشيقته وشريكها، أو.." قالت ليسّا

"ربما كانت المرأة ليست عشيقته." أكمل هيرشار

"في هذه الحالة..ما العمل؟." سألته

"حسنا..أرى أنّ علينا البحث أكثر حول أنستازيا، من خلال منزلها ومن يعرفونها." فأومأت

"سنذهب إلى منزلها..وفي الطريق ستخبريني حول ما قالته ساندي وروز."

"آ-آه..لم يكن كلاما مهمّا..لكن حسنا."

"فلنذهب." قال هيرشار فأومأت

"هل ترى أنّ قاتل أنستازيا هما الرجل والمرأة؟."

"ربّما.."

ونظر بعدها إلى السماء.

"وإن كان هناك.."

"شيء ما غريب."

ثم نظر نحو ليو.

"أوي! تعال لحظة!."


الفصل الحادي عشر:

وصل الثلاثة إلى منزل أنستازيا عند الثانية بعد منتصف الليل.

حين أصبحوا في غرفة الجلوس قالت ليسّا:

"ألم يكن من الأفضل تأجيل الأمر للغد؟ لقد تأخر الوقت."

"حسنا..لقد وصلنا ولا داعي للشكوى الآن." فعبست له فابتسم.

"حسنا..هلا أخبرتني لماذا نحن هنا؟." قال ليو

"لمعرفة لم قتلت فتاتك."

"لكن.." لكن هيرشار دخل غرفة نوم الفتاة مباشرة

حدّق هيرشار حوله في الغرفة مفكّرا.

"يوجد حلقة مفقودة غريبة هي من أعادتك إلى هنا."

أجفل هيرشار ونظر إلى يساره فوجد ليسّا تقف بجانبه

وقد نظرت إليه.

"أليس صحيحا؟." وابتسمت.

نظر هيرشار إليها مليّا ثمّ ابتسم.

"أوه..هل توصلت إلى استنتاج مشابه؟."

"ربما." وهزّت كتفيها

"إذن..أسمعيني."

"بغض النظر عن حقيقة مقتل الرجل الذي عثر عليه في تلك الحديقة، سواء أكان القاتل عشيقته وشريك لها أو رجل وامرأة آخرين، فهناك شيء غريب في ذلك." قالت ليسّا وهي تشبك ذراعيها عند صدرها فانتظر هيرشار.

"فمن خلال كلمات الأغنية..كتبت أنستازيا ما هو متعلق ربما بما حدث في ذلك المكان."

"فلو لاحظ القاتل الأمر وسعى لقتلها وفعلها..فهناك حلقة مفقودة."

ابتسم هيرشار بينما قال ليو الذي كان خلفهما:

"ولماذا حلقة مفقودة؟ ألا يبدو منطقيا؟."

"لا، فلماذا قام القاتل ذاك بقتلها في منزلها؟ وكيف تسنّى لها كتابة كلمات الأغنية؟." قال هيرشار فأجفل ليو. 

"نعم..كان ليقتلها كما فعل بالرجل، رصاصة مباشرة وينتهي الأمر..ولو افترضنا أنّه لاحظ الأمر وطاردها فعندها كان سيكون هناك جلبة في المكان." قالت ليسّا

مشى هيرشار نحو سرير الضحية والذي كان في منتصف الغرفة.

"وإن افترضنا أنّه لحق بها متجنّبا إصدار جلبة ووصلت إلى المنزل، فهل سيتركها تكتب كلمات الأغنية؟ وترسلها أيضا؟." قال هيرشار وتأمل الغرفة مجددا.

"ولماذا يقتلها في الثلاجة وليس برصاصة أو ما شابه؟." قالت ليسّا.

"يبقى احتمال واحد.." قال هيرشار وجلس على السرير ونظر نحو ليسّا.

"أن يكون القاتل لم يلاحظ وجودها..لكنّه بالصدفة سمع بكلمات الأغنية."

"ل-لكن..تلك الأغنية.." قالت ليسّا ثم أجفلت

"نعم، عندها سيكون القاتل..أحد أعضاء الفرقة الغنائية!."

أجفل ليو وليسّا بينما نهض هيرشار وحدّق مجددا في الغرفة.

"لذلك قررت العودة إلى هنا." أكمل بعدها بينما أصدرت العقارب صوتا يشير إلى الساعة الثالثة صباحا.


*************************


قرّرت آيرين الاستلقاء والنوم أيضا مثل ماريا فاستلقت وأغمضت عينيها لتغفو مباشرة.


***********************


"ما جئت من أجله إلى هنا؟." قال ليو

"نعم..وإن كنت أشعر ببعض التناقض لكن.."

"لو أنّها عادت إلى هنا واستطاعت إكمال كتابة كلمات الأغنية وإرسالها فعندها هناك احتمال أن يكون القاتل قد جاء هنا وبالتالي ربما يكون في منزلها ما يدلّ على شيء ما نحو القاتل وما حصل بالضبط."

"لكن..لو أنّها شكّت بشيء لربما لم ترسل كلمات الأغنية، خصوصا لو كان القاتل قد عرفته وهو من أعضاء الفرقة." قالت ليسّا

"نعم، لكن ليس لو حصل الشكّ لاحقا جدا."

"أ-أتعني؟."

"نعم.." ولمعت عيناه "بعد أن أرسلت الأغنية."

أجفلت ليسّا وليو.


الفصل الثاني عشر:

كانت الساعة قد أصبحت الخامسة صباحا ولسبب غير معروف كان هيرشار ما يزال مستيقظا.

تمدّد على سريره وحدّق في السقف..الأفكار كانت تتزاحم في عقله، والمشكلة أنّها ليست فكرة واحدة بل مجموعة.

موضوع آيرين وكيف سيقوم بالحديث معها فكما يبدو هي غاضبة ومنزعجة بشكل أكبر هذه المرة.

ليسّا! هو يشركها معه مع أنّه لا شأن لها بهذا!

هذه القضية الآن..ما قصّتها؟.

يكاد يجزم أنّ الاستنتاج الذي توصل إليه هو الأكثر دقة، لكن..

من المنطقي بما كان التفكير أنّ القاتل إذا لم يكن قد لاحظ وجود الفتاة في المكان أو سماعها لشيء فهو لن يعرف عن الأمر إلا من خلال كلمات الأغنية.

كلمات الأغنية التي لم تذاع بعد، بمعنى..

هو واحد من أعضاء الفرقة الغنائية بلا شك.

في المقابل..أليس من غير المنطقي دفن الجثة هناك؟ ألم ينظر القاتل حوله وهو يقوم بفعلها؟ ألم يلاحظ وجود الفتاة هناك؟.

لحظة..لماذا الافتراض بأنّ القاتل دفن الجثة أثناء تواجد الفتاة في المنطقة؟ ربما فعلها في وقت آخر.

لا!

لماذا سيعود لدفن الجثة لاحقا بينما ربما تكون قد اكتشفت أصلا!.

تنهد هيرشار طويلا.

"أشعر بعدم القدرة على التركيز!."

"اللعنة! لماذا لا أستطيع النوم؟!."


***************************


استيقظ هيرشار في الصباح وأخذ حماما سريعا ثم خرج  مرتديا قميصا أسود على بنطال كتان أسود.

قرّر تناول الفطور في مطعم قريب فتوجّه وإليه وجلس على إحدى الطاولات..فكّر في الخطوات التي يجب عليه القيام بها.

نعم..سيلتقي بأعضاء الفرقة الأربعة.

"صباح الخير."

أجفل ورفع رأسه..وجد ليسّا تقف أمامه بقوامها الرائع..تركت شعرها الأحمرّ مسرّحا إلى منتصف ظهرها كالعادة، وارتدت كنزة بيضاء بلا أكمام على بنطال كتّان أحمر.

احمرّ وجه هيرشار تلقائيا.

"ص-صباح الخير."

"مفاجأة..صحيح؟." وجلست مقابله

"آ-آه.." ثم ابتسم فابتسمت له "شعرت أنّني أريد مواصلة التحقيق في القضية معك فجئت ووجدتك تتوجّه إلى هنا." وابتسمت مجددا. ابتسم هو الآخر.

"ليسّا.." قال لنفسه.

"حسنا..هل نمت جيدا؟." سألته

"آ-آه." لم يخبرها أنّه لم ينم فعليا سوى ربع ساعة بالضبط..الساعة الآن كانت التاسعة صباحا.

"هل أنت بخير؟."

"إ-إيه؟."

"تبدو شاردا أو منزعجا، ه-هل..أزعجك وجودي؟." وأشاحت بوجهها.

"بال-بالطبع لا!." 

"أنا منزعج نعم لأجلك. لعدم قدرتي على تلبية مشاعرك." قال لنفسه.

"ماذا ستفعل اليوم؟."

"سألتقي بكل عضو من أعضاء الفرقة الغنائية على انفراد."

"انفراد؟."

"نعم."

"لماذا؟."

"ما بك؟ أنسيت؟ واحد منهم ربما يكون القاتل."

"آه..معك حق."

"هل رتّبت الموعد الأول هنا؟." قالت ليسّا فنظر هيرشار إليها.

"أنت أنهيت طعامك لكن لم تفكّر في المغادرة."

"آه..ريك قادم إلى هنا."

"أوه..وكيف قبل ذاك المتعجرف؟."

"قال أنّه كان بالقرب أصلا من المكان."

"كان؟ كيف يكون قريبا وقد مضى على وجودي ربع ساعة أو أكثر ولم تجري اتصالا وأنا هنا؟."

ابتسم هيرشار.

"أصبحت دقيقة الملاحظة."

"بل أنا هكذا منذ البداية." وعبست عبوسا جميلا

"آسف على التأخر."

نظر هيرشار إلى يساره فوجد ريك يقف..كان يرتدي قميصا رماديا على بنطال أسود، وقد سرّح شعره البني مثل المرة الماضية كعرف الديك.

"لا بأس." قال هيرشار ثم أفسح المجال لريك فجلس ريك بجواره، كان هيرشار وليسّا متقابلين بجوار الزجاج بينما ريك بجوار الممر والطاولات الأخرى.

"حسنا..ماذا تريد منّي أيها الشاب؟."

"بعض الاستفسارات البسيطة."

"مثل؟."

"أولا.." ونظر هيرشار إليه

"ماذا كنت تفعل ليلة الرابع والعشرين من ديسمبر منذ الثامنة مساء وحتى منتصف الليل؟ وأيضا سائر اليوم."

أجفل ريك ثم قال:

" الرابع والعشرين من ديسمبر؟." ثم أدرك.

"أوي! أتشتبه بي؟!."

"لا..لكن للتحقق من الأمور، معارف الفتاة قد يكونون المسؤولين عن موتها."

"اللعنة!."

تنهد بعدها.

"حسنا..لقد كنت.." ونظر إلى ليسّا أولا ثم هيرشار

"في أعلى بقع البلاد."

أجفل هيرشار وليسّا تماما.


***************************


كانت آيرين وماريا في أحد الأسواق القريبة من المعلم السياحي الأثري اللذان توجّها إليه. وقفت آيرين أمام أحد الرفوف وكانت مركّزة فيه.

"هل تحاولين شراء شيء لهيرشار؟." فأجفلت تماما وخفق قلبها من صوت ماريا.

"لا! ولا تخيفيني هكذا." فضحكت ماريا.


*************************


"ك-كنت في أعلى بقع البلاد؟." هتفت ليسّا

"حيث كانت أنستازيا؟! في ذات اليوم؟." قال هيرشار

"نعم..كنت هناك." وسكت قليلا شابكا معصميه معا

"وخفت أن أقول هذا حتى لا يتمّ الاشتباه بي."

"ألم ترها أبدا؟."

"لا..لم أفعل."

"وهل كنت هناك..وحدك؟." 

"آه."

"وماذا كنت تفعل هناك؟."

"حسنا..أنا من النوع الذي يرفّه عن نفسه بنفسه، كنت مهموما فأردت الترفيه عن نفسي."

"ولماذا في ذاك المكان بالذات؟."

"أحبّ المرتفعات! ليس الأمر كما لو كنت أعلم أنّها ستكون هناك."

"ليلة عيد الميلاد وتكون لوحدك؟ ألا توجد فتاة في حياتك؟." قالت ليسّا.

"ليس من شأنك هذا."

"ماذا عن الفتاتين اللتان في الفرقة؟." أكملت بلا اكتراث.

"ألم تري لون شعرهما؟ من يفكّر بحمقاوتان مثلهما؟."

أجفلت ليسّا..أليس من تحمّس لوجودها وإكمال لون إشارة المرور من خلال لون شعرها؟.

بينما فكّر هيرشار.

"هل يجب علينا تصديق أنّه لم يرها؟ لكن في المقابل.." ونظر إليه بطرف عينه

"لو كان على علاقة بالأمر لما بادر بالحديث عن وجوده هناك، إلا.."

"إذا كان يعتقد أنّه هكذا أفضل من أن يتمّ سؤال مرتادي المكان ويؤكدوا تواجده في ليلتها قبله."

"أخبرني.." قال له مستندا بخدّه إلى يده اليمنى.

"في اعتقادك..من يمكن أن يكون القاتل؟."

أجفل ريك ثم قال:

"هل أصبحت خارج الشبهات؟."

"بالطبع لا، لكنّني فقط أستفسر."

"لا أفهمك.."

"لا بأس..إذن أخبرني، هل علمت أنّ هناك جثة وجدت في ذات المكان أيضا؟."

بدا ريك مصعوقا جدا.


***************************


"جثة؟!." هتف ريك

"نعم..عثر على شاب ثلاثيني كما يبدو مدفونا بالقرب من مبنى مهجور في ذلك المكان، والشاب كان قد قتل برصاصة."

أجفل ريك.

"ل-لم أسمع بهذا."

"نعم، لأنّ الاكتشاف حصل في الأمس."

"ما الذي تريد قوله؟." لكن بدا ريك متوترا

"أقول بأنّه بناء على بعض الاستنتاجات والملاحظات، قد تكون أنستازيا قد لاحظت عملية ارتكاب الجريمة، ليس برؤيتها بقدر ما سمعت ربما صوت الإطلاق..بناء على هذا كتبت في أغنيتها عن الألعاب النارية أنّها مرّتين في الأرجاء..وقامت بإرسال الأغنية."

"ل-لا أفهم ما تحاول قوله.."

"يعني..أنّ القاتل ربما سمع بكلمات الأغنية فقام على إثرها بالذهاب إلى منزل الفتاة وقام بقتلها." قالت ليسّا

"هاه؟ وماذا في هذا؟." ثم أجفل

"أ-ألذلك طلبتني على انفراد؟!."

"نعم..احتمال أن يكون القاتل أحد أعضاء الفرقة الغنائية كبير جدا."

توتّر ريك ثم نهض وضرب الطاولة.

"هذا هراء! أتفهم؟!."

وغادر المطعم وسط نظرات الناس نحوه.

"يبدو بأنك استطعت هزّه قليلا.." قالت ليسّا

"آه."

"ماذا الآن؟."

"حسنا..بقي ساعتان على الموعد القادم مع ساندي، فقد قالت أنها مشغولة وكذلك الأمر لروز ومايك..لم لا نذهب إلى منزل أنستازيا؟."

"مجدّدا؟."

"نعم، لا أعلم لماذا أشعر أنّ فيه شيء لم نعثر عليه بعد وسيقودنا نحو حقيقة ما."

"ماذا يفترض بهذا أن يكون؟." قالت وهي تضحك

"حدس المتحري." ونهض وغمزها فنهضت.


************************


خرجت ماريا وآيرين من المكان وكانت ماريا تنظر بخبث نحو آيرين التي احمرّ وجهها.

"إلى أين الآن؟." سألت آيرين.

"سنذهب في رحلة على القارب ثم مساء سنعود." فأومأت آيرين.

"هيرشار..كيف سأواجهه بعد تجاهل مكالماته ورسائله؟."


الفصل الثالث عشر:

وصل هيرشار وليسّا منزل أنستازيا ودخلا من الباب..لم يكن الأمر سهلا لكن بوجود ضابط شرطة الأمر سهل.

وقف توم بينهما في المنتصف مرتديا بدلة رمادية.

"أتسائل..ماذا أفعل هنا؟." قال بصوت مسموع بينما وقف الثلاثة في غرفة نوم أنستازيا.

"من أجل مساعدتنا والتأكد أنّنا لن نخفي شيئا على الشرطة كما..من أجل إخبارنا بما توصلتم إليه حول جثة الشاب الثلاثيني." قال هيرشار مبتسما بينما تنهد توم..لماذا لا يستطيع قول لا لهيرشار؟.

جلس هيرشار على سرير الفتاة متأملا الغرفة.

"فلنبدأ بما توصلتم إليه حول الرجل أيها الضابط توم."

تنهد توم مجددا.

"حسنا..لم نصل إلى الكثير حوله، لم يكن يحمل الكثير من الأوراق الثبوتيّة معه."

"وبعد؟."

"حسنا..في الواقع، عرفنا على الأقل أنّه..لص."

"لص؟!." هتف هيرشار وليسّا معا.

"نعم..فبينما كنّا نقوم بالسؤال حوله في المنطقة أخبرنا عجوز أنّه هكذا، فقد كان يحاول سرقة محل المجوهرات أكثر من مرة."

"ماذا؟ وهل كان يفعلها كاشفا وجهه؟."

"لا..كان ملثما لكن العجوز قال أنّ القوام والعينين تعودان له بلا شك، كما في أحد المرات استطاع نزع القناع ورؤية وجهه."

"ولماذا لم يبلّغ عنه؟."

"آ-آه..حسنا.." وتذكّر توم

"أنتم مجموعة من الحمقى اللذين يعتمدون على فتى عشريني ليحلّ القضايا لهم..لن اعتمد على غير الأكفياء أمثالكم!."

"لا يمكن أن أخبر هيرشار بهذا." وضحك مع نفسه

"بما أنّ المحاولة كانت تفشل لم يكن يهتم." 

"هاه؟ ما هذا العجوز المتفائل؟." ثم نظر هيرشار إلى الأرض.

"لكن..حسنا، ها قد برز الاحتمال الذي كنت أفكّر فيه بين احتمالات مقتل أنستازيا."

"إيه؟." هتف توم

"أي احتمال هيرشار؟." قالت ليسّا التي وقفت مستندة إلى طاولة مكتب الفتاة جانبيا مقابل هيرشار وتوم.

"أن يكون مقتل الرجل ومقتل أنستازيا..غير مرتبطان ببعضهما البعض."

أجفلت ليسّا وتوم.

"غير مرتبطان ببعضهما البعض؟." قالت ليسّا

"نعم..فربما استطاعت أنستازيا سماع الإطلاق بينما كانت تفكّر في كلمات الأغنية ولم تلاحظ شيئا وعادت إلى منزلها وقتلت هناك بلا أي علاقة بالأمر، حسنا..هذا يعني أنّ قاتل الرجل ربما يكون شريكين له وهما رجل وامرأة أو رجل وامرأة على علاقة غير مباشرة معه."

"حسنا..في الواقع، لقد اعترف العجوز أنّ عقدا من الألماس اختفى من متجره كما يبدو."

"م-ماذا؟."

"لقد اعترف بهذا لنا لكنّه اعترف أيضا أنّه لم يبلغ عن اختفائه لأنّه كان واثقا أنّه سيمسك الفاعل، قال أنّه ذات الرجل."

"ما هذا العجوز غريب الأطوار؟!." قال هيرشار فهزّ توم كتفيه.

فكّر هيرشار بعدها.

"أهو سبب مقتله؟ قالت أنستازيا في كلمات الأغنية أنّ الرقم كان عجيب وردّ الفعل غريب..أهو الرقم المتعلق بسعر العقد؟ أيكون خلافا قد نشب بين الشركاء حول حصّة كل واحد ورأوا أنّ قتل واحد سيزيد من حصصهم؟."

"أوه..يبدو أنّ الفتاة كانت في حالة ميسورة جدا." قالت ليسّا فجأة.

"ماذا؟." قال هيرشار ووجد ليسّا تدير ظهرها له فنهض ومشى نحوها "ماذا تعنين؟."

"انظر..أليست هذه الكرة تعود ربما إلى عقد ما؟."

أجفل هيرشار وهو ينظر إلى ما تحمله ليسّا.

ركض توم نحوهما وأخذها منهما، فتح هاتفه وفتح الصورة المتعلقة بالعقد والتي أرسلها العجوز له.

"إ-إنّها تعود لهذا العقد!!." هتف فأجفلت ليسّا.

"كما توقعت." قال هيرشار لنفسه ثم شرد مجفلا

"لكن..ماذا يعني هذا؟! لقد عدنا إلى المربع الأول من جديد! هل قاتلها هو قاتل الرجل نفسه؟."

"لكن..لماذا قتلها هنا؟!!."

"تبا! القضية تزداد تعقيدا!."


الفصل الرابع عشر:

"لكن..السؤال الأهم ربما.." فكّر هيرشار وهو يسير في الغرفة.

"لماذا..جزء من العقد معها في الغرفة؟."

تأملته ليسّا هي وتوم وهو يسير مفكّرا في الغرفة.

"لو كان العقد قد سقط صدفة وقامت بأخذه..لماذا لم تضعه في قسم الشرطة؟."

"ولو سقط وأخذته..ألم ينتبه عليه القاتل؟."

"هل انتبه ولحق بها لذلك قتلها في غرفتها؟."

"في هذه الحالة لماذا قتلها بهذه الطريقة؟."

"هل أراد إبعاد الشبهات عن سبب موتها؟ هذه الطريقة قادت إلى اتّهام من يعرفها."

"لكن..كيف استطاعت إرسال الأغنية إذا قام باللحاق بها؟."

"هل انتظر إلى اليوم التالي؟."

"ولماذا؟."

رنّ هاتفه..أمسكه وأجاب.

"أوي! أين أنت؟."

أجفل..كان صوتا أنثويا واستوعب بعد ثوان أنّها ساندي.

"آه..أين أنت؟."

"في المقهى حيث اتفقنا أن نلتقي."

"آه، حسنا..خمسة عشر دقيقة وأكون هناك."

"تبا! يستحسن بك أن تسرع وإلا غادرت."

"آه، لا تفعلي." وأقفل الخط.

"فلنذهب ليسّا."

"من؟."

"ساندي."

"آه..صاحبة الشعر الأخضر." علّقت

"تلك الفتاة سريعة الغضب." قال توم

"تبدو كذلك." قال هيرشار ثم غادر هو وليسّا بعد أن أخبر توم:

"أرجو أن تخبرني بكل ما يستجد ضابط توم."

"آه." قال توم متنهدا.


**************************


وصل هيرشار وليسّا المقهى وأسرعا بالدخول..كان المقهى من طابق واحد ونمطه نمط مقهى تابع لمكتبة..أو بالأحرى كان هكذا فعلا.

فقد كانت كنباته وأماكن جلوسه أشبه بطاولات مكتبية خصوصا مع رفوف الكتب الموجودة بالقرب من كل طاولة.

وجدها هيرشار فورا نظرا للون شعرها الغريب..وصلا ووجداها جالسة تقرأ في رواية بعنوان الحب من أول نظرة.

كانت جالسة وترتدي كنزة حمراء على بنطال أسود من الكتان.

"تأخرتما دقيقتين عن الربع ساعة!." قالت بغضب

جلس هيرشار وليسّا مقابلها..كان على الطاولة كأس شوكولا ساخنة لساندي.

"حسنا..دعينا نبدأ في المهم مباشرة." طلب هو كأس من القهوة مع الحليب بينما طلبت ليسّا شوكولا ساخنة أيضا.

"ماذا تريد من كل هذا؟." كانت الساعة تشير إلى الثانية ظهرا..جلسوا بالقرب من الحائط والنافذة.

"حسنا..أين كنت ليلة يوم الميلاد؟ ماذا كنت تفعلين طول اليوم؟."

أغلقت الكتاب وتأملت هيرشار وليسّا مليّا ثم وضعت الكتاب على الطاولة.

"أخبرنا ريك بكل شيء."

أجفل هيرشار وليسّا.

"أنتما تعتقدان أنّ القاتل واحد منّا..صحيح؟."

نظر هيرشار إليها ثم قال:

"حسنا..ماذا يعني هذا؟."

"ماذا؟."

"لو كنت بريئة حقا..هل ستكترثين لهذا الأمر؟."

"هه..لا تنس الإزعاج الذي سيأتي من أن تكون مشتبها به."

انحنى هيرشار للأمام.

"ربما تستطيعين تسريع التخلص من الإزعاج."

"هاه؟ كيف هذا؟."

"بالاعتراف ربما..أو بإخبارنا بما تعتقدينه حول مقتل أنستازيا."

حدّقت به ساندي بحقد.

"لماذا تستبعد حبيبها ليو من الشبهات؟."

"أستبعد؟ من قال هذا؟ هو تحت الشبهات مثلكم."

"لكنّك مصممّ على نظرية القاتل من الفرقة."

"حسنا..التسلسل إلى الآن يقود لهذا." فتنهدت ساندي

"لا بأس..سأخبرك بشيء واحد فقط."

"وهو؟."

"أنستازيا لا يمكن أن تكون قد انتحرت."

"إ-إيه؟ حسنا، مازال احتمال الانتحار قائما بعض الشيء مع أنّني لست معه، لكن..لماذا تقولين هذا؟."

كان العصر يقترب..أشعة الشمس انعكست على طاولتهم حيث جلسوا.

"لا أتحدث هنا عن الحالة النفسية..بل الكيفيّة."

"أتعنين أنّها كانت في حالة ربما تقودها للانتحار لكن ليس في الثلاجة؟." قالت ليسّا.

"شيء من هذا القبيل."

"هل لك أن توضّحي أكثر؟."

"لا يمكن أن تقتل نفسها في الثلاجة." قالت بنفاد صبر

"ولم هذا؟ ألأنّه أمر غير اعتيادي؟."

"لا! بل لأنّها..تعاني من فوبيا تجاه التجمد والمجمدات."

أجفل هيرشار تماما.


الفصل الخامس عشر:

صعدت آيرين وماريا على متن القارب. كان الطقس رائعا والهواء عليل والموج صاف تماما.

استندت آيرين إلى طرف القارب وحدّقت بالموج بينما لفحها الهواء العليل ولعب بشعرها العسلي.

"أفضل شيء لتصفية العقل هو صوت الموج." قالت بصوت مسموع.

نظرت إلى يسارها ووجدت حبيبين يمسكان بيديّ بعضهما البعض. تنهّدت قبل أن تقوم بفتح الرسالة التي أرسلها هيرشار بمناسبة الفالنتاين لها.

"اشتقت لك ولسماع صوتك أيّها الحمقاء." قرأتها لنفسها ثم ابتسمت.

"أحمق.."


*****************************


"فوبيا..ماذا؟." قالت ليسّا بينما توتّر هيرشار.

"ببساطة..كانت تخاف من الجليد والأشياء المجمّدة، كانت تتوتر حين تقوم بفتح الثلاجة..وكانت لا تشتري المجمّدات أبدا، لذلك..لا يمكن لها أن تنتحر بهذه الطريقة..كانت ستفقد الوعي قبل أن تصبح داخل الثلاجة."

توتّر هيرشار تماما.

"من يعرف هذه الحقيقة عنها؟." سألها

"الجميع..بمن فيهم حبيبها ليو."

"لماذا لم ينطق بهذا إذن حين اكتشفت جثتها؟." هتفت ليسّا.

"من يعلم." وفتحت ذراعيها على وسعهما

"حسنا..نشكرك على هذه المعلومة، الآن دور المعلومات المتعلقة بك..ماذا كنت تفعلين ليلة الرابع والعشرين من ديسمبر من السنة الماضية أي قبل حوالي شهر من الآن؟."

"كنت نائمة." أجفل هيرشار

"م-ماذا؟."

"كنت نائمة في المنزل فقد كنت مصابة بالزكام، نمت باكرا منذ السادسة مساء وحتى اليوم التالي."

"و-ومن يشهد على هذا؟."

"لا أحد..أعيش لوحدي."

"هل تريد شيئا آخر؟." ونهضت مباشرة

"ل-لا..شكرا."

غادرت ساندي المقهى بينما بقي هيرشار وليسّا.

"ما رأيك بها؟."

"حسنا..لقد قدمت معلومات مفيدة..لذلك.."

"ليست الفاعلة على الأرجح؟."

"ربما..وربما.."

ونهض وهو ينظر إلى ليسّا.

"تحاول التلاعب والتذاكي كالزوجة في رواية أجاثا كريستي، الجريمة الكاملة."

أجفلت ليسّا ثم ابتسمت.

"لم تعترف بالجريمة أو أنّها سترتكبها على الأقل." وغمزته.

"آه." وابتسم لها

"ماذا الآن؟."

"سنذهب إلى منزل مايك وروز..يسكنان في نفس المبنى وبالتالي سنزور كل واحد منهم ونتحدث إليه."

"أوه..هذا يختصر الكثير من الوقت."

"آه."

غادر الاثنان المقهى..بينما وقف ظل..

يراقبهما من خلف جدار المقهى.


*************************


وصل هيرشار وليسّا قبل الغروب بقليل إلى مبنى مكوّن من ثلاث طوابق..كان مبنى عادي تماما يقع في الشارع الستين.

تقطن روز في الطابق الثاني شقة رقم 5 بينما يقطن مايك في الطابق الثالث الشقة رقم 9.

وصلا الشقة رقم 5 وطرقا الباب مباشرة وبعد دقيقة فتحت لهم روز وهي ترتدي فستان منزلي بلا أكمام وردي اللون.

"أهلا..تفضلا."

كانت الصالة تدل على ذوق مرتفع..الكنب والخزانة والتلفاز والطاولات اصطفوا كلهم بطريقة رائعة للغاية.

جلسوا متقابلين وبادر هيرشار:

"ربما سمعت من ريك ما نحن من أجله هنا."

"آ-آه."

"حسنا..دعينا نختصر الأمر إذن."

"حسنا..كنت في ذلك اليوم وسط عائلتي طول اليوم."

"عائلتك؟."

"نعم..أبي وأمي وإخوتي، كنّا في منزل أبي وأمي منذ العصر حتى اليوم التالي."

"ولم تغادري المنزل أبدا؟."

"بلى..فعلت."

"إلى أين؟."

"خرجنا للتسوق أنا وشقيقتي وصديقتها التي كانت تزورنا."

"متى؟ وأين؟."

"حسنا..حوالي السابعة تقريبا، فقد كان الوقت قد أصبح ليلا منذ قليل من الوقت، أما أين..فقد كان متجر كارفور في الشارع السبعين."

"وهل بقيتم معا طول الوقت؟ ومتى عدتم إلى المنزل؟."

"عدنا حوالي العاشرة، ونعم..لم نفترق أبدا، تستطيع سؤالهما إن أردت."

"إفادتهما لا تؤخذ بها." قالت ليسّا بابتسامة

"أوه..حقا؟."

أومأت ليسّا ثم غادر الاثنان وصعدا للطابق الثالث..طرق هيرشار الباب ففتح مايك الباب وكان يضع سماعات ويمسك بهاتفه بينما كان يرتدي قميصا أصفر على بنطال قصير من الجينز.

"إن كنت تريد سؤالي عن الذي كنت أفعله ليلتها فهو ما تراه الآن." قال من دون أن يفسح لهما المجال.

"هاه؟."

"ببساطة..كنت في منزلي أسمع الموسيقى وألعب ألعاب الكترونية، انظر.." ووجّه شاشة هاتفه نحو هيرشار الذي نظر ووجده يلعب لعبة game of thrones.

"هيه..من الجيد الشفافيّة أنّك لا تمتلك دليل براءة."

"ألن يدخلنا هذا الوغد؟." قالت ليسّا لنفسها

غادرا بعدها ووقفا في الشارع أمام المبنى..حدّق هيرشار بالشمس وهي على وشك أن تغرب.

"لم نستفد الكثير." قالت ليسّا

"آه..بقي أن أتصل بالوغد ليو وأسأله ذات الأسئلة."

وفعل.

"ماذا كنت أفعل ليلتها؟ حسنا..بقيت في المنزل أفكّر مترددا إن كان يتوجب عليّ الذهاب إلى الموعد الذي بيننا أم لا إلى أن اتخذت القرار بعدم الذهاب."

"أنت لوحدك في المنزل صحيح؟."

"آه..أسكن لوحدي."

"حسنا..شكرا." وقبل أن يقفل الخط قال:

"أوي! لماذا لم تتكلم عن فوبيا فتاتك؟."

"فوبيا؟ آ-آه..كنت مصدوما لذلك لم أنتبه إلى هذا..كما كنت مؤمنا أنّها لا يمكن ان تكون قد انتحرت."

"ممم." ثم أقفل الخط

"ماذا ستفعل الآن؟." سألته بينما وقفت إلى جواره

"أريد العودة إلى المنزل..أشعر أنّني متعب."

"لم لا نقضي بعض الوقت على الشاطىء معا؟."

أجفل هيرشار ثم أجفلت..وفي اللحظة التالية كان وجههما بلون الدم.

"آ-آه..انس الأمر." وضحكت ثم أشاحت بوجهها بينما قالت لنفسها:

"أنا حمقاء!." ووضعت يدها على صدرها.

شرد هيرشار أيضا..ليوقظه من شروده رنّة هاتفه.

أجفل تماما وكاد يسقطه من يده..فتح الخط دون أن ينتبه على الاسم.

"لا أعلم لماذا بادرت بالاتصال بك لإخبارك بالمعلومات."

"إ-إيه؟ ضابط توم؟."

"آه."

"ما المعلومات؟."

"لقد تحققنا من العجوز وأريناه الكرة التي عثرنا عليها."

"وبعد؟."

"أكّد أنّها جزء من العقد."

"كان أمرا متوقعا."

"حسنا..وغير المتوقع أن يكون العقد أو جزء منه في منزل الفتاة."

"هذا ما تحدّثنا عنه منذ البداية..هل عثرتم على باقي العقد؟."

"لا."

"هل هذا يعني أنّ اللصوص اكتشفوا الأمر وهجموا ليستردّوه؟ هل هم في النهاية من قتلها؟." فكّر مع نفسه.

"حسنا..وداعا هيرشار."

"آه..وداعا."

وأقفل الخط.

"الوقت متأخر نوعا ما..سأوصلك إلى منزلك." قال لليسّا التي مازالت خجلة.

"و-و.." وأشاح بوجهه

"سأجلس قليلا ونشرب شايا معا." وحكّ خدّه بإصبعه.

"ما الذي أفعله بالضبط؟ ابتسامتها تحزنني وتجعلني أريد إرضاءها نوعا ما."

"اللعنة! أنا أزيد الأمر سوءا هكذا أصلا!."


**********************


وصل هيرشار وليسّا إلى منزلها..صعدا الدرج ووقفا أمام الباب..فتحت ليسّا الباب ودخلا.

دخل هيرشار خلفها بينما أجفل.

"ه-هناك..من يراقبنا." قال لنفسه وقد توتر

"سأقوم بإعداد الشاي." خرجت من المطبخ ووصلت الصالة.

"ه-هيرشار؟."

"هيرشار؟."

أجفل هيرشار.

"آه..شكرا لك." علّق

"كيف تحبّه؟."

"بلا سكّر." قال ثم نظر خلفه..استدار ومشى إلى الخارج ثم نظر إلى صندوق البريد المعلّق بجوار الباب.

"الصحيفة اليومية."

"ليسّا غادرت باكرا.."

"أخبريني..متى تأتي الصحيفة عادة؟."

"عند الثامنة والنصف تقريبا."

أجفل مرّة أخرى.

"كما توقعت..أ-أنا..مراقب." وحدّق حوله مرهفا السمع بينما كان الليل هادئا وساكنا.

"الشاي جاهز." هتفت ليسّا

"لأشرب الشاي ثم أرى. هل أنا المراقب أم ليسّا؟." قال لنفسه ثم جلسا متقابلين ولم يتحدثا. هي كانت خجلة وهو يفكّر في أمر المراقب.

بعد ربع ساعة أنهى الشاي ونهض قائلا:

"شكرا لك." فابتسمت له بينما توجّه نحو الباب وتبعته إليه.

"تصبحين على خير."

"تصبح على خير."

أقفلت الباب بينما نزل هيرشار الدرج ببطء..استدار ومشى حول جدار المبنى.

توقف في المنتصف.

"من أنت؟ ولماذا تلحق بي؟."

بينما وقف ظلّ خلفه..كان القمر في السماء بدرا رائعا.


الفصل السادس عشر:

ألقت ليسّا نفسها على سريرها وتأملت السقف متنهدة.

"تبّا! ما الذي أقوم به بالضبط؟."

"حقا.."

"الحبّ شيء غريب و.."

"مذلّ."


*********************


استدار هيرشار ووجّه الضوء نحو الشخص الذي يقف خلفه..الضوء من هاتفه الذكي.

أجفل تماما.

"م-ماذا تفعلين هنا؟."

ابتسمت له بينما أظهر الضوء لباسها..لاتكس أحمر اللون، وضمادات تلفّ وجهها..لاتكس وومان!

"مرّ وقت لا بأس به..صحيح؟."

"آ-آه."

"جئت في الواقع لأقوم بإنارة بعض الظلام على القضيّة التي تفكّر فيها."

"م-ماذا؟." أجفل تماما

"هل تركت حبيبتك تلك وتواعد ذات الشعر الأحمر الآن؟ هي جميلة جدا وذات قوام ممشوق على أي حال."

"لم يحصل أي شيء من هذا القبيل." فابتسمت.

"حسنا..أخبريني، ماذا عنيت بما قلته؟."

"آه..ببساطة.." 

"أنا المسؤولة..عن تواجد قطعة من العقد في منزل الفتاة."

أجفل هيرشار تماما.


**************************


انطلق الباص الذي يقل آيرين وماريا عائدتين إلى المدينة بينما كانتا متعبتين.

"إن كنت ستصلحي الأمر مع هيرشار.." فنظرت آيرين نحوها.

"اجعليه هو من يبدأ بهذا." فابتسمت لها.


************************


"ك-كيف هذا؟." قال هيرشار بينما هبّت نسمة هواء عليل عليهما.

"هل الأمر صعب جدا؟ أنا من أوصله هناك."

"ل-لكن..هل أنت من سرقه؟."

"نعم."

"هاه؟!." فابتسمت.

"ألم أقل لك أنّني قادمة لإنارة بعض الظلام على قضيتك؟."

"آ-آه..لكن.."

"ببساطة..سرقته من الذي سرقه."

"م-ماذا؟."

"سأخبرك بالتفاصيل.."

وبدأت.

"لقد أعجبت بذلك العقد فقد رأيته صدفة في ذلك المحل، وبينما كنت معجبة به فجأة اكتشفت انّه قد سرق.."

"وبالرغم من أنني أستهدف الجواهر أكثر..إلا أنّ ذلك العقد لم يخرج من تفكيري، لذلك قررت سرقته من الشخص الذي سرقه."

انتظر هيرشار وهو متوتر.

"وبالفعل..عرفت من سرقه ببعض التحقق البسيط وعندها قمت بسرقته منه..بالقرب من أعلى بقع البلاد." أضافت الجملة الأخيرة بنبرة غريبة

"م-ماذا؟."

"لكن..فجأة وجدت فتاة حزينة ومكتئبة تقف هناك، فقرّرت.." وفتحت يديها على وسعهما

"إفراحها..بإهدائها العقد!."

"هاه؟!!." لكنّه فكّر بعدها

"هل يفسّر هذا الخلاف وسبب مقتل الرجل؟ أنّهم قاموا بقتله لتضييعه عقدا بهذه القيمة الكبيرة؟ وسمعت أنستازيا ذلك؟."

"بالضبط..قتله شريكاه كما يبدو."

"ولم تخبري أحدا؟ مثال رائع على لصّة."

"لا تكن وقحا هكذا وأنا أقوم بمساعدتك الآن!."

"وبعد؟ ما الذي حصل بعدها؟."

"لسبب ما..وصلت منزل الفتاة عند الفجر تقريبا."

"الفجر؟."

"نعم..ودخلت المنزل بنيّة وضع العقد في منزلها فتتفاجأ حين تستيقظ، كنت أنوي ترك رسالة لها أيضا."

"وبعد؟."

"حين دخلت المنزل كان مضاءا ولم يبد أنّها نائمة."

توتر هيرشار.

"اعتقدت أنّها لم تعد إلى المنزل..لكنني اكتشفت وجود حذائها في الخزانة."

"حذائها؟ فتاة مثلها ستمتلك الكثير من الأحذية."

"نعم..لكنّني رأيت ما كانت ترتديه في ذلك اليوم."

"آه..أكملي."

"وهناك..في تلك اللحظة.."

"وبالصدفة..اكتشفت جثة الفتاة داخل الثلاجة."

صعق هيرشار كلّيا.


الفصل السابع عشر:

"م-ماذا..م-ماذا قلت؟!." هتف هيرشار

"كما سمعت..لقد عثرت على الفتاة ميّتة في الثلاجة."

"هاه؟!! ما هذا الهراء؟! أتأتين لتخبريني أنّك عثرت على الفتاة ميّتة في الثلاجة وغادرت المنزل كمن رأى قطعة لحم يشتهيها مجمّدة في الثلاجة فغادر لأنّه سيأكلها في اليوم التالي؟!!."

"م-ما هذا التشبيه بالضبط؟."

"أنت الذي يجب أن تفسّري الهراء الذي قلته!!."

"ا-اهدأ." فانتظر هيرشار

"ببساطة..لم أكن قادرة على إبلاغ أحد حول الجثة."

"ولماذا؟."

"لأنّني ببساطة..تعرّضت لهجوم داخل منزلها."

"م-ماذا؟!."

"ه-هوجمت؟!."

"نعم..بينما كنت قد اكتشفت الجثة، سمعت أصواتا في الخارج..وفجأة بينما كنت أقف عند طاولتها قرّرت أن أضع العقد في الدرج وأبقيه لها، لكن للأسف حين سمعت الأصوات توترت فأغلقت الدرج على العقد لتبدأ قطعه بالانقطاع..سمعت الأصوات تقترب فقرّرت أن لا فائدة من الأمر فبدأت بأخذ الحبات ووضعها في جيبي..وغادرت المنزل."

"وبعد؟."

"هوجمت في الخارج..ضربت بعصا حديدية قوية وتمّ سرقة العقد مني."

"وهل أفقدتك الضربة ذاكرتك مثلا؟."

"لا." وبدأت بخلع الضمادات وسط تفاجؤ هيرشار، وحين أزالت الضمادات وجد ضمادات أخرى ملفوفة تملأها الدم.

أزالتها عن رأسها وأرت هيرشار رأسها بعد أن أزاحت شعرها.

"ه-هذا.."

"نعم..عصا بإبر حديدية."

ارتعش هيرشار من تخيّل دخول الإبر في رأسها.

"لم أخرج سوى منذ بضعة أيام فقط."

"ف-فهمت."

"وبعد؟ هل أنير الظلام قليلا؟." وبدأت بلفّ رأسها مجددا لكن هيرشار غرق في التفكير.

"بناء على هذا..فإنّ الوقت الذي ارتكبت فيه الجريمة هو كما توقعت، ليلة عيد الميلاد..بين العاشرة مساء حيث انطلقت الألعاب النارية حسب كلام الناس..و.."

"الفجر."

"وأيضا هذا يعني.."

"لا يمكن لأنستازيا أن ترسل الأغنية بهذه السرعة.."

"وبالتالي.." وتوتر تماما

"القاتل هو.."

"من امتلك دليل براءة مثالي تماما."

"ماذا أيها الفتى الساحر؟." وجدته يبتسم

"آه..لم ينر جزءا..بل أنار الحقيقة كاملة."

"أوه."

حدّق هيرشار بالقمر..سيواجه القاتل الذي أراه وجه آيرين جثة.


الفصل الثامن عشر:

وقف الظلّ في الحديقة..مرتفعات زيمان.

وقف يحدّق حوله متوترا بينما كان بالقرب من الشجرة التي كانت أنستازيا تقف عندها.

"تبا! ماذا يريد في وقت كهذا؟."

ونظر حوله..لماذا المكان هادئ هكذا؟.

"أنا من أرسل لك الرسالة."

أجفل الظلّ ووقف متجمدا في مكانه..كان الصوت من خلفه فاستدار ببطء.

"فقد حان الوقت لإماطة اللثام عن حقيقة هذه القضية."

أجفل الظل وارتعش..وجّه هيرشار الضوء من هاتفه الذكي نحو الظل ببطء.

"أليس هذا صحيحا؟.." وابتسم

"روز!."

أجفلت روز بينما انعكس الضوء على وجهها. 

كانت ترتدي قميصا أبيض على تنورة سوداء قصيرة، في حين سرّحت شعرها البرتقالي اللون بأناقة.

"م-ماذا تعني بهذا؟ هل أنت من أرسل الرسالة؟ ما الذي تحاول القيام به؟."

"آه..أنا من أرسل الرسالة..وأخبرتك بالسبب."

"هاه؟! إماطة اللثام عن القصية تقول؟! أتعني أنّني القاتلة؟."

"نعم!." فأجفلت تماما

ضيّق هيرشار عينيه تماما..لم يكن المكان مظلما..دقتّ الساعة في مكان قريب معلنة انتصاف الليل.

"هه..ما هذا الهراء؟! تكلّم!."

"كنت هادئة نسبيّا مقارنة بساندي..فلم أنت متوترة هكذا الآن؟."

"هاه؟ متوترة؟! بالطبع سأكون متوترة وغاضبة لأنّ فتى يلعب لعبة التحريات يقول أنّني قاتلة!."

"وبعد؟."

"أ-أنت!." هتفت فقد استفزّها.

"حسنا..من الأفضل أن ندخل في التفاصيل."

"أنت من ارتكب جريمة القتل..أنت من قتل زميلتك أنستازيا!."

ارتعشت لكنّها حافظت على وجه جامد.

"ما دليلك على هذا؟."

"الدليل هو وجودك هنا الآن."

"م-ماذا؟."

"لقد أرسلت لك رسالة تقول أنّني رأيتك في ليلة الميلاد هنا..لنتحدث في ذات المكان حول سبب هذا."

اجفلت وتوترت.

"لو كنت بريئة..لقمت بالاتصال بالرقم والتكلّم معه، لكنّك أصررت على المجيء..أتعرفين لماذا؟."

ارتعشت.

"لأنّك كنت تخططين لدفن الشخص الذي أرسل الرسالة هنا، والدليل على هذا.." وأشار إلى الأرض

"الحقيبة التي هنا والتي فيها عدّتك الخاصة بالأمر!."

حدّقت إلى أسفل على يمينها وارتعشت.

"آ-آه..أنا.."

"من قتل أنستازيا."


****************************


قصّت روز التفاصيل الكاملة بعدها.

كان بعض التفاصيل مفاجئا قليلا.

حصل الأمر كالتالي..

بينما كانت أنستازيا تقف منتظرة وآملة أن يأتي ليو، برز ريك من مكان ما وبدأ بالحديث إليها.

كان الحديث ودّيا وعاطفيا..وكان هناك من شاهد كلّ شيء.

كانت روز!

والتي كانت تحبّ ريك..غادر ريك بعدها لاعتقاده أنّ ليو سيأتي، وبقيت روز التي اشتعل الغضب في قلبها واقفة.

في المقابل..أنستازيا شهدت ما حصل لاحقا، الخلاف بين أعضاء عملية السرقة وخلافه..لتتكون في عقلها كلمات الأغنية.

وتعود إلى المنزل عند منتصف الليل.

وحصل الأمر بعدها..


"قتلتها! آه..فعلتها! لقد أعماني الغضب تماما وخصوصا وانا أرى ريك يقوم بتقبيلها وحضنها بينما هو كان يقول دوما أنّه لا يكنّ لها أي مشاعر وهي كانت تقول أنّها مغرمة بليو حبيبها!."

"هل تحدّثتما حين دخلت المنزل؟."

"آه..قلت لها بهدوء، فلنحتفل بليلة الميلاد سويّا."

ضيّق هيرشار عينيه غاضبا.

"وعندها اقترحت عليها أن نشرب قليلا..وبينما ذهبت لتقوم بإحضار المشروب، خطرت لي الفكرة.." 

"أن تستعملي الفوبيا التي تعاني منها."

"إ-إيه؟ من أخبرك بأمر الفوبيا؟."

"أكملي."

"آ-آه..قرّرت فعلها، كنت أعلم أنّها تعاني منها فقد استغرقت خمسة دقائق لتحضر المشروب."

"وبينما كنت أفكّر في كيفيّة القيام بها..اقترحت أن تريني بعض الحاجيات الخاصة والتي تنوي الاستغناء عنها."

"ورأيت الثلاجة التي أعرفها وتذكّرتها..واكتملت الخطة بالنسبة لي، سأضعها في هذه الثلاجة فهي لن يشكّ أحد بأمرها أبدا، فلا أحد سيتوقع وجودها في غرفة كهذه وفي ثلاجة غير مستعملة..حتى لو كانت موصولة فعي لا تصدر صوتا والسلك خلفها."

تنهدت بعدها.

"كان الشيء الوحيد الذي نسيته هو احتمال ظهور شارلوك هولمز مثلك." وسكتت قليلا متنهدة.

"وهناك..خدّرتها ثم وضعتها في الثلاجة بعد أن وصلتها ووضعتها على وضع التجميد بخفض درجة الحرارة تماما."

"علمت أنّ الأمر سينتهي بسويعات أو ربما أقل..ولن تستفيق من المخدر أبدا، وحتى لو فعلت ستفقد الوعي مباشرة." وارتعشت أكثر

"ثم انتبهت على الأغنية التي كتبتها؟."

"لا..أخبرتني هي بها، وهناك فكّرت.."

"بغض النظر عن متى سيتم اكتشاف الجثة..أستطيع تضليلهم بإرسال الأغنية مما سيغيّر من تقديراتهم لتوقيت الوفاة." وبدأت بالقهقهة.

"لماذا لم تقومي باتخاذ خطوة نحو اكتشاف الجثة بشكل أبكر؟."

"لم يكن هناك داع لهذا..كلما زادت المدة زاد صعوبة تحديد الوقت والضياع مع الأغنية التي أرسلت." وقهقهت مجددا.

"ما الذي يضحك يا هذه؟ أنت مجرد مجرمة!."

"آه..إنه مضحك." وكانت نظرتها كمن فقد عقله

"لأنّني استطعت التخلص منها قبل أن تدمّر حياتي التي ولدت فجأة."

"م-ماذا؟."

"لم أحصل في حياتي منذ ولادتي إلى اليوم على شيء أردته، وبينما كنت بدأت أحبّ ريك وهو يحبّني..شعرت أنّ الحياة تغيّرت وابتسمت لي..لكن..تلك الحمقاء! أرادت تخريب هذه الحياة بسرقة ريك مني!!."

"أنت مخطئة روز!."

أجفلت روز ونظرت إلى يسارها..برز ريك من خلف جذع شجرة.

"ر-ريك..لماذا؟."

"أنا من طلب منه المجيء." قال هيرشار

"إ-إيه؟."

"روز..أنا وأنستازيا لم نكن على علاقة مما تتخيلينه، فقط..كنت في ذلك اليوم قد أردت إخبارها بشيء عرفته منذ مدة بسيطة.." وأشاح بوجهه

"أنّني وهي...شقيقان!."

اتّسعت عينا روز مجفلة تماما بينما كان هيرشار يشعر أنّ شيئا مشابها هو الحقيقة.

"ه-هاه؟ م-ما الذي تهذي به ريك؟."

وحين لم يجبها ريك..سقطت أرضا باكية وصارخة.


الفصل التاسع عشر:

"ل-لماذا..لماذا اعتقدت أنّني القاتلة؟."

قالت روز بعد وصلة من البكاء والكلام مع ريك لعشر دقائق لم يقاطعهم فيها هيرشار.

"لأنّك الوحيدة..التي امتلكت دليل براءة مثالي."

"م-ماذا؟."

"الجميع كان لوحده ممّا يجعله مثيرا للشبهات بينما كان ريك هنا..الوحيدة التي كانت برفقة أشخاص طول الوقت هو أنت."

"ل-لكن..عندها.."

"آه..أنت اعترفت بنفسك، كنتم في كارفور الشارع السبعين، ومن بوابته الخلفية يمكن الصعود إلى مرتفع زيمان، تحججت بالذهاب إلى الحمام لتتابعي الأمر صحيح؟ أخذ منك الحمام عشرين دقيقة حسب ما علمت من شقيقتك وصديقتها..لكنّهما قالتا.."

"إنّه أمر طبيعي..النساء هكذا دوما."

"يعنين من أجل المكياج وخلافه..وفي النهاية حين نام الجميع غادرت المنزل وذهبت لتقتليها." 

"هيه." وركعت على أربع

"لكن..حسنا، لم يكن هذا هو السبب الوحيد." أكمل هيرشار.

"م-ماذا؟."

"ببساطة..أنت منذ أن التقينا بك، لعبت على وتر نفسي بين الرغبة في جعلنا نقرأ كلمات الأغنية بسرعة والرغبة في عدم اكتشافها..حافظت على توازن مشكوك به."

"م-ماذا؟."

"أنت كنت قد قلت.."

"حسنا..في الواقع، لم تكن في الفترة الأخيرة مكتئبة إلى حدّ الاختفاء..بل.." 

"كانت إشارة ليذكر الأغنية أحد الأعضاء."

"لا يمكننا أن نعطيك كلمات أغنية..قد تقوم بتسريبها إلى الإعلام وعندها لن يكون الحفل القادم مفاجأة." 

"وهنا اللعب العكسي."

"ذ-ذلك الفتى المتحري هو أنت؟!." 

"هذا رائع! لو قلت هذا من البداية." 

"فلنعطه إذن..لا داعي للقلق." 

"وهنا شجّعتهم على إعطائي الأغنية."

ضحكت روز ساخرة.

"اللعنة! من يواجهك يجب أن يحسب حسابا لكلّ كلمة تخرج من فمه." وحدّقت في الأرض.

"ر-روز.." قال ريك فرفعت رأسها ونظرت إليه.

"أ-أنا..آسفة..ريك." وبدأت بالبكاء من جديد.

"فلتعبّري عن أسفك حقا..بتسليم نفسك." قال هيرشار ثم حدّق إلى القمر.

"لقد قتلت نفسا زكيّة بدافع أحمق..و.."

"قتلتني.."

"بجعلي أرى وجه آيرين الميّت."


************************


وقف هيرشار يحدّق في السماء بعد أن انتهى كلّ شيء.

رنّ هاتفه فنظر ووجد رقم ليو..أجاب:

"ما الأمر؟."

"لقد علمت بالأمر..روز هي القاتلة! لا أكاد أصدّق!."

لم يعلّق هيرشار.

"أخبرني.." قال بعدها

"ماذا؟."

"لماذا ستحتفظ فتاة تعاني من فوبيا تجاه الأشياء المجمّدة بثلاجة في غرفتها؟."

سكت ليو قليلا ثم قال:

"لأنّه..ما يجعلني أحبّها."

"ماذا؟."

"لقد حاولت التغلّب على خوفها من هذه الأشياء بوضع ثلاجة في غرفتها، لكن..للأسف."

"زاد خوفها من هذه الأشياء أكثر." أكمل هيرشار

"نعم."

"فهمت." وأقفل الخط..تأمّل السماء ثم قال:

"كمن يواصل العمل ويتمنّى التوقف عن الشرب أو الإقلاع عن التدخين أو التوقف عن الإجرام.."

"أو.."

"أو..كمن يتمنّى ويعمل على البقاء مع من يحبّ دائما.."

"ليغلب الطبع التطبّع."

"ويقوده هوسه..نحو الخسارة."

"هل كانت تتوقّع يوما..أنّ ما تخاف منه، سيكون سبب موتها؟." وتنهّد.

"لماذا لم تخبرني أنّك وصلت للحلّ؟." أجفل وأدار نفسه ليجد ليسّا تقف خلفه.

"ل-ليسّا؟ ما أدراك؟."

"سمعت صوت حديث خارج المنزل وحينها رأيتك تقوم باتصالات وتغادر مسرعا فقررت أن أتبعك."

"آه آسف. لم أرد إزعاجك فقد أزعجتك بما فيه الكفاية." كان القمر بارزا بوضوح.

"ربما لا تعتقد هذا بل تعتقد أنّني أنا إزعاج لك صحيح؟." ليجفل بينما نظرت نحو القمر.

"هذا غير صحيح أبدا." قال

"الحبّ غريب فعلا.." تمتمت "قد تحبّ شخص بجنون ولا يبادلك هو هذا الحبّ فتشعر بشعور الشخص الذي قام بكل شيء ليصل لهدفه ليكتشف أنّ ما قام به لم يقرّبه خطوة حتى بل أعاده للوراء. سيكون محبطا ومقهورا وحزينا.." وارتعشت بينما لم يعد صوتها ثابتا.

"أنا أيضا حمقاء لكن..لكن.." وبكت فأجفل هيرشار.

"شعور الرغبة بالبقاء مع من تحبّ شعور قاتل وجاذب. حتى لو كنت تدرك أنّ البقاء هذا مؤقت ولن يقود لشيء." واصلت لكن لنفسها.

"هذا غير صحيح." قال هيرشار فنظرت إليه "الحبّ قد لا يكون بالضرورة شيئا متبادل. قد يأتي مع الوقت ويكبر مثلما يحصل في حالات زواج لم تكن مبنية على قصة حبّ سبقتها. لو سألتني السؤال التالي (هل تشعر تجاهي بالحبّ؟) لربما تكون إجابتي.." فأجفلت.

"لقد فعلت. عدم استمراره جعلني أدرك أنّه إعجاب وليس حبّا ربما لكنّ الإعجاب جزء من الحبّ في النهاية." أجفلت كليّا. "الأمر مرتبط بالخيار، أنا أحبّ آيرين وأريد أن نكون معا وفي ذات الوقت أنا معجب بك لكنّني لا أستطيع أن أكون معك." وسكت قليلا ثم نظر نحو السماء "هناك حقيقة واحدة بالنسبة لي.." وأنزل رأسه ونظر نحوها "أنا لا أستحق حبّك ولا حبّ آيرين حتى."


الفصل العشرين:

حين وصلت آيرين أخذت حماما وخرجت وقد ارتدت كنزة خضراء على بنطال رياضي أبيض. كانت الساعة متأخرة لكن والده خارج المنزل يلهو مع أصدقائه.

أجفلت بصوت جرس الباب فقامت بالوقوف عنده مترددة.

"من؟."

"أنا." أجفلت. كان صوت هيرشار!

فتحت الباب ونظرت إليه. ابتسم لها بينما أشاحت بوجهها محرجة لتجفل بهيرشار يقوم بعناقها بقوة.

"ه-هيرشار.." تمتمت مجفلة.

"أنا سعيد لرؤيتك مجددا."

"إيه؟." بينما كان هيرشار يسترجع وجه الفتاة التي تشبه آيرين وهي جثة فهزّ رأسه بقوة ليعود وجه آيرين الواقفة أمامه فابتسم لها.

"ما بك؟ هل حصل شيء؟."

"لا. اشتقت لك فقط." وغمزها فأجفلت وأشاحت بوجهها المحمرّ.

"حصل شيء إذن. لم تكن تقول هذا الكلام من قبل."

"ربما حصل فعلا." فأجفلت بينما أجفلت أكثر به يقوم بتقبيلها على وجنتها وهو يقول لنفسه:

"حصل ما جعلني أدرك أنّني لا أستطيع العيش من دونك." ليتصالح الاثنان بينما أعطت آيرين هدية اشترتها من السوق لهيرشار.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق