نعيد في هذا البوست نشر قضية جانبية جديدة بعنوان "مايكل في خطر". القضية إن أردنا وضعها من ناحية الإطار الزمني تقع بين نهاية رواية "الشيطان" وما قبل بداية أحداث رواية "جنون الانتقام." وسيكون بطل أحداثها من بدايتها حتى نهايتها هو كريس! حيث تتلقى كريس مكالمة من شخص ما يخبرها أنّ مايكل محتجز لديه وأنّها إن أرادت إنقاذها عليها (قتل) شخص ما. كيف ستتصرف كريس في هذا الموقف؟ وكيف سيكون ل "ليون" حتى وهو غير موجود دور يساهم في إخراجها من مأزقها؟ من ناحية أخرى سيظهر والدي هيرشار لأول مرة قبل أن يظهرا رسميا في الرواية الخامسة "الشيطان امرأة وقضايا أخرى."
جلسوا مجموعة مع بعضهم البعض على طاولة يتحدّثون في قاعة اجتماعات كبيرة طاولتها دائرية ولها إضاءة من المنتصف في السقف..قال أحدهم:
"يا لها من فتاة..عينان زرقاوتان، شعر أشقر ساحر، قوام ممشوق، صدر كبير، ودماغ رائع." وحدّق بالباقين وأكمل:
"ينقصها أن تكون هنا بيننا." قال آخر وفي فمه سيجارة
"سندخلها في اللعبة..ولو بغير إرادتها." نظروا إليه فأكمل:
وألقى الصورة على الطاولة في المنتصف، صورتها، كانت تلك..كريس!
استيقظت كريس صباحا وهي تتمطّى وتتثاءب..رأت مايكل جالسا على السرير وظهره لها وهو عاري من الأعلى ويرتدي سروالا رماديّا قصيرا..رأت هاتفه على أذنه وكان ينهي مكالمة..نظرت إلى الساعة فرأتها السابعة صباحا.
أحسّ بحركة على السرير فقال:
وتوجّهت على السرير إليه وعانقته من الخلف بيديها فأمسكهما..قالت:
"العمل." وابتسم لتنهض وتقف أمامه.
"عند السابعة؟ أهم مجانين؟." فضحك وقال:
"لا، إنّه مديري المباشر يخبرني أنّه يريد معي في حديث معي بمجرد أن أصل."
"إ-إيه؟ هل كل شيء على ما يرام؟."
"آه لا تقلقي حلوتي." ونهض ومرّر يده على وجهها.
"أخبرني أنّ هناك رحلة كما يبدو من أجل العمل وستكون خارج البلد."
"نعم. سأكون من ضمن الذاهبين."
"على كل سيتحدث معي حول التفاصيل اليوم وسأعرف أكثر منه حلوتي."
وصل مايكل إلى مقر الشركة عند الثامنة صباحا وهو يرتدي بدلة رمادية اللون. توجّه مباشرة إلى مكتب مديره كما طلب منه فطرق الباب وسمع "ادخل." ليفتح الباب ويجد مديره جالسا خلف طاولة مكتبه.
"أهلا مايكل. آسف على إزعاجك منذ الصباح."
"لا بأس." وجلس مقابله على اليسار.
"حسنا..في الواقع سبب إزعاجي لك أنّني أزعجت أيضا." فرفع مايكل حاجبا.
"في الواقع تلقيت اتصالا وأنا نائم من أحد زبائننا اللذين نتعامل معهم في ألمانيا ونظرا لفرق التوقيت فهو كان في العمل كما يبدو." وضحك فابتسم مايكل.
"يبدو بأنّه نسي أنّ هناك اختراع يدعى إيميل أو ما شابه، على أيّ حال فما أخبرني به أنّه يريد منّا إحضار وفد من شركتنا لألمانيا من أجل التدرب على أساليب جديدة وقواعد جديدة. ستكون من ضمن الوفد كمنسّق ومراقب فأنا أثق بك."
"شكرا لك..من دواعي سروري هذا."
"قريبا جدا. خلال بضعة أيام."
"ل-لا.." وفكّر أنّه سيترك كريس لمدة شهر! لا يمكنه طلب إحضارها معه وكأنّ مديره قرأ أفكاره فقال:
"لا وجود لإحضار أيّ شخص مرتبط بالعائلة أو ما شابه."
"ربما.." قال مايكل لنفسه وخطرت له فكرة.
جلست كريس بعد مغادرة مايكل على السرير في الغرفة وهي تنظر حولها قبل أن تنهض وتقف أمام النافذة وتنظر نحو الخارج.
"كلّ ما حصل معي مع مايكل كان إعجازيا هاه لكن.."
"لقد مرّ بعض الوقت على تلك الحادثة. الحادثة التي جعلت أذكى رجل مرّ عليّ يصدّق أنّني متّ في ذلك اليوم.."
"لقد أتيت إلى هنا، بذات الاسم من أجل العثور على مايكل. كان من يفكّر في الأمر ربما يعتقد أنّها حركة غبية أن تأتي حيث يوجد من هربت منه لكن.."
"في النهاية أتيت بمهمة، ودخولي مختلف عن دخول الناس العاديين و.."
"آخر مكان ربما يفكر فيه أحد هو هنا. لا يمكن الاعتقاد أنّني هربت من شخص إلى المكان الذي يوجد فيه."
"كم سيمضي من الوقت قبل أن يكتشف ليون الأمر؟."
"نعم.." وعادت لتجلس على السرير.
"لا شكّ لديّ أنّه ربما سيفعل ففي النهاية..إذا عثر على السيارة سيستنتج الكثير و.." استلقت على السرير ونظرت نحو السقف.
"الاستنتاج لعبته الصغيرة التي لا يضاهيه فيها أحد."
"لكن.." ونظرت جانبيا نحو صورتها مع مايكل المؤطرة على الطاولة.
"عند حصول الأمر..ماذا سيكون تصرفه؟ وماذا سيكون شعوري؟."
"حسنا. أنا لا أكترث!." وابتسمت.
كان هذا ما تعتقده كريس لكن انكشاف الأمر في رواية "جنون الانتقام" غيّر من هذا الاعتقاد.
فتح مايكل باب منزله عند السادسة مساء..استقبلته كريس بطاولة مليئة بالطعام الشهي فنظر إليها بحبّ..كانت ترتدي كنزة بنفسجيّة بلا أكمام وبنطال رياضي أبيض..اقترب منها وقبّلها على وجنتها.
"هذه لحبيبي مايكل." وابتسمت له.
جلس مايكل على الطاولة وبدأ يأكل ثمّ قال:
فابتسمت وجلست..نظر إليها طويلا فقالت:
"هناك شيء أودّ إخبارك به." فانتظرت.
"حسنا..هي تأكيد على ما تحدثنا فيه صباحا."
"نعم، سأسافر مع أناس من الشركة إلى ألمانيا."
كان مايكل في الواقع قد ترك الشركة التي كان يعمل معها وانتقل إلى أخرى سريعا، وهذه الأخرى شركة عالميّة لذلك قرّرت إرسال موظفيها الجدد في دورة تدريبيّة لألمانيا.
أخفضت رأسها وقالت وهي تزمّ وجهها.
ابتسم وهو يراها كطفلة أمامه، بل هي طفلة أصلا..طفلته الصغيرة.
"لا أستطيع أن أخبرهم أن يرسلوا زوجتي معي." وابتسم لها
"أعرف. مدّة طويلة..سأشتاق لك كثيرا."
"ستشتاق لي أم ستذهب إلى شقراوات ألمانيا؟." قالت بنبرة طفولية فابتسم.
"غبيّة..هل ينظر من يملك الذهب إلى الفضّة؟." فاحمرّ وجهها.
"غدا..في الواقع فكّرت أنّه يمكننا حجز رحلة لك على حسابنا حلوتي لكن عندما أخبرني أنّ الرحلة في الغد اعتقدت أنّه قد لا يكون ممكنا. لكن أعدت التفكير في الأمر وربمكا يمكننا فعلها وتلحقين بي بعد بضعة أيام."
"لا داع لهذا. ستكون الرحلة مفيدة لمعرفة إن كنت تركض خلف الشقراوات فقط أم لا." قالت وهي تغمض عينا واحدة فابتسم مايكل وقال:
"هناك شقراء واحدة أحبّها لكنّها غبيّة أحيانا."
في اليوم التالي عند الثالثة والنصف..ركب مايكل بجانب كريس في سيّارتها ال بي أم..ارتدى هو بدلة سوداء اللون بينما ارتدت هي قميصا بنفسجيّا على بنطال أبيض اللون..قادت به إلى المطار ووصلا إليه عند الرابعة..نزل مايكل ومعه حقيبة واحدة ثم دخلا إلى قاعة المغادرين وأنهى مايكل توزين الحقيبة ثمّ التفت وعانق كريس وقبّلها.
"سأشتاق لك كثيرا." قال لها
"وأنا سأشتاق لك أكثر." قالت مبتسمة.
اختفى مايكل في صالة الانتظار فغادرت كريس وركبت سيّارتها وعادت إلى المنزل.
وصلته عند الخامسة..مشت نحو الباب وحين اقتربت منه رأت عند الأرضيّة مغلّف..انحنت وحملته ثم فتحت المنزل وهي تنظر إلى المغلف..كان بلا عنوان ولا اسم..دخلت غرفة نومها وجلست على السرير وحدّقت بالمغلّف.
فتحته..كانت فيه ورقة مطويّة ففردتها وبدأت تقرأ.
يقولون بأنّ الفتيات عديمات الفائدة سوى للعلاقات والجنس. هل الأمر حقا كذلك؟
هل أنت مستعدة لتحدي..حضرة المتحرية الجميلة؟
انتظري تواصلي القادم أيّتها الجميلة.
وضعت كريس الرسالة على حضنها وهي تتسائل من يكون وراء هذا؟ وماذا يعني؟.
ألقت الورقة على السرير..نهضت ودخلت الحمّام لتأخذ حماما ثم خرجت بعد عشر دقائق تلفّ نفسها بمنشفة بينما شعرها الأشقر مبلّل.
**************************
في المساء كانت كريس تجلس في الغرفة لوحدها. كان شعورا غريبا غياب مايكل هكذا!
هل وصل أم ماذا؟ فكّرت بينما أعادت التفكير في الرسالة التي وصلتها.
نهضت عن السرير وتوجّهت إلى الهاتف بقلق..ه-هل..
أمسكت السمّاعة ووضعتها على أذنها.
"حلوتي!." صرخ مايكل على الخطّ فتنهّدت.
"نعم وصلت وأنا الآن في الفندق..كيف حالك حلوتي؟."
"بخير." وسكتت قليلا "اشتقت لك." فضحك.
"وأنا اشتقت لك حلوتي، حسنا..اعتني بنفسك حبيبتي."
ووضعت السمّاعة بعد أن سمعت صوت إقفال الهاتف.
توجّهت مبتسمة إلى السرير وألقت نفسها عليه.
"سأنام الليلة لوحدي..من جديد." وابتسمت.
**************************
استيقظت كريس وأخذت حمّاما.. حين خرجت ارتدت كنزة حمراء وبنطال رياضي أسود وذهبت إلى المطبخ وأعدّت رغيفا.
رنّ هاتف المنزل فأجفلت وقفزت مسرعة إليه لكنّها تعثّرت بسلك المجفّف فوقعت أرضا..شتمت في سرّها.
"كيف وصل إلى غرفة الجلوس!." قالت لنفسها
"كريس فينيارد؟." قال صوت أجشّ فارتعشت.
"يعرف اسمي كاملا؟." أكملت لنفسها ثمّ اعتقدت أنّه قد لا يكون مهمّا.
"ما رأيك بالجملة الأولى في رسالتي؟."
"الحمقى فقط من يعتقدون هذا..ما نوع التحدّي؟."
"أوه رائعة! استعدّي إذن..لكن قبل هذا، أعطني رقم هاتفك الخلويّ."
"هل تعتقد أنّني حقا سأفعل هذا؟."
"إذن أنت تريدين قطع التواصل بيننا." فأجفلت.
"ح-حسنا..سجّل عندك." وأعطته إيّاه.
"جيّد. والآن اذهبي إلى متنزّه الربيع..هناك قنبلة صغيرة ستنفجر هناك."
"ماذا؟ ألا تصدّقيني؟ ربّما يجدر بك الانتظار ورؤية فتيات مثلك يتحولن لأشلاء."
أجفلت وارتعشت بينما أقفل هو الهاتف.
"متنزّه الربيع..سبع دقائق مشيا من هنا."
ركضت نحو الباب وفتحته وخرجت مسرعة..فتحت سيّارتها وانطلقت إلى متنزّه الربيع..وصلت بعد ثلاث دقائق من قيادة بسرعة مجنونة.
أوقفت سيّارتها ونزلت مسرعة لكنّها توقفت مفكّرة.
"كيف سأعثر على شيء مثل هذا هنا؟." ونظرت حولها بترقب.
"من صوته واتّصاله وأسلوبه..لم يكن مجرّد مزاح."
ونظرت حولها..رأت على يسارها أسفل شجرة عند مقعد هناك ثلاث فتيات بدين في سنّ الثالثة عشر..كنّ يحملن في أيديهنّ أحمر شفاه ويلعبن به.
نظرت كريس إلى الفتيات مليّا وهي تفكّر ثم مشت نحوهم.
"أخبروني..من أين لكنّ أحمر الشفاه الجميل هذا؟."
"إذا أخبرناك..هل تعلّميننا كيف نجعل صدرنا كبيرا مثلك من دون أن نزداد وزنا؟."
أجفلت كريس وحدّقت بالثلاثة معا.
"اللعنة! ما هذا؟." قالت لنفسها مصعوقة.
"آ-آه، هذا كان طبيعيّا عندي لكن تستطعن فعل هذا بالأعشاب." وابتسمت وهي تقول لنفسها.
"اللعنة! كنت في الثالثة عشر أهتمّ بدبّي ويليام وقراءة الروايات!."
"حسنا..لقد أعطانا إيّاها عمّ كبير." قالت إحداهنّ.
"نعم.." قالت واحدة أخرى "قال أنّها هديّة لنا."
"طويلا وضخما ويرتدي معطفا رماديّا ويضع نظارة شمسيّة."
ابتلعت كريس لعابها بينما حدّقت بالفتيات.
"لا مجال للشك! القنبلة في داخل أحمر الشفاه..ماذا أفعل؟ كيف سأجعلهنّ يتنازلن عن أحمر الشفاه؟."
أجفلت حين رأت أحمر الشفاه يومض.
"سأخبركنّ كيف تجعلن صدركنّ كبيرا ولافتا للأنظار وجميلا، مقابل شيء ما." وغمزت الفتيات.
"أليست الأعشاب؟." قالت إحداهنّ
"اتّفقنا مقابل شيء، وهو أن تعطوني أحمر الشفاه هذا، ثلاثتكنّ." فحدّقت الفتيات ببعضهنّ البعض.
استمعت كريس إلى الكلام مذهولة..لعنت في سرّها.
سلّمنها أحمر الشفاه فابتسمت لهنّ لكنّها سرعان ما أجفلت حين رأت الضوء يومض أسرع..حدّقت حولها ثم نظرت إلى أحد علب أحمر الشفاه فظهرت أرقام عليها.
أجفلت..ركضت بسرعة ثم ألقت بالعلب في السماء.
كان دخان أسود يملأ السماء وصوت انفجار قويّ سمع..حدّقت كريس مرعوبة.
بينما تحمّست الفتيات خلفها واجتمع الناس يتسائلون.
عادت كريس إلى المنزل بعدها..كانت غاضبة.
"كيف يجرؤ على استغلال فتيات صغار؟."
وجلست على سريرها غاضبة لكنّها أكملت:
"مع أنّ كلامهنّ أكبر بكثير منهنّ." وتنهّدت
"من يكون؟ ولماذا؟ وما هدفه؟."
نهضت وذهبت إلى المطبخ..أعدّت إبريقا لعمل الشاي وعادت وجلست في غرفة الجلوس وفكّرت.
"حسنا، لن أهتمّ كثيرا ما دام الأمر صغيرا هكذا..سأتّصل بمايكل..هذا أفضل."
نظرت إلى الساعة..كانت الواحدة ظهرا.
"ما التوقيت هناك؟ هل سيكون في العمل؟."
سمعت صوت الماء يغلي فقفزت واتّجهت نحو المطبخ لكنّ صوتا آخر غيّر اتّجاهها نحو غرفة النوم..كان صوت نغمة هاتفها الخلويّ.
دخلت غرفة النوم وأمسكت الهاتف..فتحت الخط وقلبها يخفق..ربّما مايكل..يا له من تخاطر روحي!
"هل أعجبك اللون الأسود في السماء؟."
"قلت بأنّكنّ لستنّ عديمات الفائدة."
"لست مجبرة على فعل هذا..سأقفل." وهمّت بإقفال الخطّ
"أريد منك.." فوضعت الهاتف على أذنها من جديد.
"أن تقتلي شخص." ارتعشت..ارتعبت.
صمتت للحظات..ثم بدأت بالضحك.
"يبدو أنّك اخترت الشخص الخاطىء..الآن سأقفل فعلا."
"انظري إلى هاتفك..لديك رسالة." فأجفلت.
أزالت الهاتف عن أذنها ونظرت فكان هناك رسالة بينما أقفل الخط.
بدأ قلب كريس يخفق..من هذا المعتوه الأحمق؟
فتحت الرسالة لترتعش بشدة.
كان مايكل في الصورة مقيّدا ومكمّما.
سقط الهاتف من يدها فأسرعت والتقطته..ركضت نحو هاتف المنزل ونقلت الرقم الذي اتّصل منه مايكل البارحة فيها وطلبته.
"الرقم المطلوب الاتّصال به مغلق حاليّا."
سقط الهاتف من يدها على الأرض..وسقطت بعده كريس على ركبتها مرعوبة ومصعوقة.
استيقظت كريس وضعها على صوت هاتفها الذي سقط بجوار رأسها..كان هاتفها يرنّ فنظرت بتعب إلى الرقم لترتعش مجددا.
أجابت على الخط وقلبها يخفق بقوة.
نهضت كريس وجلست على الأرض.
"لا، لكن تبدو أنّها إجابتك."
"سأخبرك. من أستهدفه هو رجل وغد يدعى فرانكو روزيني وسأعطيك ثلاثة أيّام من الغد."
"ثلاثة أيّام من أجل ماذا؟."
"قلت لك لن أفعل! هل أنت أحمق؟!!." صرخت فحلّ صمت استمرّ لدقيقتين كاملتين فاعتقدت كريس أنّه أقفل.
"معك ثلاثة أيّام من الغد.."
أرادت أن تشتمه وتصرخ في وجهه مجدّدا لكنّه أكمل..
"وبالضبط بعد ثلاثة أيّام، في الخميس القادم عند الثانية عشر منتصف الليل منه..إمّا أن يكون ميّتا أو.." ارتعشت كريس.
"سيموت زوجك في حينها." وأقفل الخط
بقيت كريس تحدّق في الفراغ..آملة أن يكون حلما.
سألت ماريّا آيرين وهما جالستان في غرفة الجلوس في منزل سام..كانت ماريا ترتدي كنزة صفراء بلا أكمام وبنطال أبيض بينما آيرين ترتدي كنزة سوداء صيفية وبنطال أبيض.
"ماذا تعنين بالوضع مع هيرشار؟."
"علاقتكما وهوسه بالقضايا."
"هناك أمور لا يمكننا تغييرها." قالت بعدم اهتمام فرفعت ماريا حاجبا.
"حسنا، فلندع هذا الموضوع..هل حصلت على رقم هاتف مايكل من هيرشار؟."
"ل-لا، ليس بعد..هل وجدت له وظيفة؟."
"نعم، شركة بابا بحاجة إلى محاسبين."
"لم يعد هناك داع لتبحثي له."
أجفلت الاثنتان فالتفتت آيرين بينما رفعت ماريّا رأسها وشاهدا هيرشار واقفا عند الباب مرتديا قميصا أزرقا بأكمام طويلة وبنطال كتّان أسود.
"ماذا تعني؟." قالت ماريّا
دخل هيرشار وجلس بزاوية تسعين درجة بين كليهما..قال:
"لقد اتّصلت به ولقد حصل على وظيفة بل وسيسافر، أو سافر بالأحرى من أجل دورة تدريبيّة."
وانحنى عند الطاولة..كان هناك كعك وبسكويت فأخذ واحدة من كلّ نوع.
"أوه..هذا رائع!." قالت آيرين
"جيّد..أتمنّى له التوفيق." قالت ماريا
نظر إليها هيرشار وهو يقضم من الكعكة..قال لنفسه:
"بل كنت تتمنّين أن توظفيه لتسمعي الشكر والعرفان طول الوقت!."
"البارحة." وألقى ببقيّة الكعكة في فمه.
"ماذا تفعل هنا بالمناسبة؟." قالت ماريّا لهيرشار
نظر إليها وقضم قضمة من البسكويت.
"لست في منزلك أيّتها الحمقاء." قال لنفسه
"صحيح هيرشار!." قالت فنظر إليها
"الخميس القادم..هناك شيء مهمّ."
"وما هو؟." قال بغير اهتمام فقد أدرك أنّه غالبا سيكون بلا معنى إلا للفتيات.
"ســــرّ." تغنّت به وغمزته "فقط حضّر نفسك..لا تنسى."
نظرت كريس وهي مازالت على الأرض إلى الطاولة..كان هناك تقويم عليها.
ابتلعت ريقها..نهضت ومشت نحو غرفتها وهي ترتعش..الجوّ حارّ حاليّا لكنّها ترتعش خوفا..مايكل ليس في دورة، مايكل بيد وغد مجنون.
جلست على السرير..كانت تسمع تكّات الساعة في غرفتها وهي تفكّر بكلام ذلك المجنون.
"لماذا يريد قتل فرانكو روزيني؟ على ما أذكر هذا الرجل صاحب شركات عملاقة." شعرت بغصّة بعدها.
نهضت ودخلت الحمّام وبقيت تحت الماء الساخن لنصف ساعة حتّى احمرّ جلدها..خرجت بعدها وارتدت كنزة بنفسجيّة فوقها كنزة بيضاء بلا أكمام وبنطال رياضي أحمر.
جلست على سريرها وبدأت بالتفكير.
بدأت الشمس بالغروب وانعكس غروبها على غرفة نومها وضرب وجهها الأبيض وشعرها الأشقر.
بينما كانت كذلك..غطّت في النوم.
حلمت أنّها تمشي في ممرّ مظلم وجدرانه كلّما مشت أكثر ضاقت أكثر حتّى أحكمت قبضتها عليها.
استيقظت فزعة..نهضت عن سريرها وغسلت وجهها..سرّحت شعرها الأشقر وحملت مفتاح سيّارتها وخرجت بنفس لباسها.
"إلى منزل فرانكو روزيني." قالت وانطلقت بأقصى سرعة.
وقفت عند إشارة حمراء وتفقدت من الخريطة موقع منزله كما حدّدته.
"إنّه من هنا يمين ثمّ يسار بيسار، في منتصف الشارع الخامس والسبعين."
وأضاء اللون الأخضر فانطلقت كما تكلّمت..وصلت إلى الموقع بعد ثلاث عشر دقيقة..كانت الساعة تشير إلى الثامنة مساء.
حين وصلت أدركت أنّه ليس منزل بل قل سفارة أو قنصليّة..المنزل في النهاية كالقصر من مساحته العملاقة وحجارته الجديدة، وكسفارة نظرا للحراسة الشديدة أمامه.
"لقد قرأت عن هذا..جعل الكثير من الشركات تفلس بدهاء شديد وحنكة لذلك وصلته تهديدات لكن.."
"هذا لا يعني كلّ هذه الحراسة."
"لكن، لا بأس..فالمال هذا ما يفعله." ونهضت وخرجت من سيّارتها.
اقتربت من المدخل الخاص بالقصر وأجفلت حين أحاطها ثلاثة رجال من نوع الدبّابات من ضخامتهم..ارتعبت بينما قال لها من كان أمامها بينما اثنين من خلفها:
كان بعينين زرقاوتين وعضلات مفتولة وضخم الجثة وشعره بنّي.
"أ-أريد لقاء السيّد فرانكو." قالت خائفة
"من أجل ماذا يا حلوة؟." قال واحد من اللذين خلفها
حينها سمعوا صوت زامور سيّارة تقترب وأضواء أماميّة قويّة أضاءت عليهم..كانت سيّارة من نوع مرسيدس وقفت أمام البوابة على يسار كريس..فتحت النافذة.
"ماذا تفعلون؟." قال صوت من الداخل لم يظهر وجهه.
"سيّدي..هذه الفتاة تريد لقائك ولا تريد إخبارنا لماذا."
"ماذا؟." قالوا بينما أجفلت كريس لكنّها ارتاحت.
انطلقت المرسيدس إلى الداخل وقال الصوت:
"هذا الجمال لا يؤذي." وقهقه
وقفوا يحدّقون ببعضهم البعض..نظرت كريس إلى المرسيدس وهي تدخل إلى الساحة الكبيرة في الداخل قبل الباب الرئيسي للمنزل وتقف هناك عند الدرج.
"هذا الجمال لا يؤذي..ه-هل يعقل؟ هل هذا ما أراده ذلك الوغد من اختياري أو اختيار فتاة؟." قالت لنفسها.
"هل يريدني أن أقوم ب..إغوائه؟!."
كان الثلاثة يحدّقون بها ويتحدّثون معها.
"م-ماذا؟." قالت وهي تنظر إلى الذي أمامها.
"ادخلي." وأفسح لها المجال فمشت إلى الداخل.
"لكنّه لم يخبرني كيف أفعلها.. لقد ترك الأمر هكذا فهل هذا سيأتي لاحقا؟ أم أنّه يترك لي الحرّية؟." وصعدت الدرج المؤدّي إلى الباب الرئيسي ثم انفتح الباب لوحده لتشاهد اللون الذهبي لكلّ شيء في الداخل الفسيح..دخلت وهي مذهولة وأجفلت حين قال لها شخص كان يقف أمامها:
"سأقودك إلى الصالة..سيّدي بانتظارك."
كان في السبعين من عمره تقريبا يرتدي بدلة سوداء وأصلع.
مشت خلفه وهي تنظر يمنة ويسرى إلى الحوائط المذهّبة والمليئة بأنواع من اللوحات..العشاء الأخير لدافنشي وغيرها الكثير..حين وصلت الصالة اكتشفت أنّها تعادل مساحات الشقق الخمسة في مبنى منزل مايكل إذا وضعت بجوار بعضها البعض..ثمّ توقفت حين انعطف الخادم فظهر لها رجل يجلس على الكنبة.
"أهلا بك في منزلي المتواضع." وفتح يديه
"ا-المتواضع؟!." قالت لنفسها لكنّها أجفلت..اعتقدت أنّ فرانكو في الستّين أو وسط الخمسين من عمرها لكنّ هذا رجل في الأربعين. واعتقدت أنّه سمين وكرشه متران لكنّه نحيل ببنية قويّة. كان أشقر الشعر بعينين خضراوتين ويرتدي بدلة حمراء في الداخل قميص أبيض.
أشار لها لتجلس مقابله بينما عاد الخادم بالعصير ووضعه على الطاولة.
جلست مقابله..كانت متوتّرة.
"يسعدني أنّ فتاة فاتنة مثلك في قصري."
"ش-شكرا." لم ترد أن يحمرّ وجهها لكن يبدو أنّه كان كذلك من نظرته وابتسامته.
"تفضّلي واشربي العصير ثمّ لنتحدّث. أعتذر عن معاملة الحرّاس لكن هذه ضريبة النجاح..حمقى يرسلون تهديدات."
"وهل كلّ هذه الحراسة من أجل تهديدات؟." قالت وأمسكت بكأس عصير توت.
"لا، فقد كاد يحصل حادث لي لذلك كان الحذر واجبا."
أجفلت كريس..حادث؟ لكنّها لن تسأل الآن.
انحنى فرانكو للأمام وقال:
"حسنا..من أنت؟ وماذا تريدين؟."
كانت نظرته خبيثة وأدركت كريس ذلك متأخرا..هل ظنّها بائعة هوى؟ غضبت لكنّها كتمت غضبها.
لم تدرك كيف تبدأ بالكلام..كانت قد فكّرت بطريقة لإخباره بسبب الأخبار عنه على الانترنت.
"حسنا..هل أستطيع التحدّث كيف أشاء؟."
"لا أعتقد أنّك في المخابرات." قال مبتسما
"مع الحراسة في الخارج ظننتك رئيس الولايات المتّحدة." قالت لنفسها.
"تفضّلي، أنا أستمع. ما الذي يأتي بفتاة عشرينية حوالي التاسعة مساء إلى قصري؟."
"مكالمة؟!." ونظر إليها نظرة من يعتبرها مجنونة.
"نعم..قال لي شخص مجهول أنّه سيقتلك ويتحدّاني أن أوقف هذا."
استقام في جلسته وحدّق بها..ثم نهض.
"في حياتي لم أعتد أن أجعل الجميلات يشعرن بالخزي أو يسمعن كلاما جارحا..كذلك عوّدت ابنتي أيضا والتي تشبهك لكنّني.." ونظر في عينيها مباشرة.
"لا أستطيع السماح لك بالبقاء بترّهاتك هذه." فنظرت إليه وتشجّعت.
"هذه ليست ترّهات. أنا لا أكذب وهذا ما حصل."
"ولماذا يتّصل بك أنت في هذه الحالة؟."
"إنّه يعلم أنّني متحرّية وحللت بعض القضايا."
نظرت إليه وتمنّت أن تضربه فقد قال وبعد بطريقة توحي أنّ كريس تكلّمه قصّة قبل النوم الخياليّة.
"جئت أحذّرك، وبصفتي متحرّية لأعرف منك من قد يستهدفك."
"اهدأي، اهدأي..هذه الحركة الأفضل فهكذا سأتحرّى من اليوم. العدّ للأيّام يبدأ من الغد ولديّ متّسع من الوقت لأصل إليه قبل أن يؤذي مايكل..لن أسمح له أن يفعل هذا..أبدا!." أكملت لنفسها.
"لو كان الاتّصال حقيقيّا فهو مجرّد مزاح وكلام فارغ."
"لم يكن كذلك..لقد أثبت لي جدّيته."
انتبه ونظر إليها "كيف هذا؟."
أخبرته عن الفتيات وأحمر الشفاه..بدا أنّ فرانكو يحسب حساباته.
أجفلت..نسيت أنّها لم تعرّف عن نفسها.
"يبدو لي اسما مألوفا..هل أنت ممثلة؟."
"ل-لا." قالت متفاجئة فنظر إليها.
"إذا كنت ممثلة أفلام إباحيّة وتخجلين من هذا لا بأس فأنا أتابع هكذا أفلام."
أجفلت واحمرّ وجهها..الآن أدركت أنّه يجب أن يضرب.
"هيه! أيّها الوغد الأحمق! إباحيّة!! أتظنّني عاهرة؟!."
"حسنا، اسمعيني آنسة كريس..لا أعلم ما أقول عن هذا. لا أصدّق أنّ أحمقا سيفعلها كما أنّني أمتلك حراسة ممتازة وأساليب حماية في القصر أيضا. لا خوف أبدا لذلك أشكرك على اهتمامك."
فهمت كريس أنّه أنهى اللقاء فقالت قبل أن تنهض:
"هل أستطيع التواصل مع ابنتك؟."
"لا بأس في هذا..جوزيف." صرخ بالاسم فجاء الخادم نفسه فقال له:
"اذهب بها إلى غرفة ريتّا.."
"تأكّد من ذلك وعد وأخبرني."
فمشى الخادم ثم عاد بعد دقيقتين.
"لا بأس، أشكرك سيّد فرانكو." قالت كريس وصافحته وصافحها ثم غادرت القصر وهي تفكّر.
ضربت أشّعة الشمس في صباح اليوم التالي سريرها ولفحت وجهها قليلا..استيقظت كريس وأزالت اللحاف عنها ثم تثائبت وتمطّت..جلست على السرير.
كانت تتعرّق فقد حلمت في الليل مجدّدا بأنّها تسير في ممرّ مظلم وكلّما مشت فيه كثر، ضاقت جدرانه عليها حتّى أطبقت. استيقظت في الليل فزعة بعد ذلك الحلم وحين عادت ونامت كان نومها متقطّعا لذلك استيقظت متعبة..نهضت عن سريرها ودخلت الحمّام وأخذت حمّاما..خرجت وارتدت كنزة صفراء وبنطال أبيض ودخلت المطبخ وشربت ماء ثمّ وضعت ماء وغلته لتشرب قهوة وأعدّت فطورا خفيفا لها.
"من قد يستهدف فرانكو روزيني؟."
"صاحب شركات عملاقة متعدّدة..من؟."
أنهت فطورها وأمسكت فنجان قهوتها التي أعدّتها وعادت إلى غرفتها وجلست على سريرها.
"لم أر زوجته..هل هي معه في المنزل؟ مسافرة؟ مطلّقة؟ أم ماذا؟."
"ماذا عن الشركات التي خسرت بسبب نجاحه؟."
"ماذا عن موظفي شركته اللذين يعملون لديه؟."
توقفت عن التفكير ورفعت رأسها..ظهر لها انعكاس وجهها في المرآة الكبيرة على الطاولة.
"مشتبه بهم كثر..كيف سأتصرّف؟."
حدّقت نحو النافذة..رأت شجرة التفاح المزروعة في المنزل المجاور عليها تفاحات جميلة.
"شجرة.." كانت كلمة أيقظت جملة في ذاكرتها.
بدأت فكرة تتمحور في عقلها.
لفت انتباهها شيء على الطاولة فنهضت واقتربت من الطاولة وأمسكته..كانت النظارة الشمسية التي كان يرتديها مايكل..وضعت الفنجان على الطاولة وعانقت النظارة ووضعتها على صدرها..دمعت وهي تنظر إلى نفسها.
رنّ هاتفها الخلويّ فخفق قلبها بشدّة، استدارت وتوجّهت نحوه ثم أجابت.
"ما هو اليوم؟ هل هو سؤال صعب؟."
"جيّد..ومتى آخر يوم للتحدّي؟."
"لقد تمّ تعديل الموعد..غدا الأربعاء عند منتصف الليل هو النهاية."
"ل-.." كانت على وشك قول لماذا وبصوت ضعيف لكنّها قرّرت أن لا تظهر ضعفها أمامه..ستتصرّف وستنقذ مايكل.
"حسنا..موافقة." قالت بصوت واثق
"أوه، وهل فكّرت بطريقة لقتله؟."
"حسنا..اتّصلت لإخبارك بالموعد الجديد.."
وهمّت كريس بأن تبعد الهاتف عن أذنها معتقدة أنّه أنهى كلامه فسمعته يقول شيئا فقرّبت الهاتف من جديد.
"إيّاك أن تكرّري ما فعلته بالأمس بعد لقائه..لقد مررت بجوار مركز الشرطة وهممت أن تدخليه. سأقتل حبيبك مباشرة وقتها. لا تلعبي معي! مهمّتك قتله وإلّا سأقتل زوجك. لا مهمّة أخرى لديك إلّا إذا كانت حياة زوجك لا تهمّك."
ارتعشت وارتعش جسدها كاملا كأنّها في جوّ ثلجيّ..سمعت الخطّ يقفل.
لقد كان يراقبها طول الوقت..
شعرت كريس بدوار فاستندت بكلتا يديها على الطاولة وحدّقت بها.
ابتسمت بكآبة..لقد عزّز الاتّصال من قوّة الفكرة التي خطرت لها.
إذا أردت إخفاء شجرة..قم بعمل غابة حولها..وإذا أردت قتل شخص..وأردت أن لا يشتبه بك أحد..اعمل عددا لا نهائيّا من المشتبه بهم.
كانت قد سمعت هذه الجملة من ليون من قبل.
هذا قادها إلى استنتاج..وجود شركات خسرت من شركته، أعداء كثر، حاقدون كثر..هل الأمر حقيقي؟ الحادث الذي حصل وتحدث عنه فرانكو. أم أنّ شخصا يستغلّ الأمر.
لقد كان يراقبها..هذا يعزّز الفكرة ربّما أنّ الفاعل ممّن حول فرانكو ويريد جعل مساحة الغابة أكبر.
فمن يكون؟ ابنته؟ زوجته التي لم تظهر؟ خادمه؟ هل لابنته عشيق؟ هل يكون العشيق؟ كانت كريس تفكّر بعمق.
ذهبت إلى المطبخ وشربت كوبا من الماء دفعة واحدة.
عادت إلى غرفتها وجلست على سريرها ثم فكّرت مجددا.
هل كان يعني ما قاله؟ إن كان يراقبها..فهل أيّ خطوة منها ليست في الاتّجاه الذي يريده وهو قتل فرانكو تعني بالنسبة له خيانة الاتفاق وعليه..عليه..
تمدّدت على ظهرها على السرير.
جلسوا على الطاولة المستديرة يتّفقون.
"وماذا لو خرج الأمر عن السيطرة؟."
"لا تقلق..سيكون شيئا عظيما."
"حسنا، فلنكملها إذن. سنفعلها! كم هي فتاة مثيرة وفاتنة." قال أحدهم بينما نظر الباقي لهم شزرا.
بينما كانت كريس متمدّدة على السرير تحدّق بالسقف جاءتها فجأة الحماسة فقفزت عن السرير ووقفت.
"سأذهب وأقابل ابنته وزوجته إن أمكن والخادم وسأعرف إن كان هناك عشيق لابنته. سأتحرّى ولن أقف مكتوفة الأيدي هكذا."
نسيت مع الحماسة وعيده لها..ارتدت قميصا أزرقا وخلعت البنطال الرياضي الأبيض وارتدت بنطالا من الكتّان أسود اللون.
فتحت حاسوبها الشخصي وبدأت بالبحث..كتبت شيئا وانتظرت النتائج وهي واقفة ثم حين نظرت النتائج نظرت إليها فشاهدت ما تريده.
"ابنته اسمها ريتّا وتعمل في حانة..يا له من احترام للجمال كما قال."
حملت مفتاح ال بي أم وانطلقت..خرجت من المنزل ثمّ من المبنى وركبت السيّارة..انطلقت مسرعة نحو الشارع السابع والسبعين حيث توجد الحانة..حانة السبعة وسبعين.
كانت الساعة الخامسة عصرا..هل ستكون مناوبتها الآن؟.
وصلت بعد ربع ساعة..كانت حانة عادية لكن واسعة..دخلت إليها وكانت شبه فارغة إلا من القليل من الناس، فالخامسة عصرا وقت مبكّر. توجّهت مباشرة إلى المشرب وقالت لرجل هناك يمسح الكؤوس:
"هل الآنسة ريتّا تعمل هنا؟."
"أنا صديقة لها وأريد لقائها."
تفحّصها النادل لدقيقة ثمّ قال:
"يبدأ عملها من السابعة مساء حتّى الثانية فجرا..ما زال هنالك ساعتين على وقت قدومها."
"يا له من وقت عمل شريف جدّا." قالت لنفسها.
"ماء.." فنظر إليها وقد رفع حاجبا.
"وعصير برتقال." أكملت فرفع حاجبه الآخر.
مشت وجلست على أبعد طاولة عن الباب عند الزاوية..شربت من الماء الذي أحضره نصف الكأس وثلاثة أرباع كأس البرتقال..عند السابعة إلا خمس دقائق رأت فتاة في مثل عمرها، شعرها بنّي ويشبه المعكرونة وطويل، الفتاة نحيفة بصدر ممتلىء وعيناها عسليّتان..يبدو أنّها ورثت كلّ شيء عن والدتها التي لم ترها كريس أصلا نظرا للأشقر والناعم لشعر والدها وعيناه الزرقاوتان..كانت ترتدي قميصا أحمرا مفتوحا من الأعلى وتنّورة بيضاء قصيرة..دخلت وتوجّهت مباشرة إلى المشرب ورأتها كريس تدخل إلى الداخل وتتحدّث مع النادل الذي تحدّث إليها.
بدا أنّها سمعت من النادل كلاما حول كريس فنظرت إليها ثمّ إليه وتكلّمت بشيء ثم ارتدت مريولا وأحضرت دفترا صغيرا وخرجت من المشرب وتوجّهت باتّجاه طاولة كريس مباشرة.
وقفت عند طاولة كريس وقالت وهي تنظر إليها:
"من أنت؟ وماذا تريدين منّي؟." فنظرت إليها كريس وقالت:
"أنت ابنة السيّد فرانكو روزيني..صحيح؟."
أجفلت ريتّا أو أنّ هذا ما شعرت به كريس فقط؟
"هل لي أن أتحدّث معك قليلا؟."
نظرت ريتّا حولها..ما زالت الساعة بعد السابعة بقليل ولا ضغط عمل..يستطيع رامبو تولّي الأمر. عادت إلى رامبو وتكلّمت معه لثواني ثمّ عادت إلى طاولة كريس ولاحظت كريس أنّها خلعت المريول..جلست مقابل كريس.
"حياة والدك في خطر." قالت كريس دون مقدّمات.
نظرت إليها وقد ضاقت عيناها وفجأة..قهقهت.
"هل تعتقدين أنّ شركات خسرت أمام شركاته ستذهب لقتل ذلك الحقير؟ إذن لا تنافس إذن."
أجفلت كريس ونظرت ورأت الغضب في عينيها.
"آ-آه، طبعا..عندما يكون والدك مثله وتعملين هنا تعرفين هذا..حقير وأحمق."
"ليست المسألة مسألة دعم..لقد أراد أن يزوّجني بحمقى لمجرّد أنّهم من أبناء أصدقاء أغنياء له..كنت أرفض وحينها قال أنّني حمقاء وأنّ الجميلات دائما حمقاوات كوالدتي..فتركت المنزل ومن وقتها لم يسأل عنّي."
"م-ماذا؟! ل-لقد كنت في المنزل وسألت عنك فقال بأنّك في غرفته وبعث الخادم الذي قال أنّك نائمة!."
"حقا؟ لا أتعجّب من هذا فهو حقير ومنافق وجوزيف حقير مثله."
"يقولون أنّني نسخة طبق الأصل عنها. "
"مع عشيقها حاليّا وتخطّط لطلب الطلاق منه."
"حقير أحمق يتلقّى الأوامر ويقوم بها مع أنّه يكره والدي."
"لأنّ والدته كانت خادمة عندنا وبسبب أوامر والدي ماتت في القصر مع ذلك بقي هناك..حقير أحمق آخر."
"يبدو أنّ ما توصّلت إليه صحيح." قالت كريس لنفسها "جيّد..هذا يعني أنّني أتقدّم."
"نعم. لطيف ورائع وليس من الحمقى اللذين يريد والدي أن أرتبط بهم." وأخرجت سيجارة وأشعلتها ووضعتها في فمها.
"لا يهمّني رأي ذلك الحقير."
"لست بحاجة لنقوده إن كان هذا ما تقصدينه."
"لماذا تركت والدتك والدك؟."
"لأنّه مهتمّ بالعمل فقط وتضخيم الأموال..لم يعد يجلس في المنزل. كانت تعيش حياة عازبة فملّت والتقت شخصا وسيما ورائعا..مع أنّه لا يعرف عن الأمر."
"هل هنالك علاقة بين صديقك ووالدك؟."
"ربّما نعم وربّما لا..لا أعلم عن هذا.."
ونظرت إلى كريس وهي تطفىء السيجارة..
"متحرّية أدعى كريس فينيارد."
"أوه متحرّية..هل والدي من كلّفك؟ هل يعتقد الحقير أنّنا نهدف لقتله؟."
"لا عليك..لسبب ما." فنظرت إليها ريتّا مليّا..هزّت كتفها.
"حسنا، هذا يكفي..ليس لديّ شيء إضافي أقوله."
"هل تستيطعين إعطائي عنوان والدتك وصديقك؟."
سألت كريس السؤال وهي تنظر إلى الطاولة ليس إلى وجه الفتاة الواقفة.
مرّت دقيقة كاملة بعدها قالت ريتّا:
"ها هما العنوانين زسأكون موجودة عندما تذهبين إليه."
فنظرت كريس إليها متفاجئة لكنّها ابتسمت..الغيرة.
"فالشقراوات بعيون زرق فاتنات للرجال." قالت بوجه محمرّ وغادرت الطاولة وعادت إلى المشرب..قالت لنفسها:
"لقد أكّدت لي أنّ الفاعل واحد منهم فهل بتأكيدها هي خارج الشبهات؟ أم أنّها أذكى من هذا وتريد منّي إخراجها من الشبهات فقط؟."
حين نهضت كريس كانت الساعة التاسعة، وبينما كانت تنتظر ريتّا أرسلت رسالة لشخص كانت تعلم أنّه سيأتي المنزل فعادت إلى المنزل لتراه.
وقفت كريس أمام باب شقّتها ثمّ فتحت الباب بالمفتاح ودخلت وأضاءت أنوار الشقة لتجفل لكنّها ابتسمت.
كانت لوسي والدتها جالسة على الكنبة في الصالة تاركة شعرها الأشقر غير مربوط ومرتدية قميصا ورديّا فتحت أزراره العلويّة وبنطالا من الكتّان أبيض اللون..ابتسمت لكريس وقالت:
"جئت لأثبت لك مواهب لاتكس وومان." وغمزتها فتنهّدت كريس ومشت وجلست مقابل الكنبة التي جلست عليها والدتها.
"أرسلت لي رسالة." قالت لوسي.
"نعم." قالت باقتضاب فنظرت لوسي إليها.
"حسنا..ماذا أردت منّي؟ هل هنالك مشاكل مع زوجك؟."
"أردت مساعدتك." ونظرت في عيني والدتها التي انتظرت "ك لاتكس وومان."
"إذن لماذا سألت السؤال السابق؟." فهزّت كتفيها وابتسمت لها.
"ماما..أنت قمت بسرقة جوهرة من منزل فرانكو. شاهدت ذلك على الانترنت."
"فرانكو روزيني؟ نعم فعلت..لماذا تسألين؟."
"أريد أن أعرف عن القصر..مداخله ومخارجه وأموره السرّية، أريد أن أدخل إليه في مهمّة."
"لا بأس ماما، لا تقلقي..فقط أخبريني."
"حسنا..لكن كوني حذرة." فابتسمت كريس لها.
وأخرجت لوسي هاتفها..كانت تحتفظ بملاحظات حول الأماكن التي تسرق منها. شرحت لكريس العديد من النقاط وبعد ساعة ونصف قرّرت المغادرة فقد شرحت كلّ شيء.
"متى ستنفّذين المهمّة؟." سألت كريس وهي تقف.
"حسنا.." وابتسمت لكريس..انحنت خلف الكنبة التي جلست عليها وسمعت كريس صوت خشخشة شيء..أخرجت لوسيّ شيئا بعلاقة ففغرت كريس فمها وقالت:
"هذا لاتكس ورديّ اللون رائع يناسب مقاسك تماما. ارتديه في المهمّة فهو أفضل من اللباس العادي." وغمزتها.
"أوي أوي! مستحيل أن أرتدي شيئا كهذا."
هزّت لوسي كتفيها ووضعت اللاتكس على الكنبة.
مشت نحو الباب فنهضت كريس وتبعتها..عند الباب قالت لوسي:
"كوني حذرة كريس." فابتسمت كريس لوالدتها.
"الباب الذي أخبرتك عنه..باب سرّي ولديه كلمة سرّ."
"لا تقلقي فهنالك تلميح عند الباب." وغمزتها
"ولماذا لا تخبريني بها وننتهي؟."
"لا.." وقرّبت فمها وقبّلت وجنة كريس ثمّ قرصت الأخرى "أريد أن أرى ذكاء ابنتي." وغمزت مجدّدا.
ثمّ أقفلت الباب وبعد أن أقفلته فكّرت.
لكنّها هزّت كتفيها..دخلت غرفة نومها وجلست على سريرها.
"مشاكل مع زوجك..هاه؟ مايكل في خطر ماما..ليتها كانت مشكلة معه." وتنهّدت بحزن.
همّت بأن تتمدّد في سريرها حين رنّ هاتفها الخلويّ فأجفلت وارتعشت..أمسكته وفتحت الخطّ.
"موعدنا غدا لا بعد ذلك..صحيح؟." قال الصوت الأجشّ
"اسمعي..غدا عند العاشرة مساء سيكون فرانكو في قبو منزله في غرفة هناك، هذه عادته..وسيكون لوحده. اقتليه هناك..أمّا كيفيّة فعلها ودخولك فهذا عليك حضرة المتحرّية."
"م-مايكل! هل مايكل بخير؟." خانها صوتها فظهر الرعب والخوف كاملا فضحك
"قليلا؟! ماذا تعني؟." فزعت
"ألم أخبرك أنّ مهمّتك هي القتل؟ لقد أعطيته هديّة صغيرة لأنّك لم تفهمي مهمّتك..ستعرفين ما هي في الرسالة التي وصلت هاتفك."
"م-مايكل!." قالت لنفسها مرعوبة وبدأت تدمع.
"ألن تخبرني بمكان مايكل؟." صرخت.
"غدا سأعطيك تلميحا عن مكانه وعليك أن لا تفكّري بإنقاذه إلا قبل إتمام المهمّة." وأقفل الخط
فتحت كريس ببطء الرسالة التي قال أنّه أرسلها فشهقت وبكت بشدّة..كانت صورة و هناك جرح عميق قليلا في كتف مايكل الأيسر.
استيقظت كريس في الصباح..نظرت ورأت أنّ الساعة الثامنة صباحا.
معها ستّة عشر ساعة فقط للموعد..خفق قلبها بقوّة ومازال وجهها عليه آثار الدموع والبكاء لما رأته..جرح يحصل بسبب سكّين وبشرّ واضح..اللعنة! من الوغد هذا؟.
"لن أسمح له بإيذاء مايكل." ونهضت..مشت نحو الحمّام..دخلته واستحمّت بالماء الساخن..اثناء إرخائها نفسها هناك شعرت أنّ شيئا يحصل..عقلها يسترجع شيئا..ما هو؟
خرجت من الحمّام بعد أن جفّفت جسدها..ارتدت كنزة حمراء وبنطال أحمر عبارة عن لباس منزلي..مشت نحو المطبخ وأعدّت إبريقا من القهوة.
وقفت تراقب الماء يغلي وهي تفكّر.
تذكّرت ما كان عقلها يحاول استرجاعه في أثناء حمّامها.
كانت الذكرى مع ليون بينما كانا في متنزّه في لندن..ليون يرتدي قميصا أزرقا فاتحا وبنطالا من الكتّان أسود اللون بينما كريس ترتدي كنزة حمراء بلا أكمام وبنطال من الكتّان أبيض اللون..بينما كانا يسيران معا قالت كريس:
"لو خيّروك بين السيّء والأسوأ..ماذا تختار؟."
"سأسعى لأن يكون لا هذا ولا هذا بل الشيء الأفضل والأكثر إمكانيّة."
"وإن كان مستحيل الإيجاد؟."
"حسنا..لن أقول أنّه من المستحيل أن يكون مستحيل الإيجاد، مع أنّه قد يكون كذلك..عندها لا بأس في السيّء بالنسبة للأسوأ."
استيقظت كريس وشاهدت الماء ينسكب من الإبريق فأطفأت الغاز وحضّرت القهوة وسكبتها..مشت نحو غرفتها..جلست على سريرها ووضعت ساقها اليمنى على اليسرى.
"لا بأس بالسيّء..بالنسبة للأسوأ.." وشربت رشفة.
"من أجل مايكل يهون كلّ شيء..إن كان هذا ما سينقذه، سأفعلها.."
وشربت من قهوتها وهي تتأمّل.
رنّ هاتفها فجأة فأجفلت..أمسكت الهاتف وأجابت.
"اليوم الموعد..هل أنت مستعدّة؟."
"أوه..متحمّسة؟." فلم تعلّق
"حسنا..لقد قدّمت لك البارحة تلميحا من خلال مكان يتواجد فيه عادة..دخول القصر وكيفيّة قتله وهذه الأمور سنرى ذكائك فيها، حضرة المتحرّية."
"طالما تسيرين في الطريق الذي أريده لماذا أؤذيه؟."
"حسنا..أعطني عنوان مايكل." فضحك
"ما زال الوقت مبكّرا يا صغيرتي، ستحصلين على تلميح بعنوان زوجك بعد الثانية عصرا. ركّزي على المهمّة الآن."
"لا بأس أيّها اللعين! سأفعلها من أجل مايكل لا من أجلك."
ذهبت إلى الخزانة وفتحتها وفكّرت في ماذا سترتدي في المهمة.
خرجت من الغرفة ونظرت إلى اللاتكس الورديّ الذي أحضرته والدتها فحملته وتأمّلته.
"اللعنة! كيف تظنّني ماما سأرتدي شيئا كهذا؟."
وضعته وعادت إلى الغرفة..لكن بعد أقلّ من دقيقة عاودت الخروج وحملته ودخلت به.
"أنا فضوليّة وفضولي الآن حول ارتدائه وكيف أبدو به."
"اللعنة! كيف تدخله ماما في جسمها؟."
لكنّها لبسته كاملا..أغلقت السحّاب إلى النهاية ثم نظرت إلى المرآة وسرّحت شعرها الأشقر القصير..اندهشت.
"يبدو رائعا." قالت مندهشة ثمّ هزّت رأسها.
"ماذا أفعل؟ معي ثلاثة عشر ساعة فقط."
أنهت كلّ شيء..حملت مفتاح سيّارتها وخرجت من الشقّة ثمّ من المبنى..ركبت سيّارتها وانطلقت إلى قصر فرانكو روزيني.
وصلت كريس إلى زقاق قريب من القصر..كانت الساعة الثانية عشر إلا ربع ساعة حين ركنت السيّارة ونزلت منها..حدّقت من بعيد.
"اللعنة على الفضول! لا شيء أسهل من انكشاف شعر أشقر ولاتكس وردي! من كيلومترات سيرونني!!."
"حسنا..بناء على كلام ماما.."
كانت في الجهة الجنوبيّة من القصر..الحراسة أخف.
"لا بدّ من وجود مدخل من هنا."
ومشت إلى الأمام..كانت في الجهة الجنوبية السور المحاط بالمنزل مع بعض الأشجار العالية التي تساعد في حجب الرؤية..مشت كريس وحينها سمعت صوت طقطقة عند أقدامها فتوقفت.
"ها هو! المدخل الذي قالت عنه ماما وحضّرته بنفسها."
أزاحت الغطاء الدائري..لم يكن فتحة تصريف بل فتحة في الأرض..رأت سلّما موضوعا فوضعت قدمها ثمّ جرّت الغطاء ونزلت السلّم خطوة خطوة حتّى وصلت إلى الأسفل..كان المكان قد أصبح مظلما تماما فأخرجت هاتفها الخلويّ وأنارت الضوء منه ومشت إلى الأمام.
لم يكن حولها شيء..كان عليها أن تصرخ بصوت خفيف كلّ فترة لوجود فئران في الداخل لكنّها وإن كانت تكره الفئران وتشمئزّ منهم فإنّها اليوم تركّز على شيء واحد..عدم إيذاء مايكل! ولا يهمّ أن تقتل أحدا في سبيل هذا.
نظرت إلى الساعة فرأتها الثانية عشر وعشر دقائق..مضت ثلث ساعة وهي تمشي.
توقفت حين رأت السلّم الذي حدّثتها والدتها عنه.
صعدته بحذر وهي توجّه الضوء..وصلت إلى السقف ومدّت يدها ودفعت فلم يتحرّك شيء.
دفعت أكثر وأكثر وأكثر فانزاح الغطاء أخيرا..تغبّر الجو فسعلت وعطست. صعدت إلى الأعلى ونفضت عنها الغبار.
وقفت في غرفة في نهايتها باب عليه جهاز..الباب السرّي مع كلمة السرّ.
"كان الأمر سهلا..لنرى تلميح كلمة السرّ."
اقتربت من الباب وحينها..أجفلت حين انفتح شيء أسفل منها، فتحة أسقطتها..نظرت كريس إلى الأرض ورأت مسافة كبيرة جدّا تفصلها عنها..قاومت رغبتها في الصراخ وبعد ثوان..كانت كريس على الأرض مغشيّا عليها.
كانت الساعة الثانية عصرا..جلست آيرين وماريّا في غرفة الجلوس في منزل سام تتحدّثان..كانت آيرين ترتدي كنزة بيضاء بلا أكمام وبنطال رياضي أزرق بينما ترتدي ماريّا كنزة صفراء وتنّورة بيضاء.
كانتا تتناولان البوظة وتتحدّثان حول الكثير من المواضيع..قالت ماريّا:
"ما هو الشيء الذي تحدّثت لهيرشار أنّه سيقام غدا؟."
"آ-آه، ذاك؟ إنّه شيء خاص وهيرشار لا يعلم به."
"وما هو؟." فهمست آيرين لها.
"هذا رائع..سأذهب أيضا." فأومأت آيرين متحمّسة.
فتحت عينيها ببطء وشعرت بألم في جميع أنحاء جسدها..نهضت وهي تشعر أنّ جسدها محطّم.
"تبّا! ما هذا القصر اللعين؟!." ووقفت على قدميها بصعوبة.
نفضت اللاتكس الذي ترتديه ونظرت إليه.
"ماذا لو ارتديت لمايكل مثله يوما ما؟."
وابتسمت مع نفسها ثمّ عادت الجدّية لها..نظرت إلى الأعلى وتبيّن لها أنّ هناك اهتراء في الأرض الخشبيّة التي صعدت إليها ممّا أسقطها..الغرفة هنا بلا منفس. الحلّ الوحيد هو في الأعلى..لكن ماذا ستفعل لتصل إلى علوّ عشرة أمتار أو أقلّ بقليل؟
أجفلت..نظرت إلى ساعتها فكانت الثالثة وخمسة عشر دقيقة..أخرجت هاتفها وقلبها يخفق بشدّة..فتحته ورأت أنّ رسالة وصلت إليها كما قال..خفق قلبها أكثر قبل أن تفتحها وحين فعلت أجفلت.
"ف-فقط! هذا هو التلميح؟!."
نظرت حولها باحثة عن طريقة تصعد بها للأعلى..عادت إلى الوراء بخطواتها فاصطدمت بجدار خشبيّ مهترىء فصدر صوت تكسّر خشب..هربت كريس للأمام فسقط الخشب محدثا صوتا عاليا فأجفلت..لكنّ سلّما مخفيّا برز خلفها..ابتسمت ثم مشت إليه وبدأت تصعد السلّم لأعلى..عند آخر درجة اكتشفت أنّها عادت إلى الغرفة حيث الباب السرّي..كان مكان الانهيار الخشبيّ دائرة بقطر نصف متر في المنتصف..مشت كريس على رؤوس أصابها على الخشب الباقي لتصل إلى الباب الذي كان موصولا بجهاز كلمة السرّ.
"ما هو العنصر الأهمّ في حياة فرانكو روزيني؟."
"ذلك الرجل..لن يكون إلا.."
لديك ثلاث محاولات..قمت بإدخال واحدة خاطئة وتبقى اثنتان.
خفق قلبها بقوّة وحاولت التركيز والتفكير.
"الزوجة؟ الابنة؟ م-ماذا؟."
وقفت كريس عند الباب تفكّر..لم تدري أنّ الوقت كان يمضي وشعرت بهذا فقط حين حلّ الغروب، ما يعني أنّ الساعة قاربت من السابعة فأجفلت وتوتّرت برؤية ضوء الشمس من النافذة يتحوّل إلى البرتقالي.
تعرّقت كريس وشعرت بتوتّر شديد..مرّة واحدة فقط..
لم تدرك أنّ الوقت يمضي سريعا.
أضحت الساعة العاشرة إلا ربعا فتوتّرت كريس أكثر..كيف يمرّ الوقت هكذا بسرعة؟.
معها ساعتان فقط ولم تحلّ لغز هذا الباب ولا لغز مكان مايكل!
حدّقت بالسؤال الذي كان موجودا على الآلة..
"اهدأي! اهدأي وركّزي! اهدأي."
بدأ عقلها يحسب الأمور..اختلط في عقلها كلمات..والدتها، ليون من قبل، فرانكو وريتّا.
"انظري إلى الأمور بوجهها غير الظاهر."
"اقرأي ما وراء الأشياء..قد تكون كلمة مخفيّة."
دارت الكلمات والجمل في رأسها.
تذكّرت ريتّا وكلامها كاملا فأجفلت.
كتبت الكلمة وسمعت صوتا قويّا..انفتح الباب ودخلت كريس إلى الداخل وهي تتنهد.
مشت بحذر للأمام..نظرت يمنة ويسرى وهي توجّه الضوء في العتمة ثم مشت يسارا كما قالت والدتها.
توقفت متصلّبة وقد شعرت بالقشعريرة الكاملة.
"من أنت؟ مكانك ولا تأتي بأيّ حركة." قال الصوت الذي من خلفها فارتعبت كريس أكثر.
سمعته يحاول التواصل مع أناس آخرين، واضح أنّه من الحرس..التفتت كريس ببطء وهي تنزل السحّاب الخاص باللاتكس قليلا..نظر وفغر فمه لكنّه حاول المقاومة بينما تذكّرت كلام والدتها.
"استعمليه. قد لا يستجيب الجميع لكن غالبا ستحصلين على استجابة."
"كنت فقط أبحث عن شخص أستمتع معه. أنا أشعر بالملل والوحدة." قالت بغنج وهي تضع إصبعها على أحمر شفاهها فرأته يفقد التركيز..ابلتع لعابه وقال:
وفتح بابا جانبيا ودخل..كان هناك سرير في الزاوية..إنّه القبو وفيه غرف.
اقتربت منه بإغواء وهي تنزل السحّاب أكثر فذهب عقله ولم يعد يرى..أخرجت كريس أصفادا.
"أوه! أتحبّين لعب هذا الدور؟." أومأت وهي تغنج أكثر.
ثمّ وضعت معصمه في الأصفاد وأغلقته على السرير.
أجفل من نبرة الصوت ونظرتها لكنّه كان قد وقع في الفخ.
وبسرعة وضعت كريس منديلا على فمه فأجفل..قاوم لدقيقة قبل أن ينام.
ورفعت سحّاب اللاتكس وخرجت من الغرفة.
كانت الساعة قد أصبحت حوالي العاشرة والنصف.
بعد أن خرجت من الغرفة ذهبت كريس إلى اليسار..رأت بابا في نهاية الممرّ كان مفتوحا نصفه..اقتربت منه وهي ترى ضوء الغرفة فأدركت أنّه في الداخل..نظرت من نصف الباب المفتوح ورأته واقفا يتأمّل الموقد غير المشتعل وبيده ورقة، كان يرتدي بدلة سوداء..أخرجت كريس السكّين ودخلت الغرفة على رؤوس أصابعها.
اقتربت من فرانكو من الخلف وحين وصلته..كان قد التفّ قليلا ليرى نفسه في المرآة وحين رآها وأجفل، أسرعت كريس وبحركة سريعة ضربت الوريد الوداجي فسقط فرانكو على الأرض..ووقفت كريس تلهث.
كان جالسا على ركبتيه ويديه ينظر إليها مرعوبا..حدّقت كريس وهي تلهث به.
"حسنا..فلننهي هذا الأمر سيّد فرانكو.." ونظرت إليه مليّا.
"أم عليّ أن أقول..حضرة المتّصل؟." فارتعش وفغر فمه.
"أليس هذا صحيحا؟." فنظر إليها وقد تعرّق كاملا.
"لا أفهم ماذا تعنين؟ ومن أنت؟."
"هل نسيتني؟." وخطت للأمام "كريس فينيارد التي أتتك لتتحرى."
كان يعلم..وكانت تعلم أنّه يعلم.
بقي جالسا كالكلاب على أربع..قالت كريس:
"بينما كنت أفكّر بين عائلتك من ابنتك وزوجتك وخادمك وصديق ابنتك وشركتك أو شركاتك..كان الخيار الثاني هو الدارج." ونظرت إليه.
"هو أّنّ من خسر شركته أمام شركاتك هو من يستهدفك. لكنّ الأمر بدا مكشوفا، هذه لعبة شخص أراد لنا الذهاب في ذلك الطريق وعندها اشتبهت بالخيار الأول، عائلتك! وبقي اشتباهي بعائلتك حتّى تجمّعت أمامي نقاط عديدة جعلتني أرى الصورة الحقيقيّة."
"أوّلا: إصرار المتّصل على مهمّتي وهي القتل. بالرغم من أنّ الأمر يبدو عاديّا، إلا أنّه كان مبالغا..تكراره في كلّ لحظة كان غريبا فالمفترض أنّ المتّصل في موقف قوة وأنا في موقف ضعف لذلك كان عليه أن يكون كلامه عن الأمر أقلّ ممّا سيجعلني في موقف ضغط أكثر ممّا أنا عليه. بدا الأمر لي في النهاية حين أدركتها استجداء، اقتليه وأنقذي زوجك. اقتليه وأريحيه أكاد أوقن أنّني شعرت بها هكذا." بقيت تنظر إليه ولم يعلّق.
"ثانيا: لقد قلت لي حين التقيتك في حينها..أنت فتاة ولن تستطيعي فعلها..لا أعلم مدى المصادفة في رسالة وصلتني فيها شيء بهذا المعنى أنّ الفتيات عديمات الفائدة وكلامك..أليست مصادفة غريبة؟."
"ثالثا: كلمة السرّ عند الباب..لقد تعرّض المنزل منذ خمسة شهور لسرقة من لاتكس وومان، لاتكس وومان هاجمت منزلي منذ أيّام وسرقت شيئا يخصّني..اكتشفت أمرها في حينها فرأت على طاولتي معلومات حول قصرك واقترحت عليّ المساعدة مقابل جعلها تذهب فوافقت..أخبرتني عن الباب السرّي وكلمة السرّ وأخبرتني بالكلمة."
سكتت كريس ونظرت إليه..كان يفكّر.
"حسنا، لم أكذب كثيرا..لقد وصلتني رسالة من ماما حول الأمر اليوم صباحا."
حين دخلت منزلك حبيبتي دخلت غرفة نومك..كان كلّ شيء مرتّبا ولا أثر لاستعمال زوجك لشيء من ملابسه وأدواته. اعتقدت أنّه مسافر حتّى سألتني عن فرانكو فظننت أنّه وقع في ورطة معه..لذلك اسمعي، كلمة السرّ للباب السرّي هي..
"لقد كانت كلمة السرّ هكذا قبل خمسة شهور..بمعنى أنّك حصلت على كلّ شيء في الحياة..صحيح؟." وسكتت وراقبته.
"لماذا إذن أصبحت كلمة السرّ.."
"ما الذي حصل في خمسة شهور؟." لم يجب.
"أنا سأخبرك. تركتك زوجتك التي اكتشفت علاقتها وهذا أنا متأكّدة منه، ابنتك سئمت من حركاتك وغرورك بمالك وأنت نفسك تدهورت..صحيح سيّد فرانكو؟."
نظر إليها وقد ضيّق عينيه..بقي صامتا.
"بينما كنت أبحث عن معلومات عن قصرك..كان من ضمن التعليقات على أحد المنتديات أنّك إنسان محتال حاليّا وأنّ هناك من ينتحل شخصيّة فرانكو..أجفلت حين قرأت هذا الأمر فراجعت الحوار ورأيت أنّ المتحدّث فنّي مختبر قد حلّل الدم لك سابقا مرّتين."
أجفل ونظر إليها ثمّ أخفض رأسه.
"قال بأنّ الفحص الأوّل أظهر أنّ فصيلة دمك (أوه) والثاني (ب) فتسائل كيف هذا؟." بقي مخفضا رأسه.
"لكنّ الإجابة موجودة وفنّي المختبر كما يبدو لا يعلم الكثير عن هذا..قد لا يبدو عليك ولم تستعمل علاجا كيماويّا لكن نعم! السرطان! السرطان في مراحله المتأخّرة يحوّل فصيلة الدم أحيانا..ف (أوه) تصبح (ب) و(أ) تصبح (أب)." وسكتت وراقبته.
"نعم..إضافة لكلّ ما حصل معك أصبت بالسرطان فقرّرت أن تنتحر بهذه الطريقة." بقي ينظر إلى الأرض.
"لكنّني لا أفهم..من كلمة السرّ الجديدة أفهم أنّك تعتذر لزوجتك وابنتك ربّما فلماذا تنتحر واضعا الشبهة عليهم؟."
"لأنّك لم تفهميها فعلا. كنت أعامل زوجتي كالملاك وحين أصبت بالسرطان في بدايته رأيتها على فراشي مع رجل آخر. أمّا ابنتي فلأنّها عنيدة وغبيّة فبينما والدها ينجح كانت لوحدها تعمل كالحمقاء في نادي ليلي تلطّخ سمعتي بالوحل..لذلك اخترت ألا أتعالج من السرطان أبدا."
"ولماذا تنتحر؟ ألم يكن السرطان كفيلا بقتلك؟."
"يبدو بأنّني تقريبا تغلّبت عليه من دون علاج." قال بابتسامة غريبة.
"ح-حقا؟." فأومأ بينما تشكّكت كريس.
رفع فرانكو رأسه ورأته كريس يبتسم بخبث..حينها أدركت أنّ في يده شيئا فارتعبت..كان جهاز تحكّم.
برزت خلفه الآن فقط شاشة ورأته كريس فيها، مايكل ممدّدا على الأرض.
الساعة كانت الثانية عشر منتصف الليل تقريبا.
رأت إصبعه يقترب من الزرّ.
امتلأ المكان في الشاشة بالدخان والنار..تجمدت كريس في مكانها مصعوقة قبل أن تبدأ بالارتعاش بغضب.
قفزت عليه ورفعت يدها بالسكّين..
لمعت أضواء حولها بينما هوت السكّين باتّجاهه فتوقفت بالقرب من قلبه.
برز رجلان من الخلف ومشيا نحوهما فأجفلت كريس وشعرت بقلبها في ركبتها..نهضت عن فرانكو ووقفت وهي تتابعهم يسيرون نحوها كأنّها تساق بنفسها إلى المشنقة..لقد وقعت. شروع في القتل! لن يرى الناس إلا هذا!
كان الرجلان يمشيان بجوار بعضهما البعض مبتسمان.
الأوّل طويل القامة، أبيض البشرة، نحيل بعينين وشعر أسود ولديه لحية خفيفة ويرتدي قميصا أبيضا وبنطالا أزرقا بينما الثاني سمين وقصير، أصلع ما عدا بعض الأجزاء من رأسه..عيناه عسليّتان..يرتدي بدلة سوداء.
"انتهت اللعبة..صحيح؟." قال الأوّل
حدّقت بهما كريس غير فاهمة ثمّ رأته خلفهما فبكت مصعوقة..ركضت وتجاوزتهما لتصل إلى حبيبها، زوجها، مايكل! كان يبتسم لها بعطف ثم عانقها وعانقته وقبّلها.
"م-مايكل؟." وبدأت تتحسّسه من كلّ جزء وترى..لا إصابات.
"الحمد لله." قالت وهي تبكي "ل-لكن..ما الذي يحصل هنا؟."
قال النحيل ذو الشعر الأسود:
وبرز من الظلام رجل آخر..رجل طويل، أبيض البشرة، شعره أسود قصير، نحيل، لديه سكسوكة وشارب..كان يرتدي بدلة زرقاء.
"أنا رينيه وايت." وقف مبتسما بينما أجفلت كريس.
"رينيه وايت؟! أين مرّ عليّ هذا الاسم؟."
وبرز هيرشار في حينها وآيرين تمشي بجواره..كان هيرشار يرتدي كنزة خضراء وبنطال من الكتّان أسود اللون بينما آيرين خجلة وترتدي قميصا أبيضا وبنطالا ورديّا من الكتّان.
"ه-هيرشار؟!." صرخت كريس "ماذا يحصل هنا؟."
"سأخبرك.." قال رينيه "أنا كاتب روايات بوليسيّة..اتّفق معي هؤلاء الأشخاص - وأشار إلى إدوارد ومارك - على تحويل رواية لي إلى فلم سينمائي..وبينما كانوا يتحدّثون عن البطلة.." فقاطعه مارك قائلا:
"اخترتك بنفسي وأخبرته أن يترك الأمر لي." قال وهو يقترب منها.
"ماذا؟ أنا؟." قالت بوجه ساذج جميل
"نعم..أنت فاتنة، جميلة، مثيرة، وذكيّة أيضا..ما ينقصك هو أن يجدك شخص..وفعلتها." واقترب أكثر وقال:
"واللاتكس الورديّ زادك إثارة..يا لك من فتا-."
لم يكملها..تلقّى لكمة على وجهه أسقطته أرضا بيد مايكل بينما احمرّ وجه كريس خجلا.
"وعندها اقترحت على كليهما المؤلف السيّد رينيه المشهور والمنتج أن نلعب لعبة..أن نضعك في الفلم بالطريقة التي حصلت."
"ل-لحظة..هل تعني أنّ مايكل لم يكن مختطفا؟ هل تعني أنّ هذا الفرانكو الأحمق لم يخطّط للانتحار؟."
"أهان عليك رؤيتي أجنّ وأفعل كلّ هذا من أجلك وأنت لست في خطر؟." قالت بوجه غاضب فابتسم لها.
"بل حين رأيت هذا ازداد عشقي لك." وقبّلها أمامهم.
"هل اكتشفت حلّ لغز تلميح الحبّ؟." قال رينيه.
"ن-نعم.." قالت منزعجة "هنالك تماثيل في حديقة في الشارع الثمانين..التمثال الأوّل رجل واقف على زاوية أرضيّة، وهو حرف ال (ال). التمثال الثاني عبارة عن حلقة دائريّة داخلها رجل وامرأة يقبّلان بعضهما البعض..التمثال الثالث هو راقصة باليه تفتح يديها واسعا فأصبحت تشكّل حرف ال (في). وحرف ال (إي) هو التمثال الرابع وهو عبارة عن الرقم 8 من مربّعين ولكنّ الجانب الرأسي الأبعد له لا يضاء عادة في الليل ويضاء الباقي..لترى التماثيل تشكّل الكلمة عليك أن تكون في الطوابق العليا من برج التجارة الموجود بالقرب من الحديقة..عرفت أنّ مايكل سيكون هناك."
صفّق رينيه "برافو..برافو."
"لكن..أليس تمثال المرأة يمثّل الواي؟." قالت آيرين
"هذه هي النقطة في التماثيل..هل شاهدت التمثال؟." قال هيرشار
"إنّها امرأة عارية..لقد أراد واضع التماثيل متعمّدا أن يجعل الأمر هكذا..فالحبّ ليس لجسد المرأة في النهاية."
"هل روايتك هي بالضبط ما حصل؟."
"نعم، شخص يخطّط للانتحار هكذا."
"حسنا..الرواية مختلفة فالفاعل الذي يشبه تماما شخصيّة السيّد فرانكو يرسل رسالة إلى المتحرّية التي هي زوجته السابقة." فرفعت كريس حاجبيها.
"زوجته تخونه مع شخص آخر وحياته تكون سيّئة ويصاب بالمرض فيرسل الرسالة لزوجته لتقتله انتقاما منها وتكون الرهينة الابنة، ابنته."
"وهنا الاختلاف أيضا مع ما فعلته."
"ماذا؟." قالت متفاجئة..كانت مازالت تمسك بمايكل من خصره.
"هي تقتله بينما أنت كانت نيّتك أن لا تقتليه، بل تمثّلي قتله حتّى من قبل معرفتك أنّه هو." أي المخطط لكل شيء.
"راقبتك..أرجّح أنّك في حال لم يكن هو كنت ستفعلين التالي..لقد انتبهت إلى وجود الكاميرا الخفيّة في المرآة. حين اقتربت من الغرفة كان بإمكانك مهاجمته قبل أن يكون في المرآة لكنّك فعلتها هناك حتّى إذا كان شكّك في مكانه وقد قرأت من تعابير وجهك أنّك كنت تشكّين فقط أنّه هو، عندها ستجعلين الأمر يظهر أنّك قتلته خصوصا إذا همست له بشيء ثمّ تذهبين وتنقذي زوجك..تأكّدت من الأمر عندما لم يقاوم."
"يا إلهي! لا عجب أنّ هيرشار ذكيّ جدّا. إنّه مذهل!." قالت لنفسها.
"ماذا تعني أنّه لم يقاوم سيّد رينيه؟." قال إدوارد
"حسنا..يؤسفني قول هذا لكن لقد خطّط السيّد فرانكو لاستغلال الأمر والانتحار فعلا. السكّين التي أخذتها الفتاة من المنزل هنا كما خطّطنا حقيقيّة."
"ماذا؟!." صرخ إدوارد ومارك بينما أجفل هيرشار وكريس.
"المعلومات عن السيّد فرانكو والتي قالتها الفتاة حقيقيّة..أليس كذلك سيّد فرانكو؟."
أخفض فرانكو رأسه ثمّ سقط أرضا.
"ن-نعم." قال وهو يبكي وارتعشت كريس.
حدّق الجميع به..قال هيرشار لوالده:
"حين أخبروه عن الفلم كانت ردّة فعله عاديّة لكنّه بدا متحمّسا حين عرف أنّها ستمثّل بهذه الطريقة بشكل أوّلي."
"لكن..كادت تقتله إذن." قال هيرشار
ابتسم والده فابتسم هيرشار.
"بدّلت السكّين بنفسك بعدها." أومأ رينيه.
"حسنا..كيف واقفت على أن تلعب الرواية هكذا؟."
"لم أفكّر فيمن سيقوم بالدور ولم يكن لديّ مانع بشكل عام." ثم نظر إلى هيرشار وقال:
"كريس فينيارد. لماذا؟." فشرد رينيه قليلا وهو ينظر نحو كريس.
"لا شي. الفتاة في النهاية تمتلك مقومات تجعلها تمثل."
"هذا مؤكّد..وإن كنت أعتقد أنّها فكّرت في تمثيليّة القتل بسبب شخص آخر."
"انظر إليها هيرشار جيّدا." ففعل هيرشار.
"هي تقف مع زوجها بعد الذي حصل ويتكلم معها لكن عيناها تظهران أنّها ليست معه."
"هاه؟." لكنّ هيرشار شعر أنّه محق.
"إنّها فعلا هي إذن." قال رينيه لنفسه بينما ترك هيرشار محتارا.
"على أي حال لو سألتني السؤال من ناحية هل هي الأنسب للدور أم لا.." قال رينيه
"ربما كنت سأختار فتاة أخرى."
"أتعرف ماذا يمثل الشعر الأحمر لدى اليابانيين غالبا؟."
"آ-آه. غالبا ما يمثل الشيطان أو ما شابه."
"هناك فتاتان توأمان بذات لون الشعر الأحمر. أحدهما شيطان حقيقي والأخرى ملاك حقيقي. لو كان الأمر عندي لاخترت الملاك للدور." فاستغرب هيرشار قبل أن يجفل."
"ل-لحظة..أ-أليس هذا الكلام عن..ليسّا وأفروديت؟!." قال لنفسه.
"هل تحاول التغابي الآن هيرشار؟ أنت تعرفهما فقد أخبرتني عما حصل في القضية الماضية."
"آ-آه." كانت هذه القضية في التوقيت بعد قضية رواية "الشيطان." ثم قال لنفسه: حسنا، لا عجب في هذا فوالدي عميل استخباراتي سابق قبل أن يتحول للتأليف."
"ولماذا تعتقد أنّ تلك الفتاة أنسب للدور؟."
"لأنّها تذكّرني بوالدتك حين كانت في مثل عمرها." وسار رينيه مبتعدا بينما وقف هيرشار مجفلا.
في المقابل..كانت كريس فعلا تفكّر في شيء ما حاليا. موقف سابق مع ليون هو من أعطاها المجال لأخذ خطوة بهذه الطريقة.
حين كانا يتواعدان كان ليون نائما في أحد الليالي حين تلقى مكالمة من كريس فاستيقظ وأجاب:
"ما الأمر كريس؟!." كان قلقا
"نعم لا تقلق..أردت أن أسألك سؤالا واحدا.."
"إذا خيّرت بين القتل وأن يقتل عزيز عليك..ماذا تفعل؟."
مرّت لحظات من الصمت شعرت فيها أنّه أقفل الخط.
"هل أنت متورّطة في أمر ما؟."
"نوعا ما لكن لا تقلق..أخبرني."
"لن أسمح بفقدان الشخص العزيز عليّ..سأقتل.."
كان قد فهم ورطة كريس تماما..أجفلت كريس بينما فتح لها ما أرادت.
"هل أنا قادرة على فعلها؟."
"إذا اعتقدت أنّك قادرة على فعلها ستفعلينها وإن اعتقدت غير هذا لن تفعليها. المسألة مرتبطة بهل تريدين فعلها؟." فابتسمت كريس.
"لا عليك..كوني حذرة وأنا موجود عند الحاجة."
كان هذا الحوار في وقت كانت فيه كريس قد تعرضت لموقف شبه مشابه في أحد القضايا للسي آيه إيه. صديقتها التي أخبرت هيرشار عنها في رواية "الشيطان" أنّها كانت سبب انضمامها للاستخبارات كانت في موقف مثل مايكل فاحتاجت كريس لنصيحة ليون لتفعلها. كانت قد تذكرت الموقف قبل هجومها على فرانكو في المنزل.
ابتسمت كريس لنفسها ثم مشت نحو هيرشار وقالت:
"أنت وآيرين ماذا تفعلان هنا؟."
"آ-آه..لقد أخبرتني اليوم عن موعد أبي غدا ثمّ أخبرتني عن اليوم..كانت تتواصل مع والدتي وتعرف عن الأمر فيما عدا استعمالك..تخيّلي! أمّي وأبي يخبرانها ولا يخبراني." فابتسمت كريس.
"آ-آه..غدا توقيع والدي الرسميّ معهم على الفلم."
في اليوم التالي..كان هيرشار وآيرين وماريّا وكريس ومايكل جالسين. ماريّا أوّلا وارتدت فستانا بنفسجيّا وقصير ثمّ آيرين وقد ارتدت كنزة صفراء صيفيّة وبنطال أبيض ثمّ كريس التي ارتدت كنزة حمراء بلا أكمام وبنطال من الكتّان أسود اللون ثمّ مايكل الذي ارتدى كنزة سوداء صيفيّة وبنطال جينز ثمّ هيرشار الذي ارتدى قميصا أزرقا فاتحا صيفيّ وبنطال من الكتّان أسود اللون.
كانوا في الصف الأول من الحضور لحفل التوقيع وإعلان الفلم.
وقّع رينيه مع إدوارد ومارك..ألقى كلمة وقد كان يرتدي بدلة سوداء وربطة عنق حمراء.
صفّق الجميع وحدّد موعد الفلم..فقالت آيرين بحماسة:
"تبّا! لماذا لم توافقي على أن تكوني البطلة؟." قالت ماريّا لكريس فضحكت.
"لا أحبّ التمثيل." قالت بابتسامة فقبّلها مايكل على وجنتها.
"ألا تستطيع الانتظار حتّى تكونا في المنزل؟." قال هيرشار بصوت هامس.
بينما فكّرت كريس مع نفسها:
"كنت أفكّر أنّ ليون إن وصل للسيارة سيصل للاستنتاج لكن هذا لا يعني..إعطائي له الفرصة ليسرّع الأمر."
"هير." فأجفل هيرشار ونظر إلى يساره ليجد والدته تقف. والدته شقراء بعينين زرقاوتين وجميلة جدا. كانت ترتدي فستانا بنفسجيا. اسمها هو ليلى.
"أمّي!." ليجفل من معه بينما قالت آيرين:
"بخير. اعتني بهير جيّدا." وغمزته فأجفل بينما احمرّ وجه هيرشار وقال:
"دعينا من ملاحظاتك هذه." فابتسمت ثم انحنت وهمست في أذنه.
"ماذا؟ ألم يكن للتوّ قد نزل من كلمته؟."
"نعم. لكنّني لا أراه ولا يجيب على الهاتف."
"لا علم لي." فنظرت حولها.
كان رينيه يقف مرتديا بدلة سوداء اللون داخل الغرفة التي كان فيها الرجل مستلقيا على سرير المستشفى ويخضع لعملية.
الرجل المميز جدا صاحب الشعر الأحمر والعينين الزرقاوتين..ليون دافيدسون!
كان الطبيب يقف بجوار رينيه حاليا:
"جيّد. لقد استقرّت حالته وأعتقد أنّه سيخرج في المساء."
"لقد أصبت إصابة بالغة في القضية الماضية كما سمعت لكن.." قال رينيه.
"عليك النهوض أيّها الأسد سريعا ف.." وابتسم.
"ربما إن لم تكن تلك الفتاة قد نجت بالقدر.."
"فأنت تعرضت لأول هزيمة لك." وابتسم بينما غادر الغرفة.
في المساء كان ليون يتمّ إخراجه من المستشفى (كما في المشهد في نهاية رواية الشيطان) بينما كان رينيه خارج المستشفى.
"يوه." قال رينيه حين رآه يخرج من الباب.
"رينيه! مرّ وقت طويل سيّدي."
"آه. لكن دعك من سيّدي فأنا لم أعد في الاستخبارات." ليبتسم ليون.
"من الجيّد رؤيتك بخير مجددا." قال رينيه.
"على الأسد الحفاظ على سجلّ هزائمه عند الرقم صفر." فنظر ليون نحوه مستغربا وقال:
"ماذا تعني؟." فابتسم رينيه فقط.
"رينيه!." سمع رينيه صوت ليلى تناديه فتوجه نحو اليسار بينما لم تر ليلي ليون.
"إلى لقاء آخر ليون." وابتعد رينيه.
"لحظة! ماذا عنيت بكلامك؟." لكن رينيه لم يجبه.
"تبّا! ما به بالضبط؟." لكن ليون ابتسم وأمسك هاتفه:
كان هناك مكالمتين تاليتين. الأولى هي التي حصلت في نهاية "الشيطان." والثانية.
"ريكس. أريد المحاولة مجددا لإخراج السيارة في تلك القضية."
رينيه كان يستمع من خلف الجدار فقال لنفسه بينما كانت ليلى توبّخه.
"يبدو بأنّ كلامي لم يكن هناك داع له. كما هو متوقع منك أيّها الأسد."
لاحقا حصل الأمر بعدها وانكشف كل شيء كما حصل في رواية "جنون الانتقام."